بين التهديد والتحول.. هل ينقلنا الذكاء الاصطناعي إلى صحافة القيمة المضافة؟

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية ـ حسين الإبراهيم:

• كيف تُصاغ القيمة الصحفية في عصر الخوارزميات؟
• هل يستطيع الذكاء الاصطناعي منح الصحفي سلطة جديدة؟
• متى يتحول الصحفي من مشغّل أدوات إلى صانع معرفة؟
• ما إمكانية الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل العلاقة بين الصحفي والجمهور؟

اشتباك معرفي

ليس الذكاء الاصطناعي مجرد أدوات، بل منهج عمل يعيد تعريف “الصحفي” نفسه. هل نحن أمام صحفي جديد؟ أم مجرد مستخدم لتقنيات ذكية؟ المقال يشتبك مع هذه الإشكالية من زاوية معرفية، ويطرح فرضية أن القيمة الصحفية لم تعد تُقاس فقط بالمعلومة، بل بطريقة إنتاجها وتفاعلها مع الجمهور.
تشكل “القيمة الصحفية المضافة” اليوم حجر الزاوية لأي إنتاج إعلامي متميز؛ فهي لا تقتصر على نقل الأخبار أو التقارير، بل تسعى إلى تقديم زاوية تحليلية أو كشف جديد أو بعد إنساني يمنح المتلقي معرفة أعمق وأثراً أكبر. في السياق التقليدي، تعني القيمة المضافة قدرة الصحفي أو المؤسسة على تجاوز السرد السطحي، والوصول إلى استنتاجات ورؤى وتحليلات فريدة يصعب العثور عليها في مصادر المعلومات الأخرى.
مع الثورة التقنية وتطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أصبحت إمكانيات تعزيز القيمة المضافة هائلة؛ إذ يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كمّ هائل من البيانات بسرعة غير مسبوقة، واستخراج أنماط وعلاقات خفية، وتوليد رؤى جديدة، بما يدعم الصحفيين في إعداد مواد أكثر عمقاً ودقة وسرعة. الفرق الجوهري هنا يكمن بين “المحتوى الصحفي العادي” الذي يكتفي غالباً بالحقائق الأساسية والنقل، و”المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي” الذي يرتكز على تحليلات متقدمة، ورصد اتجاهات، وحتى إنتاج نصوص تتكيف مع تفضيلات الجمهور وسلوكياته.
دخلت الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي مرحلة جديدة تغيّرت فيها بيئة العمل الصحفي جذرياً؛ فالأدوات الذكية اليوم تُستخدم لرصد الأخبار العاجلة، والتحقق من الحقائق، وترجمة النصوص، وحتى في التنبؤ بالقصص الأكثر اهتماماً لدى الجمهور. أثار هذا التحول نقاشاً واسعاً:
هل يمثل الذكاء الاصطناعي تهديداً للصحفيين ولوظائفهم، أم فرصة لتعزيز الكفاءة والإبداع؟
الواقع أن التجارب أثبتت أن المؤسسات التي تبنت أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل مدروس، مثل “رويترز” و”واشنطن بوست”، استطاعت تحقيق سبق صحفي، وتقديم محتوى تفاعلي وتحليلي غير مسبوق، مع الاحتفاظ بدور الصحفي الإنساني في التحقق من الحقائق وصياغة الروايات المؤثرة.

المعطيات الأساسية

أولاً: معطيات انتشار الذكاء الاصطناعي في الصحافة المعاصرة
المؤسسات الإعلامية التي تعتمد الذكاء الاصطناعي:
تشير الدراسات الحديثة إلى أن أكثر من 80% من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل منتظم في أعمالهم التحريرية، مع تزايد اعتماد هذه الأدوات في المهام اليومية مثل التحرير، البحث، والتدقيق اللغوي.
اعتمدت صحيفة “واشنطن بوست” نظام Heliograf منذ عام 2016 لغرض إنتاج تقارير آلية حول نتائج الرياضة والانتخابات وغيرها من الموضوعات الروتينية.
يتوافر حالياً للصحفيين عدد من الأدوات الذكية المجانية لتسهيل وتطوير العمل الصحفي، مثل أدوات التلخيص، توليد العناوين، تحليل البيانات، التحقق من المعلومات وتتبع مصادر الأخبار، فضلاً عن برامج الترجمة والنماذج اللغوية.

تفاعل الجمهور مع المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي

تشير البيانات إلى أن التفاعل مع المحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي أعلى من المحتوى التقليدي؛ فقد ارتفعت نسبة التفاعل في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي عند استخدام الذكاء الاصطناعي من 4.82% إلى 5.87% كمعدل وسطي عام.
وكذلك أظهرت دراسات تسويقية أن المحتوى المحسَّن بالذكاء الاصطناعي يحقق تفاعلاً أعلى بنسبة تصل إلى 83% من نظيره التقليدي.
ثانياً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تُضيف قيمة للصحفي
تمنح تطبيقات الذكاء الاصطناعي الصحفيين أدوات فاعلة لإحداث قيمة مضافة في مختلف مراحل العمل الصحفي.
في إنتاج المحتوى، تسهم هذه التطبيقات في توليد الأفكار والموضوعات الساخنة، وصياغة أولية للعناوين الذكية، فضلاً عن تلخيص المقابلات أو الوثائق الطويلة بفعالية عالية.
أما في تحليل البيانات، فهي تمكّن من استخراج أنماط وقصص جديدة من البيانات الصحفية الضخمة، وتحليل توجهات الجمهور في وسائل التواصل، إلى جانب التحقق السريع من المعلومات ورصد الأخبار الزائفة.
وفي تحسين العلاقة مع الجمهور، تعزز الذكاء الاصطناعي تخصيص المحتوى حسب الاهتمامات، وتتيح روبوتات المحادثة تفاعلاً فوريًا، مع قياس ردود الفعل بشكل لحظي لتطوير المواد الصحفية.

هذه المعطيات ترسم خريطة واقعية لانتشار الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار العالمية، وتبرهن على أنه لم يعد رفاهية تقنية بل أصبح “شرطاً” لتحقيق صحافة القيمة المضافة ومنافسة الأسواق الإعلامية الجديدة بنجاعة وفاعلية.

تجربة شخصية

في لحظة فارقة من مسيرتي الصحفية، وبينما كنت أراجع أرشيفي الورقي الذي يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، أدركت أن الصحافة لم تعد كما كانت. لم يعد الخبر يُكتب فقط بالحبر، بل يُعاد تشكيله بالخوارزميات. لم يعد الصحفي مجرد ناقل للمعلومة، بل أصبح مشغّلًا للذكاء الاصطناعي، ومهندساً للسرد الرقمي.
من عملي في تأسيس أول موقع إخباري سوري عام 1998 باستخدام المصادر المفتوحة، إلى إدارة برنامج “الصحافة الذكية” في الجامعة الافتراضية السورية، ومن تدريب الصحفيين على أدوات الذكاء الاصطناعي إلى كتابة سيناريوهات للأطفال تشرح مفاهيم رقمية معقدة، كانت تجربتي الشخصية بمثابة مختبر حي لتحولات المهنة.
الذكاء الاصطناعي لم يكن بالنسبة لي مجرد تقنية، بل أداة لتحرير المعرفة، كما كتبت في مراجعة لمقولة ماكلوهان. لقد ساعدني على تحليل توجهات الجمهور، وتلخيص المقابلات، وتوليد أفكار جديدة، لكنه في الوقت ذاته طرح عليّ سؤالاً وجودياً: هل ما زلت أنا الصحفي، أم أصبحت مجرد وسيط بين الآلة والجمهور؟

المخرجات المعرفية

*تعميق فهم دور الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة للصحفيين في إنتاج محتوى أسرع وأكثر دقة، مع تحقيق قيمة مضافة من خلال توليد أفكار جديدة، صياغة محتوى أولي، وتلخيص الوثائق.
*إدراك أن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الصحافة وليس مجرد أداة للنقل فقط، إذ يمكنه تحليل بيانات ضخمة لاستخراج أنماط وتوجهات خفية.
*التفريق بين المحتوى الصحفي التقليدي والمحتوى المدعوم بالذكاء الاصطناعي من حيث السرعة، الدقة، والتخصيص
*تحديد التحديات الحاسمة مثل فقدان الطابع الإنساني في النصوص المُنتجة آلياً، وتأثير ذلك على مصداقية الأخبار.
* فهم الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة الصحفية، وتمكين الصحفيين من التركيز على الجوانب الإبداعية والتحليلية.
هذه المخرجات تتيح بناء تصور شامل عن العلاقة التفاعلية بين الصحافة التقليدية والذكاء الاصطناعي، مسلطة الضوء على الأثر النوعي للذكاء الاصطناعي في تعزيز القيمة المضافة للمحتوى الصحفي مع ضرورة الحفاظ على العنصر الإنساني والأخلاقي في العمل الصحفي.

كلمة أخيرة…
“هل سنكتفي بصحافة تُنتجها الخوارزميات، أم سنعيد تشكيلها لتكون مرآة ذكية للواقع؟”.

Leave a Comment
آخر الأخبار