الحرية : ميسون شباني:
تنوع الرؤى الدرامية والأمزجة الفنية في مسلسلات رمضان هذا العام يكشف عن توازن النتاجات فيما تقدمه الدراما السورية التي تميزت بتنوع المواضيع ودخولها إلى أمكنة جديدة نقلتها الكاميرا بزوايا جديدة وخطاب فني اتسم بتشاركية بعض المخرجين مع الكتاب في بناء نص سردي حكائي يرضي ذائقة الجمهور ، فهل استعادت الدراما السورية بوصلتها ، وهل ستشهد متغيرات جديدة في أسلوب طرح الحكاية ؟ وكيف بدت طروحات الأعمال الاجتماعية المعاصرة ؟ تجيب عن هذه الأسئلة الناقدة الصحفية سلوى عباس قائلة: إن هذا العام شهد طغيان الطابع الاجتماعي ، وهذا لا يمكن التعامل معه إلّا بنص اجتماعي يحمل رؤية اجتماعية معاصرة، والمعاصرة لا تعني حالة “المودرن” التي نتمثلها في لباسنا وحديثنا وأننا أولاد هذا الزمن، بل المعاصرة هي محاولة السعي للإمساك بعصر اللحظة الاجتماعية ومحاولة تشخيص عيوبنا وأوجاعنا، فمهمة الدراما تشخيص الداء والإشارة إليه وتوصيفه، لكن السؤال الذي يحضر هنا: هل استطاعت دراما عام 2025 أن تكون مرآة للناس يرون أنفسهم من خلالها، وتكون خطوة في مشروع ثقافي تنويري تمثل الدراما جزءاً مهماً فيه، رغم ضيق هامش الحرية الذي تتعامل في إطاره بحكم دخولها لكل المنازل وتنوع الشرائح التي تشاهد هذه الأعمال؟
الصحفية سلوى عباس: الفن الجيد لا يصدر إلّا عن خيال إبداعي مبتكر..
وتضيف عباس : هناك محاولة جادة من قبل كتّابها لتلمس الطريق بما تتضمنه هذه الأعمال من إنسانية وواقعية في تناولها، وهذا أمر يدعو للتفاؤل أن هناك شيئاً واعداً يؤسس لمستقبل جيد، فالدور الأول للدراما هو وضع المرآة أمام المجتمع، وقد عكست دراما هذا العام هذا الدور بشكل كبير حيث ابتعدت عن التطرق إلى الماضي سواء القريب أو البعيد، وهذا يعني أنّ المرآة وضعت في مكانها الصحيح.
وتستكمل: في هذا الموسم الرمضاني كما في كلّ موسم كنا على موعد مع سوق عكاظ درامي امتد على مدى ثلاثين يوماً، بما يقارب الـ 15 عملاً تتراوح ما بين الكوميديا والبيئة الشامية والاجتماعية المعاصرة، وحسب العناوين المطروحة يمكننا أن نقرأ حالة إيجابية لما عُرض من أعمال، إذ توحي الموضوعات التي تتناولها أغلبية هذه الأعمال- من خلال ما توفر من مشاهدة بسبب ظروف الكهرباء وغيرها- بنوعية الطروحات، واستعادة الدراما السورية لبعض ألقها الذي افتقدته في مواسم سابقة.
وتؤكد بأنه من أهم الأعمال التي تناولت قضايا الناس وحياتهم مسلسل “البطل” سيناريو وحوار رامي كوسا وإخراج الليث حجو، حيث كانت أحداث هذا العمل تمثل انعكاساً لحالاتنا الإنسانية بكل تفاصيلها، وتعبيراً عن ضجيج أرواحنا، لأنه في هذا الزمن المجلل بالقهر والتوتر لا يستطيع الإنسان إلّا أن يستسلم لتداعياته هرباً من واقعه المؤلم، فيأتي هذا العمل بكلّ عفويته وتلقائيته ليثبت أنّ الفن الجيد لا يصدر إلّا عن خيال إبداعي مبتكر، يستشرف أبعاد اللحظة الإنسانية ويوظفها توظيفاً يقدمها بكل وضوح بعيداً عن كلّ التباس، فأحداث العمل تدور في إحدى القرى السورية تضم أشخاصاً شردتهم الحرب وجمعتهم مآسيهم وأحزانهم، فراح كلّ منهم يبحث عن خلاصه بعمل ينقذه من فقره وضياعه ويضمن له فسحة من العيش الكريم، هؤلاء الأشخاص الذين تجمعهم هزائمهم وخيباتهم ومصيرهم المشترك رغم تنوع أطيافهم وتباين تركيبتهم الاجتماعية والنفسية والأخلاقية حيث كل واحد منهم يحمل نظرة مختلفة للحياة، أشخاص يعيشون على هامش الحياة مهزومون ومنكسرون، يتساءلون عن معنى الحياة وجدواها وماذا نريد منها، وكيف يمكننا أن نعيش تفاصيلها ونفهمها.
وتشير عباس إلى أنه من حيث البحث في الإشكالات وتصدر الدراما البوليسية فيحضرنا أكثر من عمل يأتي في مقدمتها مسلسل “تحت سابع أرض” تأليف عمر أبو سعده وإخراج سامر برقاوي وبطولة تيم حسن وكاريس بشار ومجموعة من الممثلين السوريين، وتدور أحداثه في عالم الجريمة حيث يجسد تيم حسن شخصية ضابط يستغل سلطته لتحقيق مكاسب شخصية، وقد كان للمخرج سامر البرقاوي- الذي يمتلك هوية بصرية ممتازة، هوية تنجح دائماً في جعل المشاهد منسجماً مع العمل متفاعلاً مع أحداثه ومنتظراً لبقية أحداثه- كان له دورٌ مهمٌ في نجاح العمل، وهناك أيضاً مسلسل “قطع وريد” الذي ينطلق من قصة اجتماعية بوليسية شائقة تتمثل بجريمة قتل لم يعرف مرتكبها فـتأخذ الأحداث مجراها عبر التحقيق مع أفراد عائلتين تعيشان في القرية، لتكشف التحقيقات عن أسرار وتفاصيل تشد المشاهد لمتابعتها. وهناك أعمال أخرى جرت أحداثها في إطار الدراما البوليسية لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة.
الصحفي جوان الملّا: تفاصيل بعيدة عن الناس وتأثر بالنمط الغربي
ويرى الصحفي جوان الملا أن تنوع المواضيع الدرامية كان حاضراً بقوة هذا العام ومفروض أن يكون موجوداً وبغنى بصري وسردي في طرح الحكاية، صحيح أنّ هناك قضايا طرحت ولكنها لم تتناول حياة الناس بشكل طبيعي ومعظمها ذهب بحكايته نحو عالم العصابات والأكشن باستثناء مسلسل “البطل” كان العمل الوحيد الذي تناول حياة الناس بشكل حقيقي ولامس أوجاعهم في فترة الحرب من النزوح القسري والتهجير والقصف…وغير ذلك ، واستعرض بتفاصيله شكل العلاقات الاجتماعية، وكان أقرب عمل لحياة الناس بينما الأعمال الباقية كانت تغوص في عالم الجريمة وتبحث في تفاصيل بعيدة عن حياة الناس البسطاء وابتعدت عن مناقشة همومهم بقضاياهم الجوهرية ، صحيح أنه تمّ التعريج عليها بقضايا هامشية طفت على السطح، ويضيف الملا بأن أهم الإشكالات التي طرحت تزوير العملة وتفكك العلاقات الأسرية وعدم الثقة بين الناس وابتعدت بشكلها العام عن دراما العائلة ،وهو ماصدّرته الدراما هذا العام ، وبدا واضحاً التأثر بالنمط الفني الغربي بأسلوب طرح القضايا البوليسية والأكشن، ودخول عالم العصابات بهذه الاحترافية بالطرح والعناية بالتفاصيل كان السبب في تربعها على عرش المشاهدة ، إضافة إلى أنّ هذه الأعمال باتت جاذبة للجمهور بشكل أكبر ، ولكن لا مانع من التنوع الدرامي بألوان أخرى وأن يكون هناك جمهور نخبوي للمتابعة .