بين الحقيقة والتضليل.. 60% من مستخدمي الإنترنت يتعرضون لأخبار كاذبة أو مضللة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – نهلة أبو تك:

ينفجر عالم التواصل الاجتماعي يومياً بفيض من الأخبار والمعلومات التي تُنشر بشكل لحظي وسريع، ما يجعل المستخدمين في مواجهة دائمة مع كمٍّ هائل من البيانات التي يصعب أحياناً تمييز الصحيح منها عن الزائف. هذا الواقع الجديد فرض تحديات كبيرة على مصداقية الأخبار وأدى إلى تفاقم ظاهرة انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة، التي تهدد السلم الاجتماعي وتثير القلق في صفوف الجمهور.

جميلة عبود سيدة أعمال تصف تأثير هذا الواقع على عملها وتواصلها المهني، فتقول: “أتابع مجموعات عديدة على الواتساب والفيسبوك، وغالباً ما تصلني أخبار تتعلق بسوق العمل أو تغيّرات اقتصادية مفاجئة. بحكم عملي أسرع أحياناً بمشاركة هذه الأخبار مع شركائي أو الموظفين، لكني أكتشف لاحقاً أنها غير دقيقة أو مضللة، ما يسبب إرباكاً وتأثيراً سلبياً على قراراتنا.”

وتوضح عبود أن سرعة الانتشار وعدم وضوح المصادر بالإضافة إلى التشابه بين الأخبار الحقيقية والكاذبة تجعل كثيرين من الناس، حتى من أصحاب الخبرة يقعون في فخ نقل الشائعات من دون قصد، ما يضعف الثقة في بيئة الأعمال ويؤثر على الاستقرار العام.

في تفسيره لهذه الظاهرة يقول الباحث الاجتماعي فادي كرمو: “نحن اليوم أمام بيئة إعلامية مفتوحة وشبه مجانية حيث يمكن لأي شخص أن ينشر ما يريد من دون رقابة أو تحقق من الحقائق، هذه الحرية المصحوبة بعدم وجود أدوات تحقق فعالة تشجع على انتشار المعلومات غير الدقيقة أو الملفقة.”

ويضيف كرمو: البشر بطبيعتهم يميلون إلى تصديق الأخبار التي تتماشى مع معتقداتهم وأحاسيسهم، وهذا يزيد من فرصة إعادة نشر الأخبار من دون تمحيص، خاصة تلك التي تثير القلق أو الخوف، أو التي تدعم وجهات نظر مسبقة

ويشير إلى أن التأثير السلبي لا يتوقف عند الجانب المعلوماتي فقط، بل يمتد إلى التأثير النفسي والاجتماعي، حيث تسبب الشائعات حالة من الذعر والارتباك، وقد تؤدي إلى نزاعات وانقسامات داخل المجتمع.

ويؤكد كرمو أنّ “مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى إستراتيجية شاملة تبدأ من التوعية الإعلامية المستمرة عبر التعليم والإعلام الرسمي والمجتمع المدني وتعزيز مهارات التفكير النقدي لدى المستخدمين، بحيث يصبح الفرد قادراً على التمييز بين الأخبار الصحيحة والكاذبة.

دور الإعلام والمنصات الرقمية

في مواجهة هذا المد المتزايد من المعلومات المضللة، يبرز دور الإعلام الرسمي بوصفه مصدراً موثوقاً لتصحيح المغالطات ونشر المعلومات الدقيقة عبر تبني سياسات تحريرية تضع المصداقية في المقدمة، والانفتاح على الواقع الرقمي بأساليب حديثة تُخاطب الجمهور بلغته.

في المقابل تسعى بعض المنصات التقنية الكبرى مثل “فيسبوك” و”إكس” (تويتر سابقاً) إلى تطبيق تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد الأخبار الكاذبة وتنبيه المستخدمين، وتفعيل آليات “التبليغ” و”التحقق من المحتوى” بالتعاون مع مؤسسات تدقيق مستقلة. غير أن فعالية هذه الأدوات تبقى مرتبطة بمدى وعي المستخدم، واستعداده للتفكير النقدي قبل التفاعل أو النشر.

تشير الدراسات الحديثة إلى أن حوالي 60% من مستخدمي الإنترنت يتعرضون لأخبار كاذبة أو مضللة بشكل متكرر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه المجتمعات الحديثة في عصر المعلومات.

تجربة جميلة عبود، التي تكرّر فيها الخلط بين الخبر الصحيح والزائف، تمثل نموذجاً واقعياً يلمس حال كثير من المواطنين، بمن فيهم أصحاب الأعمال، الذين يجدون صعوبة في التحقق وسط الزخم الهائل من المعلومات.
في ظل هذا الواقع، يبرز دور الإعلام والمؤسسات التعليمية في تعزيز ثقافة التحقق من الأخبار، وكذلك مسؤولية الأفراد في التروي وعدم تداول أي معلومة قبل التأكد من مصدرها.

Leave a Comment
آخر الأخبار