الحرية- حسيبة صالح:
“كيف تنظر السياسة الأمريكية إلى حقوق الأقليات في سوريا: هل تراها جزءاً من مشروع ديمقراطي شامل، أم مجرد ورقة ضغط تُستخدم لتحقيق مصالحها الاستراتيجية؟”
بهذا السؤال بدأ السياسي والإعلامي الدكتور أيمن عبد النور حواراً، خلال الجلسة التي نظمتها أمس مبادرة “تاء مبسوطة” في قاعة دمشق، بفندق غولدن المزة، حيث اجتمع مثقفون وناشطون وسياسيون سوريون ليضعوا الديمقراطية وحقوق الأقليات في قلب النقاش، بين المبادئ المعلنة والمصالح المتشابكة.
وكان الحضور متنوعاً، والنقاش مفتوحاً، لكن ما ميّز اللقاء هو وضوح الرؤية حول تعقيدات السياسة الأمريكية وآلياتها الداخلية.
أمريكا كمنظومة متشابكة
أوضح الدكتور أيمن أن الولايات المتحدة ليست كتلة واحدة تصدر قراراً مركزياً، بل هي منظومة من سلطات متوازنة منها:
• السلطة التنفيذية التي يرأسها الرئيس وتخضع لقاعدته الانتخابية.
• السلطة التشريعية التي يمتلك فيها الكونغرس سلطة الموازنة، ما يمنحه تأثيراً يفوق سلطة الرئيس.
• الإعلام الخارجي ومراكز الضغط التي تشكل أدوات تأثير موازية.
من هنا، لا يمكن استضعاف عضو الكونغرس، بل يُنظر إليه كقوة حقيقية يمكن أن تُحدث فرقاً في أي قضية، بما فيها الملف السوري.
الأقليات بين المبادئ والمصالح
طرح الدكتور أيمن سؤالاً آخر يفتح النقاش على البعد الإنساني والسياسي معاً: “برأيكم، هل يمكن أن تُبنى ديمقراطية حقيقية في سوريا إذا لم تكن نابعة من وجدان الناس وتجاربهم اليومية، أم إن الضغوط الدولية كفيلة بفرضها حتى لو غابت الأرضية الداخلية؟”
الإجابة جاءت مركبة؛ فبينما تُرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، يبقى الاهتمام الأمريكي منصبّاً على المصلحة الاقتصادية والأمن القومي الأمريكي، ومع ذلك أشار عبد النور إلى أن تشكيل مكتب الأديان في واشنطن، ولقاءات مع شخصيات سورية أظهرت احتراماً واضحاً للأقليات، ما يعكس جانباً من الاهتمام الحقوقي.

دور المغتربين السوريين في أمريكا
سؤال ثالث أُثير في الجلسة منح الحوار بعداً عملياً: “كيف يستطيع السوريون المغتربون في أمريكا، الذين يعيشون في ظل الديمقراطية، أن يؤثروا في الداخل السوري ويترجموا تجربتهم إلى دعم فعّال؟”
الدكتور أيمن أجاب بأن الجالية السورية، وخصوصاً الأطباء ورجال الأعمال والناشطين، استطاعوا عبر تنظيم أنفسهم وكتابة المقالات وتأسيس جماعات ضغط أن يوصلوا صوتهم إلى دوائر القرار في أمريكا.
وأكد عبد النور أهمية أن يعرف السوريون بعضهم بعضاً لنستطيع أن نبني سوريا يداً بيد، فيما أكدت الإعلامية ديانا جبور أن وجود كبار المتبرعين ورجال الأعمال السوريين يمنحهم وزناً لا يُستهان به في التأثير على السياسات.
الاقتصاد والاستثمار كمدخل للتغيير
النقاش تطرق إلى المناخ الاستثماري، حيث شدد الدكتور أيمن على أن الشركات الأمريكية لا تخشى الدخول وتتطلع أن توفرمبادئ أساسية: إعلام حر، قضاء عادل، انتخابات نزيهة، وبنية تحتية قوية. عندها فقط يمكن أن ينعكس الاستثمار إيجاباً على الداخل السوري.
الاتفاقات الكردية وقانون قيصر
لم يغفل الحوار عن الاتفاقات مع الطرف الكردي، حيث أشار الدكتور أيمن إلى أن اتفاق العاشر من آذار مع مظلوم عبدي، جاء بعد أحداث الساحل، وأنه رغم المماطلة، يبقى الأمل قائماً بأن تساعد هذه الاتفاقات، إلى جانب قانون قيصر، في فتح أبواب الحلول وتعزيز فرص التلاقي بين مكونات الشعب السوري.
الجلسة لم تكن مجرد نقاش سياسي؛ بل كانت مساحة للتفكير في معنى الديمقراطية، في دور الأقليات، وفي مسؤولية المغتربين السوريين الذين يعيشون في ظل أنظمة ديمقراطية، وكيف يمكن أن يكونوا جسراً بين الداخل والخارج.
الرسالة الأبرز التي خرج منها الحضور: القوة الحقيقية ليست في قرارات واشنطن وحدها، بل في قدرة السوريين على تنظيم أنفسهم، الضغط بوعي، وبناء وطن يتسع للجميع.