الحرية – نهى علي :
ارتفعت حركة التبادل السلعي بين الأردن و سورية، وتضمنت المعطيات المتداولة أرقاماً تبشّر ببداية ارتفاع للصادرات السورية باتجاه الأردن، فيما يتوقع متابعون متوالية ارتفاعات قادمة على قاعدة معاودة الانطلاق التدريجي للبنية الإنتاجية في سورية، حتى ولو أن مؤشّر ارتفاع نسبة الصادرات إلى الأردن اقتصر على 11 بالمئة خلال 4 أشهر، إلا أنه يعد بأرقام أفضل من وجهة نظر الخبراء والمتابعين .
لكن وعلى المقلب الآخر، سجّلت الصادرات الأردنية إلى سوريا نمواً استثنائياً بنسبة 454% خلال أول أربعة أشهر من عام 2025، لتصل إلى 72 مليون دينار أردني، مقارنة بـ13 مليوناً في الفترة نفسها من 2024 وهذه نسبة كبيرة بالفعل ولا مجال للمقارنة حالياً والبحث عن معادلة التوازن في الميزان التجاري بين البلدين، لأن المقارنة غير متكافئة على اعتبار أن الأردن بلد مستقر اقتصادياً، فيما الاقتصاد السوري في بداية مسار التعافي .
وربما يكون الفرق عائداً إلى واردات الإسمنت الأردني إلى سورية، فقد سجّل معبر جابر – نصيب دخول أكثر من 6158 شاحنة إلى سورية.
أمام المعطيات أعلاه يبقى السؤال، إلى أي حد تبدو هذه الأرقام حقيقة، و هل من الممكن أن تبشر بازدياد تدفق الصادرات السورية فعلاً باتجاه الأردن، وخصوصاً بعد تخفيض الجانب الأردني الرسم على الشاحنات السورية من 5 بالمئة إلى 2 بالمئة،هل يمكن أن نتفاءل بالفعل بعلاقة توازن وتكافؤ في الميزان التجاري بين البلدين..؟
ظلال التبعات السابقة
يجد الخبير الاقتصادي د. عامر خربوطلي، أنه من الطبيعي ارتفاع حركة التبادل التجاري مع الأردن بعد التحرير مباشرة، و خصوصاً أن أنظمة التجارة الخارجية في سوريا كانت مقننة جداً من ناحية الاستيراد، حيث تطول قائمة السلع الممنوع استيرادها ومنها أغلب السلع الأردنية، وبالمقابل كان الأردن يُعامل السلع السورية بالمثل ويمنع دخولها، رغم استمرار العمل باتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بين الدول العربية، التي تنص على السماح بدخول البضائع استيراداً و تصديراً بين الدول العربية، و تصفير الجمارك.
د. خربوطلي: كان الأردن يُعامل السلع السورية بالمثل ويمنع دخولها رغم استمرار العمل باتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى
ويبين د. خربوطلي في تصريحه لصحيفتنا “الحرية” أن أنظمة التجارة كانت مقيدة، ولكن اليوم بعد أن تبنت سورية نموذج الاقتصاد الحر التنافسي، والسماح باستيراد أغلب السلع تقريباً باستثناء بعض المواد البسيطة، من الطبيعي أن نلاحظ تباينات كبيرة مع الأرقام السابقة.
تفسير
يفسّر خربوطلي الأرقام التي أوردناها بخصوص تباينات التبادل السلعي مع الأردن، فهو يرى أن الأردن جار يتمتع بقاعدة إنتاجية جيدة، وأغلب المنتجات التي تم تصديرها إلى سورية في المرحلة الأولى هي خضار وفواكه باكورية من الغور الأردني مطلوبة في السوق السورية. بالإضافة إلى منتجات صناعية أخرى من ضمنها الإسمنت وسلع أخرى عديدة منتجة في الأردن بماركات عالمية، منها المياه والمنظفات.
ومما ساعد في سلاسة وصول المنتجات الأردنية إلى سورية كان انخفاض أجور الشحن وعدم وجود رسوم جمركية، ويعتبر د. خربوطلي أن الأردن مؤهل أكثر من دول الجوار لتصدير السلع إلى سوريا.
تفاؤل
بشيء من التفاؤل يرى الخبير خربوطلي أن السلع السورية اليوم بدأت تأخذ مكانها في السوق الأردنية، بعد أن تم العمل بمبدأ المعاملة بالمثل، متوقعاً تزايد تدفق السلع السورية باتجاه السوق الأردنيّة باعتبارها مرغوبة هناك، و تحديداً الألبسة والأقمشة والمواد الغذائية، في الوقت الذي نحتاج كسوق سورية للمنتجات الأردنية من مواد كيماوية و بلاستيكية وبعض المنتجات الزراعية غير المتوفرة في أوقات معينة في السوق السورية.
د. خربوطلي: بدأت السلع السورية تأخذ مكانها في السوق الأردنية بعد أن تم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل.. وأتوقّع تزايد تدفق السلع السورية باتجاه السوق الأردنية باعتبارها مرغوبة
كما نحتاج للوصول إلى تحقيق التبادل التجاري المتوازن لمصلحة البلدين، بالرغم من أن الميزان التجاري حالياً راجح لصالح الأردن، ولكن مع مرور الوقت يتعادل بعد دخول وانسياب المنتجات السورية بسلاسة للسوق الأردنية، بعد أن أُتخمت السوق السورية بالمنتجات الأردنية سيؤدي إلى ضبطها أكثر والوصول إلى إعادة توازن في التبادل التجاري بين البلدين الجارين .
سوق مفتوح كليّاً
وفي سياق التفسير والقراءة الهادئة للمشهد التجاري بين سوريا والأردن، يرى عبد الرزاق حبزة أمين سرّ جمعيّة حماية المستهلك ، أنه و بعد سقوط النظام البائد، فُتحت الحدود السورية مع الدول المجاورة وخصوصاً الأردنية والتركية، وبالتالي جرى دخول عشوائي للسلع إلى الأسواق السورية.
حبزة: ازداد تدفق الصادرات الأردنية إلى السوق السورية خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد التحرير بسبب عدم وجود جمارك
ويعزو حبزة في حديثه لـ ” الحرية” نشاط الصادرات الأردنية إلى السوق السورية خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد التحرير لعدم وجود جمارك، وبالتالي أغلب المواد والسلع التي دخلت السوق السورية كانت تهريبـاً، وذلك على حساب المنتج السوري وخصوصاً الخضار، لأننا لم نكن قادرين على تصديرها آنداك، إضافة إلى الكلف العالية لإنتاجها لذلك كان الميزان التجاري وحركة الصادرات و المستوردات لصالح دول الجوار لبنان والأردن وتركيا على حساب سورية، وأصبحت السوق السورية مفتوحة أمام الجميع.
رغبة استهلاكية
وفي المقابل يلفت حبزة إلى أن المستهلك السوري كان تواقًا لسلع غذائية و ألبسة و كهربائيات وسيارات، إضافة إلى الإسمنت الذي تحتاجه السوق لأن الإنتاج المحلي لا يسد الحاجة، لذلك دخل الإسمنت والحديد المستورد من الأردن بالرغم من ارتفاع سعره، لكن الإقبال عليه كان كبيراً بسبب عودة اللاجئين وإعادة ترميم منازلهم .
حبزة: المستهلك السوري كان تواقاً لسلع غذائية و ألبسة و كهربائيات وسيارات.. إضافة إلى الإسمنت الذي تحتاجه السوق
ويشير إلى أن الخضار الباكورية الأردنية لاقت رواجاً و استحساناً لدى المستهلك المحلّي.
إلا أنه خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة – الكلام لحبزة – كان هناك شيء من الضبط بالاتفاق مع الجانب الأردني وتخفيف الرسوم على الشاحنات السورية الداخلة إلى الأردن من 5 بالمئة إلى 2 ولكن ذلك لا يكفي لدعم تصدير الإنتاج السوري وموازنة حركة التبادل التجاري مع الجوار باعتبار كلف الإنتاج لدينا مازالت مرتفعة من مستلزمات الإنتاج المختلفة واليد العاملة وغيرها.
لذلك مازلنا غير قادرين على منافسة المنتجات الأخرى المماثلة التي تصل أسواقنا بأسعار أقل من منتجاتنا.
نصائح لتعديل كفتي الميزان
ودعا حبزة إلى ضرورة ضبط الحدود والاستيراد لحماية الإنتاج المحلي من خلال دعم المنتجين الزراعيين و الصناعيين ووضع ضوابط واضحة لدخول المواد و السلع المستوردة بمختلف أنواعها وهذا لمسناه مؤخراص في الأسواق بعد أن أصبح سعر الإسمنت في سوريا أقل من الأردني .
وشدد حبزة على أهمية دعم الصادرات من خلال تفعيل صندوق دعم الصادرات الذي تعمل به دول الجوار وخصوصاً تركيا، منوهاً بضرورة تحديث أسطول النقل ليدعم تصدير المنتجات، وأهمية تفعيل اتفاقيات التبادل التجاري مع الدول العربية والمعاملة بالمثل كي لا نبقى الطرف الخاسر في عمليات التبادل التجاري.
تفاهمات
يذكر أن غرفة صناعة دمشق وريفها عقدت اجتماعاً يهدف لدراسة فرص التصدير إلى الأردن بناءً على القرار رقم 367 الصادر عن الغرفة بتشكيل لجنة لدراسة ووضع الحلول بالتشارك مع غرفة صناعة عمان للسماح بتصدير المنتجات السورية إلى الأردن.
حبزة: ضرورة ضبط الحدود والاستيراد لحماية الإنتاج المحلي ودعم المنتجين الزراعيين و الصناعيين ووضع ضوابط واضحة لدخول المواد و السلع المستوردة
و تم خلال الاجتماع استعراض أرقام المستوردات والصادرات بين سورية والأردن للعام 2024 إضافة لاستعراض إحصائيات حول أبرز المواد المصدرة إلى الأردن خلال شهري نيسان و أيار 2025، و أشار المشاركون إلى وجود آلية في الأردن تمنح استثناءات لاستيراد بعض المواد المحظورة.
وتم التوافق على مخاطبة غرفة صناعة الأردن للمطالبة بالسماح باستيراد كل المنتجات السورية وفق مبدأ المعاملة بالمثل (حسب استيراد المنتجات الأردنية لسوريا) وفقاً لجدول التعرفة السورية المعتمد، مع استثناء المنتجات النسيجية والأحذية من مبدأ المعاملة بالمثل، وأن يتم معاملتها كالمستوردات إلى الأردن من الصين.