الحرية – نهى علي:
ليس مهماً كثيراً تقييم الأوساط المحليّة لإنتاج الزيتون وزيت الزيتون السوري،ولا سيما على المستوى الشعبي، فمن عادة السوريين أن يتغنوا بمصادر أرزاقهم، وزيت الزيتون بات مصدراً مهماً و معززاً لمصادر رزق آلاف الأسر السورية، ولاسيما بعد انتشار زراعته في كافة المحافظات السورية.
بل المهم أكثر هي نظرة مراكز الأبحاث والجهات العلمية المتخصصة للقيمة والميزة المكتنزة في الزيتون وزيت الزيتون السوري.
في منظمة “أكساد” بيت الخبرة العربي الاحترافي ثمة رصد علمي دقيق جرى لأهمية هذا المحصول الإستراتيجي السوري بامتياز، كما عزز “أكساد” وحقق قيماً مضافة حقيقية للمنظومة البحثية الزراعية في سورية كما في العالم العربي، وكان لمحصول الزيتون حصته الوافية على ما يبدو من اهتمامات باحثي هذه المنظمة، فكيف بدأ محصول الزيتون وزيت الزيتون السوري في الأروقة البحثية في “أكساد”..؟
في أكساد ثمة برنامج متكامل خاص بتطوير أشجارالزيتون المثمرة .
ومن الحديث مع الباحث الدكتور عبد الكريم بركات، فوجئنا بما في حوزة “أكساد” من معطيات وتحليل دقيق لكل مايتعلق بمحصول الزيتون في سوريا..
ففي تصريحه الخاص لصحيفتنا “الحريّة”، يرى الدكتور بركات أن سوريا أحد مواطن نشوء وتطور شجرة الزيتون، وزرع فيها منذ آلاف السنين، ومازالت تصدّر زيت الزيتون إلى الجزيرة العربية والدول المجاورة.
د. بركات: وصل إنتاج سوريا من الزيتون إلى مليون طن في بعض السنوات و100 طن زيت
ويضيف: إن الاهتمام الجدي بهذا المحصول المهم وزيادة المساحات المزروعة به وتطوير إنتاجه في مطلع الثمانينيات من خلال استصلاح الأراضي الهضابية و المحجرة، وتوفير الغراس بنوعية جيدة، و تطبيق البرامج الإرشادية بغرض تحسين عمليات الخدمة وتحسين الإنتاج، ثم إجراء العديد من البحوث والدراسات وبشكل خاص الجوانب المتعلقة بأهم الحشرات والأمراض التي تصيب شجرة الزيتون وطرق الوقاية منها والعلاج، إضافة إلى تحديث الخدمات الزراعية اللازمة له، ومن ثم تطبيق برامج المكافحة المتكاملة للآفات والأمراض.
وبناءً عليه تزايد إنتاج الزيتون حتى وصل عام 2006 إلى أكثر من مليون طن واحتلت سورية المركز السابع عالمياً في إنتاج الزيتون، في حين وصل الإنتاج في عام 2024 الى أكثر من 700 ألف طن ونتج عنه أكثر من 90 ألف طن زيت ، ولهذا يمكن القول إن سورية لديها اكتفاء ذاتي من مادة زيت الزيتون، وكذلك تمتلك فائضاً يمكن تصديره حسب سنوات الحمل والمعاومة.
تراجع مؤقت
يبيّن الدكتور بركات أن إنتاج عام 2018 تراجع إلى 664 ألف طن من ثمار الزيتون، كما انخفض معدل استهلاك الزيت في سورية من 120 ألف طن إلى 60 ألف طن، وخرج قسم من المساحات خارج الإنتاج بسب القطع والحرائق و الإهمال وانتشار الآفات والأمراض، وترافق معه انخفاض معدل استهلاك الفرد من زيت الزيتون من 5-6 إلى 2-3 كغ للفرد/السنة.
لكن د. بركات يلفت إلى إنجازات مهمة حققتها سوريا في تصنيع الزيت فأنتجت عام 2006 نحو 208 ألف طن من زيت الزيتون، وأصبحت من الدول المصدرة.
عمالة
يعمل بقطاع الزيتون السوري نحو 377 ألف عائلة، يقدر تعداد أفرادها 2.3 مليون نسمة تمثل 15% من مجموع سكان سورية، وتمثل قيمة زيت الزيتون 2.75% من الدخل القومي و9.53% من دخل القطاع الزراعي، وبالمتوسط تنتج سورية نحو 80-100 ألف طن زيت زيتون سنوياً يتم تصدير جزء منها.
تعتمد أكثر من 95% من المساحة المزروعة بشجرة الزيتون على مياه الأمطار، وأكثر المحافظات مساحة وإنتاجاً هي حلب وإدلب وتشكلان أكثر من نصف المساحة المزروعة بالزيتون، ويستخدم 25% من إنتاج الزيتون للمائدة و75% للعصر واستخلاص الزيت.
ويتوفر في سورية أكثر من 60 صنفاً من الزيتون، وتعد شجرة الزيتون من الأشجار الجفافية.
عناية فائقة في أكساد
يوضح د. بركات أن ” أكساد” يركّز على تنمية وتطوير هذه الشجرة منذ تأسيسه عام 1968 وذلك من خلال إقامة المجمعات الوراثية لأصناف الزيتون المحلية والعربية والعالمية في محطاته البحثية (محطة بحوث جلين، إزرع، دير الحجر، السن)، ومن خلال تنفيذ العديد من الأبحاث المتعلقة بعمليات تحسين الخدمة، وتحسين الإنتاج وإجراء الدراسات والبحوث على أهم الحشرات والآفات وطرق الوقاية منها وتطبيق طرق المكافحة المتكاملة، بالإضافة الى توفير الغراس الموثوقة من الأصناف المختلفة من خلال المشاتل المتخصصة والتي يطبق فيها أحدث تقنيات الإكثار كمشتل بوقا في اللاذقية التابع للمركز العربي الذي يصل فيه الإنتاج الى أكثر من مليون عقلة مجذرة سنويا من مختلف الأصناف بغية تزويد جميع الدول العربية بالأعداد والأصناف المناسبة،
وخاصة الأصناف المحلية كالصوراني..القيسي
..الجلط لما تمتاز به من مواصفات جيدة، كما أن أكساد اهتم بشكل كبير في مجال تطبيق أحدث التقانات الحيوية، وذلك من خلال المخابر المتقدمة والمتطورة مثل مخبر زراعة الأنسجة الذي يتم فيه إكثار بعض الأصناف صعبة الإكثار، ومخبر التقانات الحيوية الذي ينفذ فيه العديد من الأبحاث المتعلقة بتحديد درجة القرابة بين الأنواع والأصناف من خلال التحاليل الجزيئية و البصمة الوراثية، ومخابر التحليل المتخصصة سواء للتربة أو عينات نباتية وغيرها، ناهيك عن دور أكساد في مجال الاستفادة من مخلفات الزيتون كنواتج التقليم وتحويلها الى علف وسماد عضوي من خلال تصنيع مكعبات علفية مكونة من خلطات بقايا تقليم الزيتون ومواد عضوية أخرى والمولاس، واستخدام آلة تصنيع المكعبات التي طورها المركز العربي “أكساد”.
يعمل في قطاع الزيتون السوري 377 ألف أسرة تشكل 15 بالمئة من مجموع سكان سورية
كما كان لأكساد الدور الكبير في نشر وتوطين هذه الشجرة من خلال الإرساليات للغراس والتي بلغت أكثر من 3 ملايين غرسة وعقلة مجذرة إلى مختلف الدول العربية، وكذلك تنفيذ الدورات التدريبية وورش العمل.
أهمية اقتصادية
يرى خبير الأشجار المثمرة و الزيتون في “أكساد” أن لشجرة الزيتون أهمية اقتصادية وبيئية وغذائية ودينية وتاريخية، والإنسان منذ القدم قد ائتدم بثمرها، واستضاء بزيتها، واستوقد عيدانها، وجزل حطبها.
ويعدّ زيت الزيتون بحكم تركيبه الطبيعي الغني بحمض الأولييك السائل في درجات الحرارة العادية من أهم الزيوت النباتية، وأنه الزيت الوحيد البكر الذي يقال عنه (من الشجر للحجر)، من دون استعمال الحرارة والمواد الكيميائية (الاستخلاص بالطرق الفيزيائية الميكانيكية) التي تستعمل لاستخلاص الزيوت النباتية الأخرى كزيت دوار الشمس وزيت النخيل وزيت القطن وغيره من الزيوت النباتية الأخرى، وقد تزايد استهلاكه من قبل الإنسان إيماناً منه بفوائد الزيت والتي أتى على ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة والتي لا جدال فيها، وتوصية الأطباء وعلماء الأغذية بضرورة تناوله بديلاً عن الزيوت النباتية الأخرى، لاحتوائه على الكوليسترول الحميد وخلوه من الكوليسترول السيئ، وغناه بالفيتامينات والعناصر المغذية.
فوائد
من أهم فوائد زيت الزيتون – وفقاً للدكتور بركات – أنه يسهم في الوقاية من مرض شرايين القلب التاجية، وارتفاع كولسترول الدم، وارتفاع ضغط الدم، وتناول الغذاء الغني بزيت الزيتون ينقص من جرعات أدوية ضغط الدم، ومرض السكر، والبدانة، كما أنه يقي من بعض السرطانات كسرطان القولون، وسرطان الرحم، وسرطان المبيض، وسرطان الجلد القتامي، ولزيت الزيتون أهمية في الوقاية من قرحة المعدة و في معالجة التهاب المفاصل نظير الرثوي، ويساعد في تطور الجنين وينعم البشرة والوجه، ويستعمل في صناعة زيوت وكريمات الوجه والصابون ، ويقوي الشعر ويعطيه لمعاناً، ويعمل مضاداً للأكسدة لكونه يحتوي على فيتامين E المعروف، كما يحتوي على مركبات البولي فينول، وتعزى الفوائد الصحية لزيت الزيتون إلى غناه بالأحماض الدهنية اللامشبعة الوحيدة، وإلى غناه بمضادات الأكسدة، فوجد الباحثون أن زيت الزيتون البكر يحتوي على كمية جيدة من مركبات البولي فينول Compounds Polyphenolic التي تمنع التأكسد الذاتي للزيت، وتحافظ على ثباته، ومعظم الزيتون السوري هو بكر (زيت العصرة الأولى)، وهو زيت عضوي نتيجة وعي واهتمام المزارعين بهذه الشجرة المباركة من تقديم عمليات الخدمة والممارسات الزراعية السليمة ضمن سلسلة الإنتاج كاملة حتى الحصول على الزيت، وبذلك يكون زيت الزيتون من أفضل أنواع الزيوت المستخدمة للاستهلاك البشري، لكون طرق استخلاص هذا الزيت من دون إضافة مواد كيميائية، طبعاً مع مراعاة عدة نقاط تتعلق بعمليات القطاف وموعده وعمليات النقل والتخزين والعصر.
غش وتدليس
يفصح الدكتور بركات عن هواجس واقعية مما يجري من غش لمادة الزيت، ويرى أنه نتيجة غلاء أسعار زيت الزيتون بشكل عام وخاصة خلال السنوات الخمس الماضية أصبحت عمليات الغش شائعة لزيت الزيتون بخلطه بأنواع زيوت نباتية أخرى كزيت دوار الشمس وزيت النخيل وغيره من الزيوت النباتية الأخرى، ولكون هذه الزيوت النباتية (زيت النخيل مثلاً) يحتوي أيضاً على أحماض دهنية مثل حمض الأولييك كما في الزيتون فان ذلك يسهل من عمليات الغش، وخاصة عندما تقتصر بعض التحاليل على تحاليل أولية تعتمد فقد على رقم الحموضة مثلاً، وبالتالي فانّ عمليات الغش هذه سوف تؤثر على نوعية الزيت السوري، وبالتالي على جودة المنتج وخاصة في حال عمليات التصدير والخضوع لعمليات التحليل الدقيق وضمن مواصفات المجلس الدولي للزيتون.
زيت النخيل هو غذاء أساسي في العديد من المأكولات مثله مثل الكثير من الزيوت النباتية ويسهم بشكل كبير في توفير السعرات الحرارية والدهون، كما يعدّه البعض من بين الأطعمة التي تزود الدهون المشبعة التي ترفع مستويات الكوليسترول وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.
“أكساد” يقترح خريطة طريق علمية وإجرائية لحماية وتطوير محصول الزيتون والزيت في سوريا
يمكن القول إن جميع هذه الزيوت هي نباتية الأصل، ولكن الفرق الأساسي والجوهري هو نوع ونسب الأحماض الدهنية الداخلة في تركيبها، والأهم في طبيعة استخلاص الزيت، حيث إن جميع الزيوت النباتية تتعرض أثناء استخلاصها لدرجات حرارة عالية وكذلك يتم استخدام مواد كيميائية خلال مراحل العصر والاستخلاص المختلفة، في حين أن زيت الزيتون يستخلص بطرق ميكانيكية وفيزيائية فقط وبالتالي تأتي مضار الزيوت النباتية غير الزيتون ( مثل زيت نخيل، دوار شمس، صويا…) من طرق المعالجة والاستخلاص التي تتم لهذه الزيوت.
بالتالي يطالب د. بركات بأن تكون هناك مراقبة صارمة وإجراءات حازمة لزيت الزيتون في الأسواق، كي لا يُساء لنوعية الزيت من خلال عمليات الغش.
سياسات بناءة
يرى الخبير في “أكساد” أنه و للنهوض بهذا القطاع الهام – الزيتون – لابدّ من اتخاذ سياسات وإجراءات متعددة، كتدقيق أعداد أشجار الزيتون وتوزع الأصناف الجغرافي والبيئي ومواصفاتها الإنتاجية، و تقييم أنواع زيت الزيتون ومواصفاتها الكيميائية والحسية والعوامل المؤثرة في جودتها من خلال: التعريف بزيت الزيتون البكر وأصنافه المختلفة حسب المواصفات الدولية.
و توضيح العوامل المؤثرة في جودة زيت الزيتون البكر.
و دراسة التحديات والمعوقات البشرية وتطوير قدراتها من خلال، إعادة تأهيل الوحدات الإرشادية ومراكز البحوث الزراعية، والعمل على إدخال التقنيات الحديثة في زراعة وإنتاج وتصنيع الزيتون.
دراسة واقع المعاصر وإعادة تأهيلها، وتوفير كوادر بشرية مؤهلة ومدربة وزيادة الرقابة على عملها لضبط عمليات التصنيع للوصول إلى جودة زيت الزيتون المطلوبة.
و تشجيع إنشاء شركات مختصة بتسويق زيت الزيتون تعمل وفق المعايير العالمية
ثم تشجيع القطاع الخاص على الاستفادة من مخلفات المعاصر.
و الاستفادة من المخلفات الثانوية للزيتون، مع الإشارة هنا إلى عدة نقاط مهمة، فصناعة عصر الزيتون تلوث البيئة المحيطة بالمعاصر نتيجة لتراكم منتجاتها الثانوية بشكل عشوائي، لذلك من الضروري أن تهتم البحوث الزراعية بالمنتجات الصلبة والسائلة الناتجة عن المعاصر، ودراسة إمكانية الاستفادة منها، من خلال تجميع مياه عصر الزيتون وتفل الزيتون في أحواض وبرك لحين استخدامها.
و تحديد النسب المثلى للكميات الممكن إضافتها إلى التربة من ماء الجفت أو من البيرين من دون آثار سلبية.