بعد تصريحات ترامب التصعيدية.. هل دخلت الوساطة الأمريكية لحل الأزمة الأوكرانية إلى غرفة الإنعاش؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية ـ سامر اللمع:

تشهد الوساطة الأمريكية لحل أزمة الحرب الروسية ـ الأوكرانية, تطوراً ملحوظاً لجهة التصعيد في لهجة صاحب المبادرة, الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وعلى ما يبدو قد أصيب بنوع من الإحباط بسبب الصعوبات التي واجهته في إيجاد حل للأزمة على قاعدة: رابح ـ رابح.

ترامب، الذي قطع عهداً إبان حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية وبعد توليه سدة الحكم في البيت الأبيض، بأنه سيجد حلاً سريعاً لأزمة الحرب الدائرة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات بين روسيا و أوكرانيا، نراه اليوم وكأن الملل والإحباط قد تمكّنا من عزيمته بعد جهود امتدت أكثر من أربعة أشهر وجولات مكوكية لمبعوثيه إلى البلدين المتحاربين من دون الوصول إلى حلّ مستدام.

الرئيس الأمريكي المحبط, خرج أخيراً عن حدود اللياقة الدبلوماسية مع الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فلودومير زيلينسكي وصعّد من لهجته تجاههما حيث وصف فيها الأول بأنه “مجنون”، والثاني بأنه يثير المشاكل ويضر بلاده.

وكان ترامب قال في منشور يوم الأحد الفائت: إن بوتين “أصابه الجنون” بعد أن شنّ هجوماً جوياً واسع النطاق على أوكرانيا.

ثم عاد الرئيس الأمريكي يوم أمس الثلاثاء ليقول في منشور على منصة تروث سوشيال: “ما لا يدركه فلاديمير بوتين هو أنه لولا وجودي، لكانت حدثت بالفعل أمور سيئة جداً لروسيا، وأنا أقصد ذلك تماماً، إنه يلعب بالنار!”
ولم يتأخر الرد الروسي على انتقادات الرئيس الأمريكي التي وجهها لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث كتب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، باللغة الإنجليزية على منصة إكس: “لا أعرف إلّا شيئاً واحداً سيئاً جداً.. الحرب العالمية الثالثة، آمل أن يفهم ترامب هذا!”, وهو ما بدا أنه تحذير مبطن بإمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة إذا لم يتم إيجاد حل للأزمة الروسية ـ الأوكرانية.

وكانت شبكة “سي إن إن”، قد نقلت عن مصادر مطلعة قولهم: إن ترامب يدرس فرض عقوبات جديدة على روسيا في الأيام المقبلة بعد أن عبر عن إحباطه من بوتين.

وأضافت: خيارات العقوبات ضد روسيا وضعت على طاولة ترامب خلال الأسابيع الماضية لكنه لم يوافق عليها حتى الآن, وقد أعرب ترامب سراً عن قلقه من أن العقوبات الجديدة قد تدفع روسيا “بعيداً عن محادثات السلام”.

تصريحات الرئيس الأمريكي وتهديداته بفرض عقوبات جديدة على روسيا, أثارت جملة من التساؤلات حول مغزى هذا التصعيد، وما إذا كانت الولايات المتحدة، تحت قيادة ترامب، تتجه نحو التراجع عن دورها كوسيط محتمل في النزاع، أو تعيد تموضعها بما يخدم مصالح سياسية وانتخابية داخلية أكثر من حرصها على إنهاء الحرب.

وهنا يرى الكاتب والباحث السياسي الروسي يفغيني سيدروف أن لهجة ترامب التصعيدية الجديدة ليست انعكاساً لتحول إستراتيجي حقيقي، بل هي استجابة ظرفية للضغوط الداخلية، وأبرزها ضغط الرأي العام الأمريكي، وازدياد الانتقادات داخل أروقة الكونغرس، سواء من الديمقراطيين أو حتى من بعض الجمهوريين.
ويضيف قائلاً: “ترامب حتى الآن لم يقدم على خطوات واقعية تدل على تغير موقفه تجاه روسيا، بل يكتفي بالتصريحات”.

ويؤكد سيدروف أنّ ترامب يوازن بين انتقاد بوتين أمام الإعلام من جهة، وترك الباب مفتوحاً أمام روسيا من جهة أخرى، تحسباً لتطورات قد تستدعي تفاهمات مستقبلية. ويفسر الباحث الروسي هذه المواقف بأنها محاولة من ترامب للظهور بمظهر القائد القادر على إدارة الصراعات من دون الانجرار إلى مواجهات مباشرة، خاصة مع قوة نووية كروسيا.

من جانبه، رأى الدبلوماسي الأوكراني السابق فلوديمير شوماكوف, أن ترامب يحاول اللعب على التناقضات: من جهة يظهر صرامة كلامية تجاه بوتين كي لا يتهم بالتحيز، ومن جهة أخرى يواصل التغاضي عن دعم حقيقي لكييف.
وحذر شوماكوف من مغبة المراهنة على مفاوضات تتم في ظل استمرار القصف الروسي، ويصف الرغبة الروسية في المفاوضات بأنها تكتيك لإغراق الغرب في مستنقع المفاوضات العبثية، هدفه كسب الوقت وتعليق فرض العقوبات.

ويرى الدبلوماسي الأوكراني السابق, أن ” زيلينسكي وترامب يملكان قرار إنهاء الحرب، بوتين وحده يملكه، وهو يتحرك (بوتين) من منطلق قوة، بينما ترامب، رغم خطابه الحاد، ينطلق من موقف ضعف داخلي، يعكس حسابات انتخابية أكثر من حرص حقيقي على السلام.

هل يترجع ترامب عن وساطته؟

بين التصعيد الكلامي والتباينات في الخطاب، يرى محللون أن مبادرة ترامب لحل الأزمة الأوكرانية قد دخلت إلى غرفة الإنعاش، وأن الشكوك تزداد حول جدوى الدور الأمريكي كوسيط، حيث إن التناقضات في موقف ترامب تضعف من صدقيته، في حين يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، معتبرين أنّ واشنطن باتت أقل انخراطاً في عملية السلام مما يعلن.

في ظل هذه التجاذبات، مازال بصيص الأمل معقوداً على الجولة المقبلة من المفاوضات بين موسكو وكييف, وهي قيد الإعداد، ومن المرجح أن تستضيفها إسطنبول مجدداً، وإلى ذلك الحين, ما على العالم إلّا النتظار والترقب.

Leave a Comment
آخر الأخبار