سوريا بعد إلغاء قانون قيصر.. تحالفات جديدة تكسر العزلة وتعيد رسم التوازنات

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية ـ إلهام عثمان:

تشهد الساحة السورية اليوم تحولاً استراتيجياً لافتاً قد يعيد تشكيل ميزان القوى الإقليمي والدولي، فبعد عقود من العلاقات المتوترة والخطاب المناوئ للغرب، يبدو أن دمشق تتجه نحو إعادة تعريف سياستها الخارجية، لا سيما تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا السياق، يبرز رأي الباحثة الاجتماعية ومديرة المعهد المتوسط للاقتصاد الأسري، م. رنا رنجبال في حوار خاص مع صحيفة «الحرية»، التي ترى أن التحول الراهن ليس مجرد تبدّل سياسي عابر، بل منعطف تاريخي يعكس رغبة دمشق في كسر العزلة والبحث عن التعافي، مؤكدة أن «سوريا اليوم ليست سوريا الأمس، فهي تعيد رسم خارطتها السياسية بالاندماج مع المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك تسعى جاهدة لتطبيع علاقاتها مع أمريكا للولوج إلى المجتمع الدولي، وهذا ما يعكسه المشهد السوري».

شريك فاعل

وتوضح رنجبال أن التحالف مع واشنطن يمثل ضرورة ملحة للخروج من تداعيات الحرب الطويلة، مشيرة إلى أن «سوريا بتحالفها مع أمريكا تسعى للخروج من العزلة الدولية بأسرع وقت، والتقليل من فاتورة الحرب، والتحول من موقع المتهم بالإرهاب إلى شريك فاعل في مكافحته، وبالتالي الانتقال بالبلاد إلى طور التعافي والتنمية وإعادة الاستقرار وإزالة التهديدات التي ساهمت في تدمير البلاد».
من جهة أخرى، ترى الإدارة الأمريكية في هذا التحول فرصة استراتيجية تخدم مصالحها، إذ تعتبر حكومة ترامب أن هذا التوجه السوري فرصة مناسبة لخلق توازنات جديدة في الشرق الأوسط، خاصة بعد عقود من انخراط دمشق في المحور الإيراني الروسي، وأن أمريكا ستحقق شراكات سياسية وأمنية جديدة تسهم في إعادة تعريف العلاقات السورية – الإسرائيلية، بما يقلل من الاحتكاك ويهدئ الجبهات.

إعادة تموضع إقليمي

كما تشير رنجبال إلى أن «التحالفات الجديدة بدأت منذ مطلع 2025، وما نشهده اليوم يمثل مرحلة استراتيجية في تفكيك تحالفات سابقة.
وتؤكد رنجبال أن هذا التوجه الجديد يمثل إعلاناً صريحاً عن تغيير الدور السوري، فـ«سوريا تعلن من خلال تحالفاتها الجديدة أنها لن تكون أداة لحروب الوكالة في المنطقة، بل سيكون لها الدور الأكبر في تعزيز الاستقرار وإعادة تموضعها الإقليمي، وبالتالي الانتقال من وضعية الارتهان السياسي للمحاور السابقة إلى وضعية إعادة بناء العمق العربي أولاً والدولي ثانياً، مع التأكيد على النأي عن الصراعات الدائرة بالمنطقة وتحسين سياسة الجوار والبحث عن مصادر قوة جديدة مثل رأس المال وقنوات الاستثمار وإعادة تأهيل البنى التحتية والعودة التدريجية للأسواق العالمية، وأيضاً تحرير القرار السياسي السوري من الهيمنة التي فرضتها سنوات الحرب الطويلة».

المتغيرات الإيديولوجية

أما على الصعيد الداخلي، وكيفية تسويق هذا التغيير لشعب اعتاد على خطاب مناوئ للغرب لعقود، فترى رنجبال أن سنوات الحرب الطويلة أحدثت تحولاً إيديولوجياً عميقاً، إذ تقول: إن «الشعب السوري وبعد سنوات الحرب الطويلة وما خلفته من دمار وأزمات إنسانية ضخمة ونزوح وتشريد الملايين ومئات آلاف القتلى وتدمير البنى التحتية وتفكيك مؤسسات الدولة، تعرض لمتغيرات إيديولوجية مختلفة، وأصبح يتطلع إلى حلول واقعية قادرة على تغيير الواقع الراهن ومواجهة التحديات التي تقوض أحلام السوريين، وهذا لن يحصل بدون الاندماج مع المجتمع الدولي بقيادة أمريكا».
وتضيف إن السياسة الخارجية جزء من مشروع إعادة بناء الداخل، وأن هذا الانفتاح لم يكن خطوة تكتيكية بل منعطف استراتيجي لإعادة سوريا إلى مسارها الطبيعي عربياً ودولياً، وفتح المجال لتأسيس سياسة خارجية أكثر استقلالية بعيداً عن ثقل التحالفات القديمة، وتشير إلى أن هذا التوجه يجد قبولاً واسعاً بين السوريين الذين يرون أن مثل هذه التحالفات الجديدة كفيلة بكسر العزلة والعودة إلى المنظومة الدولية بشروط جديدة، لتكون الحل الأمثل في مواجهة التحديات القادمة.

تغيير استراتيجي

وعن مؤشرات الاستدامة والالتزام بالتفاهمات الدولية مع شركاء جدد، تلفت رنجبال إلى أن هذا التحول ليس مجرد مناورة تكتيكية، بل تغيير استراتيجي حقيقي ومستدام، موضحةً أن «سوريا اليوم ليست في وضع داخلي أو خارجي يسمح لها بنقض التحالفات الجديدة أو الالتفاف حولها، فالبلاد تمر بمرحلة انتقالية معقدة ترافقها تقلبات أمنية وتحديات مختلفة، وهناك أطراف من التحالفات القديمة ما زالت تسهم في زعزعة سوريا من خلال عدم استقرار بعض المناطق، وبالتالي هي بحاجة إلى شركاء جدد أصحاب نفوذ في المنطقة، والتزام دمشق بالتفاهمات الدولية سيشكل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار المستدام لسوريا».

تحت المظلة الأمريكية

وتختم رنجبال بالتأكيد على أهمية الانضمام إلى التحالف الدولي كدليل عملي، مشيرة إلى أن «انضمام سوريا إلى التحالف الدولي وبحسب التصريحات الأمريكية الأخيرة يمثل تحولاً كبيراً ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة بأسرها، وهو ما يعكس حجم الرهانات السياسية والدبلوماسية المرتبطة بهذه الخطوة وما يترتب عليها من تفاهمات أمنية بين سوريا وإسرائيل والعودة إلى قرار مجلس الأمن 1973، إدارة الصراع السوري – الإسرائيلي بهذه الصيغة توفر هدوءاً نسبياً على الحدود تحت المظلة الأمريكية، ما يمنح جميع الأطراف الوقت والمساحة لتعميق ترتيباتها الأمنية، من دون تقديم أي تنازل يمسّ سيادة الأرض السورية”.
وترى رنجبال أن هذا التحول يمثل نقطة حاسمة في تاريخ سوريا الحديث، مدفوعاً بضرورات التعافي الداخلي ومتطلبات إعادة التموضع الإقليمي والدولي، ومؤشراً على مرحلة جديدة من الاستقرار المستدام.

Leave a Comment
آخر الأخبار