الحرية- بادية الونوس:
يأتي استئناف حركة الخطوط الجوية ليعيد الأمل بعودة الاستقرار التدريجي في قطاع النقل الجوي السوري، وهو خطوة مهمة في تأمين حركة السفر من وإلى سوريا عبر مطاراتها الدولية.
يصف أهل الخبرة هذه الخطوة بأنها تغيير جذري في موقع سوريا على خريطة السفر الدولية وكسر للعزلة الجوية التي طالت لسنوات. والأهم أنه يمثل بوابة إستراتيجية لإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي، يكون فيها قطاع الطيران رافعة حقيقية للنمو والتعافي، وفق أسس تتسم بالاستدامة والعدالة والفعالية.
بعد عزلة طويلة
في تصريح سابق لمدير العلاقات العامة في الهيئة العامة للطيران السوري، يؤكد فيه بلغة الأرقام، أن مطار دمشق الدولي يشهد حالياً تشغيلًا يومياً، يتراوح بين 22 و25 رحلة، بمعدل ,500 إلى 4000 مسافر يومياً، وهناك توقعات بزيادة هذا العدد مع دخول شركات جديدة إلى الخدمة. وهناك 10 شركات طيران تعمل حالياً بشكل منتظم، منها شركات عربية، وأخرى أجنبية تنطلق من عواصم أوروبية إلى مطار دمشق، ومن المتوقع انضمام 3 شركات إضافية خلال الأيام القادمة، بينها طيران الإمارات وطيران العربية.
أيضاً هيئة الطيران المدني منفتحة على فتح باب الاستثمار أمام القطاع الخاص، لأن القطاع العام غير قادر على القيام بهذه المهمة منفرداً، بسبب ضعف الإمكانات في الوقت الحالي.
تساؤلات ..
إذاً هذا الحراك الإيجابي لقطاع النقل الجوي يقودنا إلى تساؤلات عديدة، هي أبعد وأهم من عدد رحلات لشركة ما، عن دلالات هذه الخطوة في إعادة البلاد إلى الخريطة العالمية للنقل الجوي، ماهي انعكاسات ذلك على الجانب الاقتصادي و السياحي وجذب المستثمرين وغيره؟ وهذا ما يجيب عنه الخبير الدكتور إبراهيم نافع قوشجي لـ”الحرية”.
خطوة مهمة
هذا الحراك الذي شهدته سوريا في الآونة الأخيرة من عودة عدد من شركات الطيران العربية والأوروبية لتسيير رحلاتها إلى مطارات دمشق وحلب بعد سنوات من الانقطاع الناتج عن ظروف الحرب والعقوبات . من بين هذه الشركات أوروبية، إلى جانب الخطوط الجوية القطرية والملكية الأردنية، وفق د. قوشجي هو خطوة مهمة نحو إعادة دمج البلاد ضمن خريطة النقل الجوي الإقليمي والدولي، مشيراً إلى أنه سينعكس ذلك على الاقتصاد السوري بعدة محاور منها:
انفتاح جوي يعكس تحولات داخلية وخارجية
إن استئناف هذه الرحلات لا يمثل مجرد تطور لوجستي، بل يعد مؤشراً على تحسّن الأوضاع الأمنية والسياسية، كما يعيد سوريا إلى واجهة النقل الجوي العالمي بعد عزلة طويلة.وحسب الخبير الاقتصادي قوشجي، فإنّ هذا الانفتاح أيضاً يسهم في تحسين الصورة الخارجية للدولة، ما قد يعزز ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية ويشجع على استئناف التواصل الدبلوماسي والتجاري.
انعكاسات اقتصادية عميقة
لهذا الحراك انعكاسات تظهر بوضوح في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني على مستوى السياحة، إذ إن سهولة الوصول إلى البلاد ستجذب الزوّار لأغراض دينية وثقافية، وخاصة من دول الخليج وأوروبا. إضافة إلى أن تسهيل تنقل رجال الأعمال والمستثمرين من شأنه أن يحفّز الاستثمارات ويعيد الحيوية إلى قطاع التجارة، بينما يُتوقع أن تنشط قطاعات خدمية أخرى مثل النقل، الضيافة، والخدمات اللوجستية.
إيرادات وفرص جديدة
وتحدث الدكتور قوشجي عن أن استئناف الرحلات التي ستكون لها انعكاسات إيجابية من الناحية المالية، سيسهم في رفع إيرادات الدولة من خلال رسوم الهبوط والإقلاع، إضافة إلى الدخل الناتج عن الخدمات الأرضية والملاحة الجوية. كما يُرتقب توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات الطيران والفنادق والمطاعم والنقل الداخلي، ما يسهم في تقليص البطالة وتحسين معيشة شريحة واسعة من المواطنين.
أفق إستراتيجي لصناعة الطيران السورية
أيضاً لهذا الموضوع أبعاد إستراتيجية مهمة، حيث إن إعادة تفعيل حركة الطيران تعني أبعد من موضوع تسيير رحلات، فهي تعني إعادة إحياء للثقة بالبنية التحتية الجوية في سوريا. ووفق وجهة نظر الخبير قوشجي، فإن هذا التطور يفتح الأبواب أمام شراكات إستراتيجية مع شركات طيران دولية، كما يعزز فرص إدراج سوريا كمحطة عبور في بعض الرحلات الإقليمية، وهو ما يوسّع من نطاق الربط الجوي ويدعم التبادل الثقافي والتجاري.
قوشجي: يفتح الأبواب أمام شراكات إستراتيجية مع شركات طيران دولية.. كما يعزز فرص إدراج سوريا كمحطة عبور في بعض الرحلات الإقليمية
إجراءات مطلوبة
لتحقيق أقصى استفادة من هذه العودة، يرى قوشجي أنه لا بدّ من خطوات حكومية عملية، يتصدرها تحديث البنية التحتية للمطارات، وتقديم حوافز وتسهيلات لجذب مزيد من شركات الطيران. كما أن تسويق الوجهات السياحية السورية في الخارج وتسهيل إجراءات الدخول للزوار، يشكلان عنصرين حاسمين في جذب الحركة الجوية والسياحية، إلى جانب ترسيخ الاستقرار الأمني في محيط المنشآت الحيوية.
إقلاع اقتصادي جديد
إذاً يمثل استئناف الرحلات بوابة إستراتيجية لإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي. وإذا ما اقترن هذا التطور بتخطيط متكامل وتعاون فعّال بين القطاعين العام والخاص، فإنه- وفق الدكتور قوشجي- قادر على إطلاق دورة اقتصادية جديدة، يكون فيها قطاع الطيران رافعة حقيقية للنمو والتعافي، وفق أسس تتسم بالاستدامة والعدالة والفعالية.