تأسيس الشركات في سوريا يلعب دوراً محورياً في دعم الاقتصاد الوطني وإعادة الإعمار

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرّية- هبا علي أحمد:

شهدت سوريا نشاطاً ملحوظاً في تأسيس الشركات خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، حيث تم تسجيل أكثر من 11 ألف شركة جديدة، توزعت بين مشاريع فردية وشركات أشخاص وأموال.
هذا النمو يعكس تحسناً نسبياً في البيئة الاستثمارية، مدفوعاً بتسهيلات حكومية وإصلاحات إجرائية تهدف إلى تحفيز القطاع الخاص وتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي.

نشاط تأسيس الشركات يعكس تحسناً نسبياً في البيئة الاستثمارية مدفوعاً بتسهيلات حكومية تهدف إلى تعزيز النشاط الاقتصادي المحلي

الانخراط في النشاط الاقتصادي

ويرى الخبير الاقتصادي والمصرفي، الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، أن تسجيل 8693 سجلاً تجارياً فردياً خلال الفترة المذكورة، يعكس رغبة متزايدة لدى المواطنين في الانخراط في النشاط الاقتصادي، رغم التحدّيات المحيطة.
وقال الدكتور قوشجي في تصريح لـ«الحرّية»: هذا الإقبال يدل على مرونة المجتمع السوري في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، ويعكس أيضاً ضعف فرص العمل النظامية، ما يدفع الأفراد نحو ريادة الأعمال كمصدر دخل بديل، كما إن سهولة تأسيس المشاريع الفردية مقارنةً بالشركات من حيث الإجراءات والتكاليف يجعلها الخيار الأكثر جذباً.
أما بالنسبة لشطب 1164 سجلاً فردياً و254 شركة خلال الفترة نفسها، يُمكن اعتباره من جهة جزءاً طبيعياً من دورة حياة الأعمال، حيث تفشل بعض المشاريع لأسباب متعددة، ومن جهة أخرى، هناك تحدّيات هيكلية تواجه رواد الأعمال، مثل ضعف التمويل، تقلبات السوق، غياب الدعم الفني والإداري، وصعوبات في الوصول إلى الزبائن أو المواد الأولية، ما يستدعي دراسة أعمق لهذه الظاهرة.

دعم الاقتصاد الوطني

ولفت قوشجي إلى أن الاتجاهات العامة تُشير إلى أن معظم الشركات الجديدة تتركز في قطاعات التجارة والخدمات، نظراً لانخفاض الحواجز للدخول وسهولة التشغيل، كما تشهد الصناعات الغذائية والدوائية نشاطاً ملحوظاً بسبب الحاجة المحلية المتزايدة، في حين تظهر بوادر نمو في قطاع التكنولوجيا والاتصالات، رغم محدودية حجمه حالياً.
تتنوع الشركات المسجلة بين فردية، تضامنية، توصية، محدودة المسؤولية، ومساهمة، ويُوضح قوشجي أن كل نوع منها يلعب دوراً مختلفاً في دعم الاقتصاد الوطني، حيث تسهم المشاريع الفردية في تنشيط الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل ذاتية، بينما تعزز شركات الأشخاص الشراكات التجارية وتوفر مرونة في الإدارة.

الشركات تمثل ركيزة أساسية في بناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة خاصة إذا ما تم تمكينها وتوفير بيئة تشريعية ومالية داعمة

 

أما الشركات محدودة المسؤولية فتجذب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة، وتوفر حماية قانونية للمستثمرين، في حين تساهم الشركات المساهمة في تنفيذ مشاريع كبرى تدعم البنية التحتية والتنمية المستدامة.
ويُنوّه قوشجي إلى المشهد العام لتأسيس الشركات في سوريا حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، لافتاً إلى أن العدد الكبير من الشركات محدودة المسؤولية مقارنةً بالشركات المساهمة يعكس ميلاً لدى المستثمرين لتقليل المخاطر الشخصية، ويُشير إلى ضعف سوق رأس المال المحلي، ما يحدّ من تأسيس شركات مساهمة.
كما إن غياب الحوافز الضريبية والتمويلية للشركات الكبرى يساهم في هذا التوجه، ويؤثر على قدرة الاقتصاد السوري على تنفيذ مشاريع استراتيجية واسعة النطاق.

توسع قاعدة الشركات المساهمة يفتح المجال أمام تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى ويُعزز من قدرة الاقتصاد السوري على استيعاب الاستثمارات

تعزيز النشاط التجاري

وحول دور شركات الأشخاص في تعزيز النشاط التجاري، بيّن الخبير المصرفي أن شركات التضامن والتوصية تلعب دوراً مهماً في تعزيز النشاط التجاري، خاصة في المدن الصغيرة والريف، حيث تعتمد على الثقة بين الشركاء المحليين وتوفر فرص عمل مباشرة، هذه الشركات تسهم في تنشيط الأسواق المحلية وتوسيع قاعدة الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
وفي السياق، يستعرض قوشجي التحدّيات التي تواجه الشركات الجديدة والناشئة في سوريا، وهي تحدّيات متعددة تبدأ من تعقيد الإجراءات الإدارية والبيروقراطية، مروراً بضعف البنية التحتية مثل الكهرباء والإنترنت والنقل، وصولاً إلى تقلبات سعر الصرف وغياب الاستقرار المالي، كما تعاني من نقص التمويل والدعم الفني، وضعف الحماية القانونية للمستثمرين، ما يهدد استمراريتها ونموها.

السياسات المقترحة

يقترح قوشجي جملة من السياسات والإجراءات التي يُمكن للحكومة اتخاذها لتحسين بيئة الأعمال، منها:
– تبسيط إجراءات التسجيل والترخيص.
– تقديم حوافز ضريبية للشركات المساهمة.
– إنشاء صناديق دعم وتمويل للمشاريع الناشئة.
– تطوير البنية التحتية الرقمية واللوجستية.
– تعزيز الشفافية القانونية لحماية حقوق المستثمرين.

التنمية المستدامة وإعادة الإعمار

تلعب الشركات المساهمة، سواء القائمة أو الناشئة، دوراً محورياً في دفع عجلة التنمية المستدامة وإعادة إعمار سوريا، ليس فقط من خلال خلق فرص العمل وإعادة تأهيل القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، كما يرى قوشجي، بل أيضاً عبر نقل التكنولوجيا والمعرفة وتعزيز الصادرات لتحقيق التوازن التجاري.
هذه الشركات تمثل ركيزة أساسية في بناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة، خاصة إذا ما تم تمكينها وتوفير بيئة تشريعية ومالية داعمة، إلى جانب ذلك، تبرز الشركات كأداة فعّالة في تجميع المدخرات الصغيرة وتحويلها إلى استثمارات منتجة، ما يتيح للمواطنين المشاركة في النشاط الاقتصادي من خلال ملكية مجتمعية حقيقية.
.. وهذا النموذج لا يُعزز فقط العدالة الاقتصادية، بل يرسّخ أيضاً ثقافة الشفافية والمساءلة، خصوصاً عندما تُدرج هذه الشركات في سوق دمشق للأوراق المالية وتخضع لمعايير الإفصاح والحوكمة.
إن توسع قاعدة الشركات المساهمة، يفتح المجال أمام تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى، وفقاً للخبير الاقتصادي، ويُعزز من قدرة الاقتصاد السوري على استيعاب الاستثمارات المحلية والخارجية، ويخلق شبكة مترابطة من المصالح الاقتصادية التي تساهم في الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
من هنا، فإن دعم هذا التوجه عبر سياسات حكومية واضحة، وتسهيلات إجرائية، وحوافز ضريبية، سيكون له أثر بالغ في تسريع عملية التعافي الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.

Leave a Comment
آخر الأخبار