بين السيادة النقدية وواقع السوق.. لحظة مفصلية تتطلب عملاً دؤوباً لتجنب خيبة إضافية في الذاكرة الاقتصادية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- رشا عيسى:

في مشهد اقتصادي يتطلّب حذراً وأملاً في آنٍ معاً، جاءت تصريحات حاكم المصرف المركزي الدكتور عبد القادر حصرية بأن سوريا لن تلجأ إلى الديون الخارجية، ولن يتم ربط سعر الليرة بالدولار أو اليورو، وسيتم استحداث مؤسسة لضمان الودائع في البنوك السورية، كإشارة لمرحلة جديدة من التفكير النقدي والسياسات المالية.

كعده: هل نحن أمام تحول حقيقي في الرؤية الاقتصادية؟

نافذة تساؤل

ورأى الأستاذ الجامعي والباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور عباس رشيد كعده في تصريح لـ( الحرية) أن الحديث عن الاستغناء عن الديون الخارجية، ورفض ربط الليرة بالعملات الأقوى، واستحداث مؤسسة لضمان الودائع، لا يمكن قراءته فقط من زاوية التفاؤل أو التشكيك، بل كنافذة لطرح الأسئلة الضرورية، فهل نحن أمام تحول حقيقي في الرؤية الاقتصادية؟
وهل تملك سوريا اليوم الأدوات لتطبيق هذه التوجهات؟
وما علاقة هذه التصريحات بالتغيرات المرتقبة في ملف إعادة الإعمار، والانفتاح النسبي على بعض المسارات الدولية؟

كعده: رفض الديون الخارجية قرار سيادي يعكس نية الدولة في تجنّب الارتهان لمراكز التمويل الدولية

وجد الباحث كعده أن عدم اللجوء إلى الديون يبدو في ظاهره قراراً سيادياً يعكس نية الدولة في تجنّب الارتهان لمراكز التمويل الدولية، لكن واقعياً، فإن هذا التوجه لا يُقرأ فقط كامتناع، بل كدلالة على توجّه بديل محتمل قد تعتمد فيه الدولة على أموال إعادة الإعمار، والتي بات حضورها قادماً لا محالة في المشهد السوري.
ويتساءل الدكتور كعده حول إذا ما كانت الدولة لا تريد تمويلاً عبر القروض، فهل لديها رؤية واضحة لآلية استثمار أموال الإعمار دون الوقوع في التبعية؟ وهل هناك خطط لضمان عدالة توزيع تلك الأموال؟ أم سنقع في فخ التمركز المالي في قطاعات ضيقة؟
ورأى أنه في الاقتصاد، الدين ليس كارثة بحد ذاته، بل أداة تستخدم ضمن ضوابط؛ وهناك تجارب كثير من الدول التي خرجت من الحرب (مثل رواندا أو البوسنة) اعتمدت على قروض موجهة ومربوطة بإصلاحات اقتصادية، أما الاستغناء عنها دون وجود بديل إنتاجي داخلي، فقد يتحوّل من خيار سيادي إلى مأزق تمويلي مؤجل.

كعده: بين الطموح والواقع تُبنى السياسات بالأدوات

قرار أم اضطرار

وحول فكّ الارتباط بالعملات العالمية إن كان قراراً أم اضطراراً؟ بيّن أن رفض ربط الليرة بالدولار أو اليورو خطوة لا تعني بالضرورة تحرراً نقدياً، بل يجب النظر إليها من زاوية القدرة الفعلية على إدارة سعر صرف مستقر بدون آلية تثبيت، وهنا لا بد من التذكير بأن الظرف الدولي تغيّر جزئياً، والعقوبات بدأت تخف حدّتها في بعض الجوانب، ما يفتح المجال لمرونة أكبر في السياسة النقدية، لكن هل هذا كافٍ؟ وهل تملك سوريا اليوم سوقاً نقدية متماسكة تسمح بتعويم أو تحرير مدروس؟
وبين الدكتور كعده أنه حتى الدول التي تتبع سياسات سعر صرف مرن، تفعل ذلك في ظل اقتصاد إنتاجي، واحتياطيات قوية، وثقة بالسوق الداخلية، أما في سوريا، حيث السوق الموازية ما زالت تتحكم بالسعر، وتفتقر الدولة إلى أدوات فعالة للتدخل، فإن عدم الربط ليس دائماً خياراً، بل أحياناً نتيجة غياب البديل، بل إن الدول تلجأ أحياناً إلى ربط عملتها لحماية المواطن من تقلبات السوق.. فهل نحن اليوم في موضع من يُقرّر؟ أم من يُجرّب لأن الخيارات الأخرى غير متاحة؟

كعده: مؤسسة ضمان الودائع المقترحة خطوة صحيحة تحتاج أرضية

خطوة صحيحة

وحول مؤسسة ضمان الودائع المقترحة، وجد الدكتور كعده أنها خطوة صحيحة تحتاج أرضية، بل ذهب لوصفها بالخطوة الأكثر منطقية في التصريحات، فإحداث مؤسسة تضمن للمودعين حقوقهم هو عنصر أساسي في أي إصلاح مصرفي، لكن في السياق السوري، لا تكفي الإعلانات القانونية دون إجراءات عملية ملموسة.
وأشار إلى أن المواطن السوري فقد الثقة بالنظام المصرفي بسبب التجميد الطويل للودائع، وغياب الشفافية في التعامل مع الأرصدة، وصعوبة الحصول على النقد، وبالتالي، فإن أي مؤسسة لضمان الودائع يجب أن تكون مستقلة، ممولة بوضوح، وتُطبّق في مناخ قانوني يضمن العدالة.
عالمياً، تعمل مؤسسات ضمان الودائع على تعزيز الثقة بالنظام المالي، وتمنع السحوبات الجماعية عند الأزمات، لكنها تعمل عادة ضمن نظام مصرفي مستقر ورقابي، في سوريا، قبل ضمان الودائع، هناك حاجة لضمان حرية التصرف بها أولاً.

أرضية تنفيذية

وأوضح أنه ما بين الطموح والواقع تُبنى السياسات بالأدوات، وتصريحات السيد الحاكم تفتح باباً لنقاش اقتصادي كان غائباً في سوريا خلال السنوات الماضية، وهذه بحد ذاتها إشارة مهمة، لكن الأهم من التصريحات هو ما يليها من خطط، ومن شفافية في التطبيق، ومن واقعية في التقدير، فلا السيادة تتحقق برفض القروض فقط، ولا الاستقرار النقدي يُبنى بترك الليرة بلا دعم، ولا الثقة بالمصارف تعود بإنشاء مؤسسة دون أرضية تنفيذية.

لحظة مفصلية

وختم الباحث كعده الحديث، بالتأكيد أننا نعيش اليوم لحظة مفصلية، فإذا ما تم التعامل مع هذه التصريحات كعنوان لخطة واقعية مرنة، فقد تمثّل نقطة بداية، أما إذا بقيت وعوداً معلّقة على جدران الإعلام، فقد تتحوّل إلى خيبة إضافية في ذاكرة المواطن الاقتصادية.

Leave a Comment
آخر الأخبار
‏«أورورا».. مشروع أمريكي لتهجير الفلسطينيين من غزة تحت غطاء «المساعدات ‏الإنسانية»‏ تباينات صارخة في الميزان التجاري بين سورية والأردن.. خبراء يفسّرون و آخرون يقترحون إجراءات لتصحيح ال... حرائق ريف اللاذقية تتسع.. والدفاع المدني يصف الوضع بالأخطر منذ سنوات "حبوب حمص" تستأنف تسويق القمح ثلاثة أيام إضافية المالية تصدر التعليمات التنفيذية لصرف الزيادة 200% على الرواتب .. الزيادة لا تؤثر على القدم المؤهل ل... إلغاء العمل بالبطاقة الذكية بدأ في طرطوس.. أسطوانة غاز عند الحاجة من دون التقيد بكمية أو مدة زمنية م... الفنان والإعلامي د. عبد القادر المنلا.. دعوة لتعميق الوعي الثقافي ونداء للمغتربين: لا تنتظروا حتى تس... لم تشهد مثلها سوريا منذ ربع قرن.. أكثر من ٧٠ ألف دونم من الغابات طالتها حرائق ريف اللاذقية سان جيرمان يتأهل لنصف نهائي مونديال الندية.. وإصابة خطيرة للاعب البايرن موسيالا نبض الوطن في ساحات التجديد والعُقاب الذهبي يحلّق بحلته الجديدة.. سوريا تشرق بهوية بصرية جديدة من "رم...