تجارب سابقة عنوانها فشل إداري وإجرائي.. دمج الوزارات الاقتصادية في ميزان خبراء

مدة القراءة 11 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى – مركزان الخليل:
دمج المؤسسات الاقتصادية والخدمية وغيرها من تجارب هي بمثابة “حل ” لمشكلات ومعوقات كانت تحصل، ومازالت، في الجسم الاقتصادي ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على المستوى الخارجي أيضاً، وهذا الحل ليس بالضرورة أن يحمل الصوابية المطلوبة والنتائج المرجوة، وذلك لاختلاف طبيعة النظام الاقتصادي وغيره من اعتبارات قائمة مرتبطة بهوية المدموج والبيئة الاجتماعية والاقتصادية التي تحتويه، إلى جانب إمكانية تغيير وتعديل الفائدة، وفق الظروف التي فرضتها عملية الدمج..

تيزيني : عمل الوزارات كان تنافسياً لا تكاملياً يحكمه مزاجية الوزير وبعض مصالح الوزارة

بدليل أننا عشنا العديد من تجارب الدمج خلال العقود الماضية، وخاصة في زمن الحكومات البائدة، التي فرضت حالة كبيرة وواسعة” من الكم الهائل من الفشل” في عمليات الدمج التي قامت بها حيث ضاعت الخبرات والكفاءات، ورؤوس أموال، وقيم عقارية، تقدر في أيامنا هذه بمئات المليارات من الليرات، وللأسف الشديد لم تسجل أي عملية دمج نجاحاً واحداً يمكن الاعتماد عليه في وضع أسباب، أو طريقة معقولة لاستثمار الدمج، وفق القواعد الاقتصادية والخدمية المطلوبة..!

تيزيني : دمج الوزارات أغلق باب  الفساد والرشوة بين الفعاليات والموظفين في مفاصل العمل الرئيسية

لذلك معظم عمليات دمج الوزارات والمؤسسات السابقة كان مصيرها الفشل، وإن حصدنا بعض النتائج الإيجابية، فهي محصورة بطبيعة الظروف المحيطة، وليست تبعاً لآلية التنفيذ التي تترجم جدوى الفائدة من المدموج..!
واليوم الحكومة اعتمدت أسلوب دمج المؤسسات الاقتصادية والخدمية وغيرها، وحتى الوزارات نذكر منها على سبيل المثال ” الصناعة – والاقتصاد – والتجارة الداخلية” ضمن هيكلية جديدة للحكومة وأدواتها التنفيذية، للحفاظ على منهجية ثابتة وقوية للحالة الاقتصادية العامة وتطويرها، بما يتوافق مع رؤيتها لقيادة دفة الاقتصاد الوطني، في ظل ظروف صعبة من الناحية الإجرائية وحتى القانونية، من دون أن ننسى صعوبات الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تعرقل خطوات الحكومة التنفيذية في كثير من المجالات..
تنافسي لا تكاملي..!
وهنا يرى الصناعي عصام تيزيني خلال تصريحه لـ”الحرية” أن  فكرة دمج الوزارات الثلاث “الصناعة – وحماية المستهلك ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية” فكرة سديدة وأكثر من ضرورية، خاصة أن الاقتصاد السوري أكثر ما يعانيه هو سوء الإدارة، وعدم انسجام وتفاعل الوزراء القائمين على هذه الإدارة، فكل منهم كان يبحث عن مصالح وزارته فقط، بالشكل الذي يراه، فكان العمل بين الوزراء وكأنه “تنافسي لا تكاملي”  فكثيراً ما كانت وزارة الصناعة، مثلا تصدر قراراً يتعارض مع قرار آخر تصدره وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ما يؤدي وبشكل غير مقصود إلى إبطال فاعلية  القرارين، وتقاذف المسؤوليات ووجود حالة من التخبط في أدوات العمل الإجرائي منها والتنفيذي..!
لذلك باعتقادي جاءت عملية الدمج في الحكومة الحاليه لتصحح مسار العمل والإدارة، وحصر المسؤولية، وتوحيد الجهود، وهذا أهم إجراء يحتاجه العمل الناجح، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الدمج تحت إدارة وزير واحد، لا يعني أن لا يكون هناك متخصصون بمرتبة وزير في كل من هذه الوزارات الثلاث يدير وينسق مع زميله الآخر، بما يتناسب مع مصالح الأطراف الثلاثة “تاجر وصناعي ومستهلك” وهذا أهم مكون لشروط نجاح العمل بحيث لا يصدر القرار، إلا بعد تفاعل وتشاور بين المتخصصين الثلاثة، وخصوصاً أن مهمة هذه الوزارة هي تسهيل وتنظيم العمل الصناعي والتجاري، والإشراف عليهما في وقت واحد، وذلك بقصد تبسيط آلية العمل، وتحقيق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية التي يسعى الجميع لتحقيقها ضمن رؤية الحكومة الشمولية للاقتصاد الوطني ..
وأيضاً يرى “تيزيني” أن عملية الدمج هذه، قد أغلقت الباب جيداً على الفساد الذي كان يسيطر على عمل الوزارات، وضيقت كثيراً على الفاسدين، من تجار وصناعيين من جهة، وموظفين حكوميين من جهة أخرى، فكلما تقلصت الجهات التي يتعامل معها الصناعي أو التاجر، كلما ضاقت فرص الفساد وكلما أيضاً تراجعت فرص الخطأ، سواء المقصود وغير المقصود في العمل.

نحلاوي : خطوة تحمل إيجابية كبيرة باتجاه توحيد قنوات العمل وتبسيط الإجراءات القانونية والإجرائية والتي تكفل سرعة الأداء والتنفيذ

توحيد لآليات العمل

وفي السياق نفسه نائب رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها لؤي نحلاوي، يرى في عملية الدمج، خطوة جديدة لتجميع آلية عمل متشابهة في الوزارات المذكورة، ووضعها في آلية واحدة تصدر عنها كل القرارات، والتوجيهات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي..
وأضاف نحلاوي أنه هناك أصوات مختلفة حول الدمج البعض منها يراها عين الصواب، والبعض الآخر يراها سيئة لا تتناسب مع الواقع الفعلي لعمل الوزارات..
لكن برأيه الشخصي هي خطوة تحمل إيجابية كبيرة، باتجاه توحيد قنوات العمل وتبسيط الإجراءات القانونية والإجرائية، والتي تكفل سرعة الأداء والتنفيذ على مستوى الإدارة والإنتاج..
مضيفاً: علماً أننا كنا في الماضي نسعى لإقناع ثلاث وزارات بموضوع يتعلق بالصناعيين  والتجار، واليوم أصبح هناك جهة واحدة ترعى مصالح الجميع، وترسم سياسة موحدة تجمع عمل ثلاثة مكونات اقتصادية غاية في الأهمية..

النحاس: دمج الصناعة والاقتصاد ليس واقعياً ويحتاج إعادة نظر لاختلاف طبيعة العمل  ومحاولة كل طرف “شد اللحاف” باتجاهه ..!

تهيئة الأسباب
رجل الأعمال “مصان النحاس” قال: إن عملية دمج الوزارات المذكورة ضمن هيكلية واحدة، حالة جيدة إلى حد ما، وذلك ضمن رؤية موحدة، وآلية تنفيذ واحدة، لجمع المسؤوليات وصوابية اتخاذ القرارات المناسبة، وخاصة أنه هناك تجربة سابقة تم فيها دمج”وزارتي الاقتصاد والتجارة الداخلية” وفصلهما بعد فترة لعدم الترجمة الجيدة على أرض الواقع، وحتى عدم نضوج فكرة الدمج وتهيئة أسباب نجاحها..
واليوم برأيي الشخصي “والكلام للنحاس” أن الخطوة اليوم تأتي ضمن صوابية قرار الحكومة، وهي جيدة وفقاً للرؤية التي وضعتها الحكومة، وانعكاسها الإيجابي على مفردات العمل الاقتصادي والتجاري”تصدير واستيراد” وتسهيل تنفيذ الإجراءات والقرارات، التي من شأنها تشجيع العمل، وإنهاء حالة الخلل في الوقت ومشكلات التأخير وغيرها ..
لكن دمج وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية مع وزارة الصناعة لا أجد فيها الصواب  المطلوب، ولا صحة القرار، لأن آلية ومكون العمل الصناعي يختلف إلى حد كبير عن العمل في وزارة الاقتصاد، فالصناعة تحرص على إنتاجية مدعومة لعملية الإنتاج الوطني، والتي تسعى فيها وزارة الصناعة لتوفير بيئة عمل منافسة، ومناسبة لإنتاج سلعة وطنية، تتمتع بجودة عالية، وأسعار مناسبة تغزي فيها السوق المحلية وتؤمن حاجتها، في حين وزارة الاقتصاد تسعى إلى توفير بيئة استيراد وتصدير نشطة ولو كانت على حساب المنتج المحلي، على اعتبار أن كل وزارة تحاول حماية مكوناتها، وأسباب بقائها، بدليل ملاحظة قائمة منذ عقود، دائماً غرف الصناعة على خلاف مع غرف التجارة، من حيث القرارات وإصدارها وملاءمتها مع السوق المحلية، وخاصة فيما يتعلق بالمنتجات وتصريفها وآثار السلع المستوردة المماثلة عليها، أي إن غرف الصناعة تشجع المنتج المحلي وترفض المستوردات والعكس صحيح بالنسبة لغرف التجارة، وهنا ينطبق عليهما المثل القائل” كل طرف يشد اللحاف باتجاهه” ..!

موروث ثقيل
لذلك نجد هنا ضرورة الفصل فيما بين الوزارتين، وضبط آلية العمل بين الطرفين، والبت في القرارات التي تخدم الوزارتين من قبل الحكومة، انطلاقاً من المصلحة الوطنية.
وأكد ” النحاس” أن تجربة اليوم نأمل أن ترى النجاح المطلوب، وخاصة في ظل وزير اقتصادي له باع طويل وخبرة في هذا المجال، ويحقق نوعاً من التكاملية في عمل الوزارات المدموجة، وخاصة أنها اليوم تحت رقابة الجميع، من مواطنين وفعاليات اقتصادية واجتماعية وغيرها، لعلها تحمل الكثير من الإيجابية التي يسعى الجميع لتحقيقها، وخاصة أن الموروث ثقيل من الحكومات البائدة “موارد مالية ضعيفة- قطاع عام وخاص منهكين”  – إدارات فاسدة،  وتحتاج لحلول ترضي كافة أبناء المجتمع، والأمل كبير في رؤية عملية دمج تحقق المنفعة المطلوبة في كل المجالات الاقتصادية والخدمية والاجتماعية وغيرها …!

د. علي: الدمج فرصة أمام الحكومة لتحقيق الانتقال من منظومات اقتصادية غير فعالة الى منظومات قادرة على تحقيق الاستقرار المطلوب..

مقومات النجاح متوافرة
وبالتالي إمكانية النجاح موجودة في حال طبقت معايير تنفيذية تتفق مع الآلية المشتركة للعمل الإنتاجي والتسويقي، ومفردات العائد الاقتصادي المأمول من عملية الدمج، وهنا يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور عمار علي، وجود تجارب أخرى في مجال الدمج في قطاعات الاقتصاد والصناعة وحتى الزراعة وقطاع الخدمات، البعض منها فشل ولم يحقق أدنى النتائج المرجوة، والبعض منها مازال قائماً، ولكن من حيث المبدأ في حال توافر الصلاحيات، والتعاون والتنسيق اللازم في الهيكل الحكومي، لاسيما في إعادة هيكلة الاقتصاد السوري بشكل مرحلي، قد يكون الخيار الأفضل، ولاسيما أن الصناعة مكون أساسي ورئيسي لوجود اقتصاد قوي ومستقر.
وعملية الدمج اليوم تشير إلى أن الدولة تسير باتجاه هياكل حكومية رشيقة، وغير ضخمة، وبالتالي الأغلب أنها تتجه من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد، بالانسحاب من الدور التشغيلي إلى دور إشرافي ناظم يفترض أن يوفر البيئة والمناخ المناسب لتحفيز النشاطات الصناعية، وبالتالي تنمية الاقتصاد بشكل يوفر كل أسباب القوة والاستقرار المطلوب لهذه المرحلة والمراحل اللاحقة أيضاً..

عمل تدريجي
وأوضح “علي” أن الانتقال من مرحلة الاقتصاد الاجتماعي المنغلق نسبياً، والذي كان القطاع العام عموده الفقري، وحيث مفهوم المنافسة هامشي نسبياً، إلى اقتصاد أكثر انفتاحاً، يتطلب عملاً تدريجياً، بما يضمن الحفاظ على النشاطات الصناعية المتبقية، والحفاظ على اليد العاملة ما أمكن، إلى حين إعداد سلة من السياسات الصناعية والاقتصادية، ترسم عملية الانتقال والتدريس وفق رؤية واضحة المعالم، تعتمد على تحليل المنظومات الصناعية والإمكانيات المحلية، وسبل تنشيط الإبداع بالمفهوم الاقتصادي ومنظومات العمل الصناعي الخ..
لذلك يمكن أن تكون عملية الدمج هي بمثابة فرصة أمام المجموعة الحكومية لتحقيق الانتقال، من منظومات اقتصادية وصناعية غير فعالة، إلى منظومات فعالة قادرة على أن تقوم بالدور المنوط بها، لتحقيق تنمية اقتصادية مستقرة، في حال توافر رؤية مبنية على تحليل واقعي، يترافق مع سلة من السياسات العامة لتهيئة المناخ للانتقال السلس إلى الحالة الفعالة اقتصادياً..

Leave a Comment
آخر الأخبار