بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، هل تبقى مجالس رجال أعمالها “حبيسة” المصالح الشخصية..!؟

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مركزان الخليل:
من مسلّمات الأمور الاقتصادية أن ينشط رأس المال، ومعه أهله أي “رجال الأعمال” في أعمال الاستثمار والإنتاج، والمساهمة إلى حد بعيد في إيجاد بيئة عمل مناسبة لتوطين الاستثمارات المحلية، وجذب غيرها من البلدان الأخرى، للمساهمة في تنفيذ مشاريع استثمارية ضخمة تخدم المجتمع ومصالحهم الشخصية، وهذه” نية قد تكون صادقة لدى الجميع” لكن آلية التنفيذ، قد تختلف من مكان لآخر، أو من بيئة لأخرى، بحسب اتجاه الاقتصاد ومكوناته الأساسية، وحتى اتجاه رأس المال ذاته.
وهنا نستطيع القول أن معشر رجال الأعمال لهم الدور الأكبر في رسم الاستراتيجيات الاقتصادية والتنموية في معظم بلدان العالم، وأيضاً حل النزاعات والحروب، وغير ذلك كن مساهمات، بدليل ما فعله رجال أعمال أمريكيون في رفع العقوبات الاقتصادية عن بلدنا والتوسط لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرفعها.
لكن ثمة أسئلة كثيرة تتعلق برجال الأعمال السوريين، والبيئة الاستثمارية والتنموية التي يسعون لإيجادها بعد رفع العقوبات عن بلدنا، ومدى مصداقيتهم في سلوك أعمال الإنتاج، وزيادة الناتج الإجمالي المحلي، وانعكاسه الإيجابي على مستويات الدخل التي يسعى الجميع لتحسينها، إلى جانب أسئلة أخرى تتعلق بالتطورات الاقتصادية الأخيرة وخاصة رفع العقوبات.
آراء كثيرة تتفاوت فيما بينها من حيث الإيجابية، والمنظور لها من قبل الجميع، سواء خبراء اقتصاد، أم أهل إنتاج وتجارة، وحتى المواطنين ذاتهم.

عياش: العالم تقوده لغة المصالح، والنزاعات تقوم بسبب المصالح الاقتصادية ورجال الأعمال هم بيت قصيدها..!

لغة المصالح

الخبير الاقتصادي الدكتور “فادي عياش” قال في معرض رده عن سؤالنا حول كيفية الاستفادة من هذا الانفتاح، وتفعيل دور رجال الأعمال على المستويين المحلي والخارجي، في ظل التطورات الاقتصادية الجديدة، وخاصة رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا مؤخراً، أن الدبلوماسية الاقتصادية، بمفاهيمها المعاصرة تعتمد على نظرية القوة الناعمة للتأثير في العلاقات الدولية، والتي تقوم على أسس المصالح المشتركة، أو المتبادلة أو حتى النسبية، وعلى التفاوض المرن وبأدوات لينة، وأدواتها مزيج منسجم من رجال السياسة في السلطة، ورجال الأعمال من ذوي العلاقات التجارية الخارجية القوية، والمصالح المؤثرة وخصوصاً مع الدول المعنية.
ولذلك نجد أن لرجال الأعمال دوراً بارزاً، ومؤثراً في مجال العلاقات التجارية الدولية، ويتجسد هذا الدور من خلال منظمات الأعمال المختلفة، كغرف التجارة والصناعة والزراعة، والسياحة ومجالس الأعمال الثنائية المتخصصة.

عياش: العمل المؤسساتي ضمان نجاح واستمرارية تأثير العلاقات الشخصية لرجال الأعمال في الاقتصاد والسياسة على السواء

وأضاف “عياش” إن التاريخ يذكر الكثير من الأحداث المهمة، والمؤثرة والتي كان لرجال الأعمال الدور الأساسي فيها، ويجب ألا ننسى أن العالم تقوده المصالح، فكل النزاعات تقوم بسبب المصالح الاقتصادية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
كما لا يخفى الدور المهم لرجال الأعمال، في تحقيق الإنجاز الكبير، والمساعدة في قرار الرئيس ترامب المتعلق بالعقوبات على سورية، فقد لعب اللوبي السوري دوراً مؤثراً في إقناع دوائر القرار الأ4مريكية بأهمية وضرورة رفع العقوبات.
وكذلك هناك دور مهم وكبير منتظر من هذا اللوبي الوطني السوري، وهو المساهمة الفاعلة في تغيير الصورة الذهنية السلبية عن سورية والسوريين، لدى مختلف الجهات المؤثرة في الولايات المتحدة الأمريكية، للمساعدة في تسريع إجراءات رفع العقوبات وتنشيط العلاقات التجارية البينية.
وهذا ما يجب أن ينسجم مع عمل حكومي مكثف، بتذليل أي عقبات قد تؤثر في هذا المسار من خلال التشريعات اللازمة، والالتزام الدقيق بمتطلبات ذلك.

عمل مؤسساتي

إذاً هناك دور مهم جداً للعلاقات الشخصية في إدارة الملفات الاقتصادية وغيرها بين الدول، وخاصة إذا كانت من أصحاب النفوذ والثروة، وهنا يحضرنا سؤال أيضاً مهماً، يتعلق بدور رجال الأعمال السوريين، في إدارة ملف رفع العقوبات الاقتصادية عن بلدنا، والمساهمة في أعمال التنمية الموعودة، وجذب الاستثمار الخارجي إليها، حيث يرى الدكتور “عياش” أنه من حيث المبدأ يجب الاعتماد على العمل المؤسساتي لضمان النجاح والاستمرارية، ولكن لا يمكن إنكار أهمية العلاقات الشخصية في عالم الأعمال، ومدى قدرتها في التأثير الاقتصادي والسياسي، لذلك نجد من الأهمية بمكان حشد كل الإمكانات والعلاقات الشخصية في خدمة تحقيق المصالح الوطنية ولكن ضمن إطار مؤسساتي يعززها ويساعد في ضمان تحقيقها.
وبالتالي هناك الكثير من الحالات كان للعلاقات الشخصية لرجال الأعمال تأثير يفوق تأثير الحكومات، ولا سيما في بعض الصفقات الكبرى.

مسؤولية مشتركة

بطبيعة الحال لدينا الكثير من تجارب مجالس رجال الأعمال، البعض منها سجل خطوات مهمة، ونجاحات كبيرة في بعض المواقع، وكثير منها باء بالفشل، لكن السؤال هنا من المسؤول عن الفشل وما أسبابه؟ هل الحكومة أم رجال الاعمال ذاتهم..؟
هذه أسئلة على لسان كل مواطن، وهنا حدد الإجابة “عياش” من خلال قوله إنه في القضايا الاقتصادية الوطنية، سواء المتعلق منها بالوضع المحلي أو بالعلاقات الخارجية، نجد أن الفشل غالباً ما يكون بسبب تغليب المصالح الخاصة على المصالح العامة، سواء على مستوى اختيار وتعيين الشخصيات المناسبة، أو على مستوى تحديد الأولويات، وهنا يتحمل مسؤولية الفشل كل من الحكومة صاحبة القرار، ومجالس رجال الأعمال أصحاب المسؤولية، ولكن الراعي مسؤول عن رعيته، فعليه يقع الوزر الأكبر في المسؤولية.
من جانب آخر، ليس بالضرورة أن تتعارض المصالح الخاصة مع المصلحة الوطنية العامة، بل يجب أن تتكامل ولكن بأولوية المصلحة العامة، والتي من خلالها يمكن تحقيق المصالح الخاصة.
وأوضح “عياش” أنه في طبيعة الحال يتم تشكيل مجالس الأعمال وفقاً للعلاقات التجارية، وحجم المصالح المحققة في البلد المقصود.
بالعموم، أعود للتذكير بأن الرهان الأكبر في المرحلة القادمة هو على الرساميل الوطنية المحلية والمغتربة، فعليها مسؤولية الترويج الإيجابي للاقتصاد السوري، والفرص الاستثمارية فيه، وكذلك المبادرة في الاستثمار، لتكون المثال المحتذى الذي يشجع المستثمرين الأجانب، وتشكيل تيار الإقلاع الأولي للنهوض والتعافي الاقتصادي.

تيزيني: علينا نسيان موضة قديمة ابتدعها النظام السابق لخدمة مصالحه تحت مظلة مجالس رجال الأعمال..!

موضة قديمة

بكل وضوح قالها رجل الأعمال عصام تيزيني خلال حديثه”للحرية”: علينا نسيان تلك المرحلة السابقة التي ولدت فيها تلك المجالس باعتبارها موضة قديمة، اعتمد عليها النظام السابق في تنفيذ بعض المصالح المرتبطة به، وهذه المجالس كانت بمجملها تابعة له، يتم تعيين أعضائها من قبله، لتطوير العلاقات مع شخصيات مقابلة وموازية لها في بلدن أخرى، لتنفيذ مصالح مرتبطة ذات منافع خاصة مغلفة بإطار عام، نحسبه جميعاً لخدمة الدولة والمجتمع.
وبالتالي فإننا نجد أن مجالس رجال الأعمال كانت وسيلة للتقارب مع بعض الدول المهمة والمتطورة اقتصادياً، وخاصة دول الخليج التي حققت خلال العقود الماضية قفزات نوعية في اقتصادياتها، وبالتالي تم إحداث مجالس رجال الأعمال للتواصل مع مثيلاتها، للتعاون والاستفادة بقصد المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني، لكن لم تكن على المستوى المطلوب بسبب تغليب المصالح الخاصة.
وفي الوقت الراهن اندثر دورها أمام جملة التطورات الاقتصادية والتجارية وحتى السياسية التي يشهدها بلدنا، والمطلوب اليوم إعادة النظر في هذا الدور، واستثماره بصورة عقلانية وطنية يحقق المنفعة الاقتصادية للجميع.

لدينا محفزات النجاح

وبالتالي هذا الأمر يفرض سؤالاً مهماً على بساط الحديث، يتعلق بكيفية استفادة رجال الأعمال السوريين من رفع العقوبات، وممارسة دورهم الوطني على المستويين المحلي والخارجي، وخاصة أنه هناك الكثير من المحفزات التي تكفل نجاح المرحلة المقبلة، حيث يرى” تيزيني” أن ما حصل له معانٍ اقتصادية وسياسية واسعة، فتحت الأبواب مشرعة أمام رجال الأعمال السوريين وغيرهم، واستئناف نشاطهم الذي توقف منذ أكثر من ستين عاماً، بسبب العداء لأمريكا وغيرها، حيث أثبتت فشل تجارب الماضي في النهوض الاقتصادي خلال العقود الماضية بالشكل الصحيح بسبب نظرية الابتعاد عن المظلة الأمريكية والإمبريالية العالمية.
وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية، هو رفع للسيف المسلط على اقتصادنا الوطني، وفتح المجال للعمل بحرية، واختصار الكثير من المسافات والأزمان للوصول إلى حالة التعافي والانتعاش، ومن ثم التقدم بالحالة الاقتصادية العامة.

Leave a Comment
آخر الأخبار