بين المعلن «المهم» واللامعلن «الأهم» وانتظار التوقيتات الكاشفة.. بماذا خرج مؤتمر باريس حول سوريا؟

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

لم يكن مؤتمر باريس حول سوريا الذي اختتم أعماله الخميس الماضي مُنتظراً منه أن يكون بنتائج فورية، سواء على مستوى رفع العقوبات، أو على مستوى منح أموال، بل كان مؤتمر دعم سياسي بالدرجة الأولى، ولتنسيق الجهود والأعمال خصوصاً على المستوى الإنساني، بالدرجة الثانية، هذا عدا عما يسمى «تبادل رسائل» مباشرة لا بد منها في سياق دعم سوريا الجديدة (ضمانات والتزامات) وكل ما من شأنه إطلاق مسار علاقات دولية مختلفة مع سوريا، بالدرجة الثالثة.

علماً أنه بالإمكان وضع هذه الدرجات الثلاث في المستوى نفسه من الأهمية والضرورة.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: بماذا خرج مؤتمر باريس، وهل أن بيانه الختامي تضمن كل شيء، أم إن غير المُعلن كان أهم من ذلك المُعلن، وتالياً هل أن الأيام المقبلة ستكون كاشفة، أم إن «اللامُعلن» سيبقى كذلك (غير معلن) بانتظار محطة دولية جديدة.. ربما مؤتمر المانحين في بروكسل الشهر المقبل؟

قبل الإجابة، لا بد من التنويه بذلك الاحتضان الدولي المستمر لسوريا وقيادتها الجديد، بدا ذلك واضحاً- مرة أخرى- في أجواء استقبال وزير الخارجية أسعد الشيباني في باريس وفي استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون له، وفي اللقاءات التي أجراها، وفي مجمل أجواء المحادثات الرئيسية والجانبية على السواء.

أيضاً، لا بد من التفصيل أكثر في مسألة الأموال ورفع العقوبات.

جدول الأعمال

منذ البداية تم توضيح أن مؤتمر باريس لم يكن مخصصاً لإعلان تعهدات مالية، فهذا أمر يعود لمؤتمر المانحين السنوي الذي سيلتئم في بروكسل في آذار المقبل. أما مسألة رفع العقوبات فهذه يتم بحثها والعمل عليها ضمن الاتحاد الأوروبي ككل، وسبق أن وضع الاتحاد قبل أسبوعين خريطة طريق لتخفيف العقوبات، وفي هذا الإطار تم رفع جزئي للعقوبات في مجالات الطاقة والنقل والتمويل لمدة عام.

وكانت بريطانيا أعلنت بالتزامن مع اختتام مؤتمر باريس أنها ستعدّل عقوباتها على سوريا، وقال ستيفن داوتي وزير أوروبا وأمريكا الشمالية وأقاليم ما وراء البحار في بيان: «نجري هذه التغييرات لدعم الشعب السوري في إعادة بناء بلده وتعزيز الأمن والاستقرار»، فيما أصدرت وزارة الخزانة البريطانية ترخيصاً جديداً يُسهل عمل المنظمات الإنسانية والدولية لناحية تسهيل نقل الأموال والموارد والخدمات لدعم الجهود الإغاثية.

هذا الإعلان البريطاني، يندرج ضمن ما يسمى نتائج بالتسلسل، أي النتائج التي تحتاج بعض الوقت لتصدر وليتم ترجمتها، لهذا كان ذلك الحديث عن أن مؤتمر باريس لم يكن مُنتظراً منه الخروج بنتائج فورية.

الفشل ليس خياراً

الآن.. لنعد إلى سؤال: بماذا خرج مؤتمر باريس؟ «بعيداً عن لغة التأكيدات والدعوات والوعود».

1- المُعلن بشكل أساسي هو تشكيل مجموعة عمل لتنسيق جهود دعم سوريا، وحسب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو فإن الفشل ليس خياراً ونجاح سوريا من نجاح المجتمع الدولي.

في هذا الربط تتركز أهمية مؤتمر باريس، وربما ليست المسألة في أن الفشل ليس خياراً، بل في مسألة أن النجاح أمر حتمي، لا مفر منه، دونه خسارة أوروبا لدورها ومكانتها.. ولفرصة تاريخية قد لا تتكرر ثانية.

ومن هنا كان تحذير ألمانيا من الإخفاق، وقالت وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك أمام المؤتمر: «الشيء الواضح بالنسبة لنا جميعاً، هو أن إعادة بناء سوريا ستكون مهمة ضخمة، ستشهد انتكاسات متكررة، وسندعم كل ما يعزز عملية سياسية آمنة للجميع في سوريا»، لكنها في الوقت عينه، رأت أن التعاون الوثيق بين أوروبا والدول العربية ضروري لضمان نجاح عملية الانتقال السلمي في سوريا.

أمل كبير للسوريين

2- اتفاق نحو 20 دولة عربية وغربية على المساعدة في إعادة بناء سورية وحماية المرحلة الانتقالية بوجه التحديات الأمنية والتدخلات الخارجية، وحسب مسؤول فرنسي فإن «اجتماع باريس يهدف إلى المساعدة في خلق طبقة حماية حول- القيادة السورية الجديدة – لمنحها الوقت لحل جميع القضايا من خلال منع الأشرار من زعزعة استقرار البلاد» وفق ما نقلت عنه «رويترز».

مع التأكيد على أن القيادة السورية الجديدة «تحمل أملاً كبيراً للسوريين» كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

هذا القول لماكرون يمكن اعتباره كلمة فصل في مسألة الهواجس والمخاوف حيال القيادة الجديدة التي يقدمها الغرب (وبالأصح يتذرع بها) في مسار المحادثات مع القيادة السورية الجديدة.. فإذا كانت هذه القيادة «تحمل أملاً كبيراً للسوريين» فإن هذا الهواجس والمخاوف لا أساس لها، بل إن الغرب متأكد من أنها قيادة براغماتية، استراتيجية، تجيد بحرفية عالية التعامل مع الجميع، وإدارة عمليات التفاوض وإيصالها إلى النتائج التي تريدها وإن تطلب ذلك وقتاً.. والعبرة دائماً بالخواتيم.

لا بد هنا من إيراد تصريح ماكرون عن استقبال الرئيس الشرع في فرنسا، وارفاق الجملة بكلمة «قريباً» لتكون بمنزلة دعوة جديدة للرئيس الشرع لزيارة فرنسا، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية التأكيد على رغبتها بأن تكون هذه الزيارة سريعاً «في ترجمة لكلمة قريباً».. وكان ماكرون استقبل الشيباني بحفاوة بالغة لفتت الأنظار، وكانت محط ارتياح السوريين، وطمأنه لهم على متانة وقوة الدبلوماسية السورية في اللقاءات والمحافل الدولية.

تطلعات ومخاوف

3- دعم عقد مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة المجتمع السوري في الداخل والخارج.

وهذه نقطة مهمة، خصوصاً أن مؤتمر باريس جاء في أعقاب تسمية الهيئة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري، وهذا ما تتم قراءته بلغة السياسيين على أنه طمأنة من قبل القيادة السورية الجديدة باتجاه الغرب، وعلى أنها تعي تطلعات ومخاوف الدول والمنظمات المهتمة بالشأن السوري.. وعلى أنها تجيد التعامل معها وإيصال الرسائل اللازمة.

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو قال إن مؤتمر الحوار الوطني مهم ويلبي احتياجات السوريين بصرف النظر عن الدين أو اللغة أو المجتمع أو النوع الاجتماعي، معرباً عن أمله في أن يبدأ قريباً فهذا «مؤشر مهم جداً». ونوه بارو بالحكومة السورية الجديدة التي ستتشكل في أول آذار المقبل وأنها ستعكس المشهد السوري. وقال: نود أن نواكب السوريين بأفضل طريقة.

دمج سوريا في المنطقة

4- الاعتراف بالحكومة الانتقالية ودعم خطواتها، على مستوى توحيد البلاد وضمان أمنها وسيادتها، ومحاربة الإرهاب، وضبط الحدود، ومنع التدخلات الخارجية.. وغير ذلك من القضايا المعروفة.

وهنا يقول بارو:«هدفنا مساعدة السوريين، نريد سوريا حرة وذات سيادة وموحدة ومستقرة، ولهذا السبب نحتاج إلى إرساء بيئة تسهم بإحلال السلام، وبالتوحد من جديد وبإعادة دمج سوريا في المنطقة، لن نفرض أي شيء ولا أي طلبات غير واقعية، ونحن جاهزون لدعم الإدارة الانتقالية السورية من أجل تحقيق أهدافها».

إرادة قوية لدعم سوريا

كل ما سبق وصولاً إلى عملية رفع العقوبات وهي الهدف النهائي، فإن مؤتمر باريس يُعدّ محطة بارزة على طريق تعافي سوريا داخلياً وخارجياً.

وفي هذا الخصوص قال وزير الخارجية أسعد الشيباني، عبر تغريدة على (X): شاركت في مؤتمر باريس بناء على دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جيان نويل بارو، كان يوماً مليئاً بالنقاشات المثمرة والقيمة من كافة الدول المشاركة.

وأضاف: شهد المؤتمر إرادة قوية من المشاركين لدعم المرحلة الانتقالية والعملية السياسية الجارية، كما تم التعبير بوضوح عن ضرورة رفع العقوبات، وختم المؤتمر ببيان مشترك يدعم الشعب السوري في تقرير مستقبله.

وتابع: أجمل ما كان في باريس أني بدأت يومي بلقاء مع المجتمع المدني السوري وأنهيته بلقاء مثمر مع الجالية السورية، كل حديث مع السوريين يعزز الأمل والطموح لبناء سوريا يفتخر بها الجميع.

Leave a Comment
آخر الأخبار