بين التقاليد والابتكارات الرقمية.. هل تجد الصحافة الورقية مقامها المفقود؟

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية-حنان علي:

في عالم يخفق بنبض التكنولوجيا المحموم، حيث تتوافد الأخبار بنقرة زر، تطل الصحافة الورقية برأسها كالعنقاء التي تحاول النهوض من رماد التحديات، فلم تكن الجرائد يوماً مجرد أوراق مطبوعة تعلق في الاكشاك وعلى أرفف المكتبات وبين أيادي القراء، بل ذاكرة جماعية وثقافة متجذرة في تاريخ الإنسانية ونافذة شفيفة على أخبار العالم.

التفاعل العميق بين الكلمة والمجتمع والصوت الجريء لم تتوان عن تنحيته التحولات الرقمية الهائلة، فهل فقدنا تلك التجربة الفريدة التي لطالما وفرتها الصحافة الورقية؟ آلا يمكننا إحياء هذا الشكل التقليدي من الإعلام؟

ما انفكت الإجابة تكمن في قدرتنا على دمج التقاليد مع الابتكارات، وتقديم محتوى يلامس اهتمامات الأجيال الجديدة، ويعيد للصحافة الورقية بريقها الذي لا يُنسى.

من التاريخ

لزمنٍ عريق ما انفكت سوريا من أوائل الدول العربية التي بدأت العمل الصحفي. ومنذ نشأتها، شكلت الصحافة السورية صوتاً مهماً للتعبير عن قضايا المنطقة ومواجهة الاستعمار امتد منذ عهد السبل التي اتبعتها الحكومات بإيصال قراراتها للناس عبر فرق جوالة، تلتها مآذن المساجد، حتى دخول الصحف إلى العالم العربي من مصر عام 1828. ليتم تأسيس أول صحيفة سورية باسم “سوريا” عام 1865، تلتها صحيفة “سوريا الجديدة” 1918.

محطات مهمة

في عام 1929، تم الإعلان عن صحيفة “المضحك المبكي” لصاحبها حبيب كحالة، التي استخدمت أسلوب النقد الساخر، وتعرضت للإغلاق مرات ومرات. وفي عام 1931، أسست الكتلة الوطنية صحيفة “الأيام” الصادرة كل يوم جمعة بـ 12 صفحة، كتب فيها كبار الأدباء والمفكرين السوريين أمثال: محمد الماغوط، وعبد السلام العجيلي، وحنا مينه، وميشيل عفلق، وقسطنطين زريق. واستمرت في عملها حتى عام 1963.. لتتوالى طباعة الصحف بين 1918 و1948، وصولاً إلى 300 صحيفة ومجلة في سوريا.

قيمة ثقافية ومعنوية

وما برحت القراءة من الورق تختلف تماماً عن تصفح نظيرتها الإلكترونية، حيث توفر تجربة ملموسة تشجع العقل على الانغماس في النص والاطلاع على تفاصيله بهدوء ورويّة. تجربة تتيح للقراء فرصة تطوير مهارات التفكير النقدي، من خلال التعرض لتحليلات معمقة وآراء متنوعة حول القضايا الراهنة.. ومع ذلك، فقد أثرت الصحافة الإلكترونية على عادات القراءة بشكل كبير، حيث أصبح الإنترنت يمثل المصدر الرئيس للأخبار. وهذا التحول جعل الكثير من الأفراد يفضلون قراءة المقالات السريعة والمحتوى المختصر، مما قد يؤثر سلباً على عمق الفهم والتفاعل مع المعلومات. وفي سياق ذلك، يشعر الكثيرون ممن اعتادوا تصفح الورق بعدم الارتياح من جراء فقدان هذه الوسيلة، مما يستدعي التفكير جدياً في كيفية إعادة طباعة ونشر الصحافة الورقية.

إعادة إحياء

قد يكون من المفيد أن تتجه الصحافة الورقية نحو تقديم محتوى متميز يجذب القراء، من خلال التركيز على الجودة والعمق في الكتابات. وهذا يتطلب تعزيز التفاعل مع الجمهور من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مما يسهم في بناء جسر بين القراء والمحتوى المطبوع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن دمج الصحافة الورقية مع الأنشطة الثقافية والاجتماعية، مثل تنظيم ندوات ولقاءات مع الكتاب والمراسلين، لخلق بيئة غنية للمناقشة والتفاعل.

التفاعل مع الجمهور

لعل جذب الأجيال الجديدة التي ترعرعت بين أروقة الفضاء الالكتروني يعدّ من أشد التحديات نحو قراءة الصحف والمجلات. ولا يتم ذلك إلا عبر التعليم والوعي بأهمية القراءة من الصحف في سبيل إعادة تنشيط هذا المجال، ومن الضروري الاستثمار ضمن أساليب مبتكرة لجذب انتباههم عبر الاهتمام بالتصاميم الجذابة والمحتوى الغني بالتنوع الثقافي والاجتماعي. الذي يلامس اهتماماتهم وتطلعاتهم.

عصر التحولات التكنولوجية

وما لبثت الصحافة الورقية جزءاً مهماً من تاريخنا الإعلامي وثقافتنا، ورغم التحولات التكنولوجية السريعة، ولايزال ممكناً إعادة تنشيط هذا المجال من خلال اتباع استراتيجيات مبتكرة ومحتوى يمس اهتمامات القارئ. إن الانطلاق بالصحافة الورقية يتطلب تفانياً وجهوداً مشتركة من جميع المعنيين بالعالم الإعلامي، لتحقيق التوازن بين التقليد والابتكار.

وفي الختام، ليس من السهل للصحافة الورقية أن تتكيف مع العصر الرقمي أو تتفوق عليه، لكن الإرادة والتحديث يعيد إليها الحياة، لتكون جسراً بين ذكريات الماضي وآمال المستقبل.

Leave a Comment
آخر الأخبار