الحرية – مها سلطان:
مع إعلان اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، أمس الجمعة، انتهاء فترة الترشيح رسمياً للهيئات الانتخابية، تكون العملية الانتخابية وصلت مراحلها النهائية التي تمتد ما بين 15 إلى20 أيلول الجاري.
وقد تزامن هذا الإعلان مع المقابلة المهمة للرئيس أحمد الشرع مع قناة «الإخبارية» السورية، حيث حجزت انتخابات مجلس الشعب والمسائل المرتبطة بها مساحة بارزة من المقابلة، وبشكل أعطى العملية الانتخابية دفعاً وتحفيزاً إضافياُ عندما تحدث كعادته بوضوح شديد عن جميع الجوانب، بما فيها المسائل الإشكالية والتساؤلات لدى الشارع السوري، ليعيد مرة أخرى التأكيد على القواعد السياسية والبرلمانية التي سترسم سوريا المستقبل، بمعنى إعادة بناء البيت الداخلي على أسس سليمة تحصّن الدولة والمواطن في آن معاً، وتطلق مسيرة النهوض والتنمية.
علماً أن مقابلة الرئيس الشرع تناولت الكثير من القضايا المهمة إقليمياً ودولياً خصوصاً على مستوى العلاقات مع حلفاء النظام السابق، روسيا وإيران، وكان حديثه لافتاً وبارزاً استقطب اهتماماً واسعاً، ما جعل من هذه المقابلة تتصدر المشهد، كونها مقياس عمل على مستوى العلاقات الخارجية مع عموم الدول على أساس الاستقرار والأمن واحترام السيادة والأولوية الوطنية.
وشدد الرئيس الشرع على مجلس الشعب القادم صيغ بطريقة مقبولة كمرحلة انتقالية وليس كمرحلة دائمة، مشيراً إلى أن الانتخابات البرلمانية الحالية تأتي في سياق «مرحلة ما بعد التحرير التي دخلت عدة مراحل فكان أولها ملء الفراغ الرئاسي، ثم مؤتمر وطني جامع، ثم تشكيل حكومة، ثم انتخابات برلمانية».
وأوضح أنه «بعد الانتخابات ستجري صياغة للدستور وسيكون فيه الكثير من التفاصيل، لكن السياسة التي اتخذناها هي العمل في كل الجوانب في وقت واحد». وقال: العمل السياسي دون قوانين ناظمة يكون بوابة للنزاعات والخلافات، ويجب أن نرتب القوانين والأنظمة والدستور لدينا، وفي نهاية المطاف سيكون هناك تعددية سياسية في سوريا وآراء مختلفة وهذه الحالة الطبيعية التي تليق بسوريا.
والأشد أهمية بالنسبة للسوريين أن الرئيس الشرع أعاد التأكيد على أن سوريا لا تقبل القسمة والتقسيم وأنها لن تتنازل عن ذرة تراب واحدة «هذا قسم أقسمناه أمام الناس».
– دفع وتحفيز
هذه التصريحات تعد الأكثر دفعاً وتحفيزاً عشية انتخابات مجلس الشعب المقررة بدءاً من بعد غدٍ الاثنين، حيث أعلن المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة أمس إغلاق أبواب الترشيح للهيئات الناخبة أمس في كل المحافظات، مؤكداً أن الاقبال كان كبيراً وشمل كل المكونات، قائلاً: مجلس الشعب أهم مؤسسة تعبر عن تطلعات الناس.
وكان نطاق الانتخابات اتسع ليشمل بعض مناطق الحسكة والرقة، حيث يقضي القرار رقم 30 لعام 2025 الذي أصدرته اللجنة العليا بتشكيل لجان فرعية في كل من مدينتي الرقة وتل أبيض عن (محافظة الرقة) ومدينة رأس العين عن (محافظة الحسكة). فيما بقيت السويداء خارج العملية الانتخابية بفعل العصابات المسلحة التي حرمت أهلها هذا الحق، لتبقى مقاعدها شاغرة.
وكانت اللجنة العليا أعلنت في 23 آب الماضي تأجيل العملية الانتخابية في كل من الرقة والحسكة والسويداء بسبب «عدم توافر الظروف الأمنية الملائمة» وفق نجمة الذي أضاف: كانت اللجنة أمام خيارين، إما المضي في إجراء الانتخابات في مناطق أخرى، وهو ما يعني حرمان المواطنين في المحافظات الثلاث من حقهم في التمثيل البرلماني، وإما تأجيل الانتخابات مع إبقاء مقاعد هذه المحافظات شاغرة، حفاظاً على حقوق أبنائها حتى تصبح الظروف مناسبة لإجراء الانتخابات بشكل كامل.
لكن اللجنة العليا عملت على عقد اجتماعات مع أهالي المحافظات المعنية عقب قرار التأجيل حيث طالب الأهالي بضرورة تمكينهم من المشاركة في العملية الانتخابية داخل مناطقهم، باعتبارها خاضعة لسيطرة الحكومة ويجب معاملتها بالمثل مع بقية المحافظات.
– الآن.. ماذا بعد إغلاق باب الترشيح؟
وفق المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة فإن المرحلة المقبلة هي إعلان الأسماء الأولية لأعضاء الهيئة الناخبة لعرضها أمام المواطنين لتقديم الطعون لدى لجان الطعون.
وتعتمد اللجنة العليا آلية تعيين اللجان الناخبة بدلاً من الانتخاب المباشر، وذلك لاختيار 140 عضواً من أصل 210 أعضاء، في ظلّ استثناء محافظة السويداء ومناطق في محافظتَي الرقة والحسكة من الانتخابات (كما ورد آنفاً). وكانت اللجنة قد قسّمت الدوائر الانتخابية إلى 62 دائرة، تجري فيها عملية الترشّح والانتخاب للمجلس الذي يعيّن الرئيس الشرع ثلث أعضائه.
وحول هذه الآلية، يشير نوار نجمة إلى أن «هناك شبه استحالة لإجراء انتخابات مباشرة، نظراً إلى الوضع الديموغرافي، وغياب الأوراق الثبوتية ووجود أعداد كبيرة من النازحين واللاجئين خارج سوريا، وبالتالي لجأنا إلى آلية الهيئات الناخبة التي قد لا تكون الأفضل، ولكنها الأكثر ملاءمة وواقعية في هذه المرحلة». ويأتي اعتماد هذه الآلية بعدما عقدت اللجنة الانتخابية العليا سلسلة من اللقاءات مع مختلف الشرائح المجتمعية وممثلي النقابات والمنظمات المحلية في مختلف المحافظات، للوصول إلى الصيغة النهائية للنظام الانتخابي.
يشار إلى أن قائمة شروط الترشح لعضوية الهيئات الناخبة لمجلس الشعب، التي شُكلت بطريقة هرمية ابتداء من رئيس البلاد «ألّا يكون المرشح عضواً في المجلس أو مرشحاً له في الفترة ما بعد عام 2011، وألا يكون من المنتسبين إلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وألا يكون قد شغل منصب وزير أو محافظ أو كان نائباً أو معاوناً لأي منهما، وألّا يكون من داعمي النظام البائد أو الجماعات الإرهابية، وألّا يكون من دعاة التقسيم والانفصال وخطاب الكراهية والاستقواء بالخارج».
– المرحلة الختامية
بعد إعلان قائمة المرشحين تبدأ مرحلة الدعاية الانتخابية لمدة 7 أيام، وتنتهي قبل 24 ساعة من موعد الاقتراع.
وتجري عملية الاقتراع ، في جميع المراكز الانتخابية، في يوم واحد ولمدة 3 ساعات قابلة للتمديد، ويحق للمرشحين ولوكلائهم الحضور ومراقبة العملية الانتخابية، وتقوم قيادة الأمن الداخلي بتأمين الحماية للمراكز، ويحق لوسائل الإعلام الدخول إليها بموافقة رئيس اللجنة الفرعية، لتصوير عمليتي الاقتراع والفرز.
وبعد الفرز وتسجيل النتائج، تقوم اللجنة الفرعية بتسليم الصناديق مع المحاضر إلى لجنة الطعون، وفي اليوم التالي يتم الإعلان عن النتائج الأولية، ويحق للمرشحين حصراً الطعن على عملية الاقتراع أو نتائجها.
وبعد البت في ذلك تصدر عن لجنة الطعون القائمة النهائية لنتائج الانتخابات، قبل أن تقر اللجنة العليا للانتخابات قائمة الفائزين عن كل دائرة.
وعلى إثر ذلك، يصدر عن رئيس الجمهورية مرسوماً يسمي أعضاء مجلس الشعب متضمناً أسماء الأعضاء الفائزين، وأسماء ثلث الأعضاء المعينين من قبله.
– بناء دولة المؤسسات
خلال 3 أيام من صدور المرسوم الرئاسي، يدعو رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب الجديد إلى عقد أولى جلساته وفق الآلية التقليدية؛ إذ تسند رئاسة الجلسة إلى أكبر الأعضاء سناً، ويقوم المجلس بانتخاب رئيسه ونائبيه وأمين السر بالأغلبية.
وفي الجلسة الثانية للمجلس، وبدعوة من رئيسه المنتخب، يحضر رئيس الجمهورية ويشهد أداء الأعضاء القسم أمام رئيس مجلس الشعب، وبذلك تدخل ولاية المجلس حيز التنفيذ.
ومعه تدخل سوريا طوراً جديداً من بناء دولة المؤسسات، حيث تعد انتخابات مجلس الشعب التحدي الأكبر وعلى أساسها سيتشكل المشهد السياسي/التشريعي/الدستوري في سوريا لعقود قادمة.