الحرية – نهى علي:
فيما ينشغل جميع السوريين اليوم، بإعادة ترتيب مختلف بنى الدولة على كل الصعد والقطاعات، يرى متخصصون أن ثمة جانباً أساساً وحساساً يجب ألا يغيب عن أذهان الجميع، ولا سيما على مستوى القرار التنفيذي في البعدين التخطيطي والتنظيمي، وهو الجانب البيئي.
وينطلق هؤلاء في نظرتهم هذه من الانعكاسات الاقتصادية لآثار التدهور البيئي، وما يرتبط بها من مخاطر على الصحة العامة، وهي مخاطر ذات تكاليف باهظة، فيما لو تم حساب فاتورة معالجة النتائج، وكان من الممكن أن تكون أقل بكثير فيما لو تتم معالجة الأسباب، وفي هذه الأخيرة يظهر مفهوم التخطيط ورسم السياسات الخاصة بالشأن البيئي بكل تفرعاته.
د. التركاوي: وضع قواعد وتنظيمات لحماية البيئة من خلال التوقع والتنبؤ بالمخاطر والمشكلات البيئية التي يمكن أن تظهر مستقبلاً
ويرى أستاذ القانون في جامعة دمشق، الدكتور عمار التركاوي، أن استخدام مصطلح التخطيط عموماً شاع في عالمنا المعاصر، حيث يتم رسم الخطوط العريضة للمستقبل عن طريق تحديد الأهداف ثم وسائل تحقيق هذه الأهداف بخطوات متوافقة ومتناسقة، باستخدام الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة، وأخيراً متابعة ما تم إنجازه، لتقييم مدى النجاح أو أوجه القصور في هذا الإنجاز.
وبرأي الدكتور التركاوي في تصريحه لصحيفة “الحرية”، لم يعد التخطيط للمستقبل ترفاً يمكن الاستغناء عنه، بل أصبح وسيلة لتحقيق التقدم والنمو، وضمان حياة كريمة لأفراد المجتمع، وقد برز التخطيط البيئي كمفهوم حديث في المجتمعات المعاصرة التي أدركت أهمية البيئة في دعم التنمية الاقتصادية، حيث تم تبني هذا الأسلوب كمفهوم أو منهج لتطبيق سياسات الحكومات في تأكيد الإدارة البيئية الجيدة بتنظيم استخدام الموارد البيئية بالشكل الأمثل.
وقاية
والتخطيط البيئي- وفقاً لأستاذ القانون – هو وضع قواعد وتنظيمات لحماية البيئة من خلال التوقع والتنبؤ بالمخاطر والمشكلات البيئية التي يمكن أن تظهر مستقبلاً، عن طريق وضع الخطط اللازمة للوقاية منها والتقليل من خسائرها، مؤكداً أن هناك مجموعة من المقومات يجب توافرها حتى يحقق التخطيط البيئي أهدافه والنجاح المامول منه.
مستلزمات
يرى الدكتور التركاوي أن ثمة مستلزمات واشتراطات لنجاح الحكومة – أي حكومة- في مساعيها المندرجة في سياق التخطيط البيئي، أهمها توافر معلومات بيئية شاملة وتفصيلية، بحيث تلم بكل التفصيلات عن العنصر البيئي المراد التخطيط له وتحديد الموارد والوسائل اللازمة لتنفيذ عملية التخطيط البيئي.
هذا إلى جانب وجود إدارة بيئية فعالة، تمتلك قدرات مؤسسية ولديها خبرات في العمل البيئي ومعززة بكوادر مؤهلة بيئياً وفنياً.
رقابة
وبعد ذلك تأتي الرقابة البيئية، حيث تسهم هذه الرقابة في التأكد من تطبيق الإجراءات والالتزامات في الخطة البيئية وكذلك معرفة الانحرافات أو التجاوزات في تنفيذ الخطة ومدى إمكانية اتخاذ مسار تصحيحي يعيد الوضع إلى مساره الطبيعي، بما يحقق الأهداف المرجوة من الخطة البيئية.
شراكة ومواكبة
ولا يغفل د. التركاوي الشراكة مع المجتمع المدني، ويراها أمراً مهماً جداً لنجاح التخطيط البيئي لأن ذلك يوفر للمخططين بيانات ومعلومات قيمة تسهم في بلورة السياسات والخطط البيئية.
لنصل إلى دراسات تقويم الأثر البيئي كأداة للتخطيط البيئي، ويُقصد بالتقويم البيئي الإجراءات التي تسمح بتقدير قدرات المعطيات البيئية بما يمكن المخطط من تحديد نوع الاستخدام الأنسب ودرجة تأثير الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة على البيئة من خلال تحديد الآثار أو النتائج الإيجابية أو السلبية لمشروع الخطة. ويتطلب التقويم البيئي وجود مجموعة من الخبراء في مختلف التخصصات تعمل معاً “كفريق واحد تنسق وتقدم الدراسات البيئية التخصصية، ويخدم التقويم البيئي صانعي القرار بما يقدمه من تقويم للقدرات البيئية على اختيار أفضل الخطط ملاءمة لظروف البيئة”.
وبرأي أستاذ القانون العام في جامعة دمشق، تهدف الخطة البيئية إلى تحقيق التنمية المتوازنة، أي الاهتمام بالتنمية الحضرية والريفية بشكل متوازٍ وعدم الاهتمام بجانب على حساب جانب آخر.
ويشدد على ضرورة تشديد التدابير الردعية عن كل تأخير في تنفيذ الخطط البيئية، فالعبرة في فعالية الخطط وليس في كثرتها.
معطيات خطرة
أشارت دراسة صادرة عن مبادرة الإصلاح العربي، وهي مؤسسة فكرية، تعمل بالشراكة مع 20 مؤسسة أخرى كمورد للمعرفة الحصرية عن حكومات ومجتمعات المنطقة العربية، أشارت إلى أن سوريا تعاني من مستويات عالية من تلوث الهواء منذ عقود، ففي عام 2010 مثلاً.. تعرض نحو 69 في المئة من السكان لمستويات عالية من الجسيمات المضرة السابحة في الهواء.
ونتج هذا المستوى المرتفع من تلوث الهواء عن الانبعاثات الصناعية وانبعاثات المركبات وحرق النفايات والتلوث الموسمي.
ووفقاً لتقرير ذات المبادرة.. زادت تقديرات الوفيات الناجمة عن الأمراض المتعلقة بتلوث الهواء بنسبة 17 في المئة بين عامي 2010 و 2017، لتصل إلى إجمالي 7684 شخصاً.
وتمثل الإعاقات المتعلقة بالجسيمات معدل 1625 لكل 100 ألف شخص في سوريا.
وتؤثر معدلات الوفاة والعجز المرتفعة هذه على تكاليف الرعاية الصحية، إذ يقدر العبء الاقتصادي للمرض والوفاة المبكرة المرتبطة بتلوث الهواء في سوريا بما يتراوح بين 0.6 و 1.42 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبين عامي 2012 و 2019، خسرت سوريا 20.4 في المئة من مجموع الغطاء الشجري، وحدث جزء كبير من الخسارة في محافظتي اللاذقية وإدلب، اللتين فقدتا 10 في المئة و 27 في المئة من مساحة الغطاء الشجري على التوالي بين عامي 2011 و 2014 (و 89 في المئة من إجمالي فقدان الغطاء الشجري في سوريا).
وزارة معطلة
لدينا في سوريا وزارة اسمها وزارة الإدارة المحلية والبيئة، لم يكن لها من الشطر الثاني من اسمها نصيب، ولم تكترث طيلة سنوات توليها للملف البيئي لأي شيء ذي صلة بالبيئة، وكانت غائبة كلياً عن الرد أو التعليق على التقارير الأممية التي تقرع أجراس الخطر بخصوص التدهور البيئي في سوريا، و الانعكاسات الصحية الخطيرة له والتي باتت واضحة يمكن تلمسها في سجلات وزارة الصحة والمشافي التابعة لها.
لذلك يرى المهتمون وأصحاب الاختصاص، ومنهم الدكتور عمار التركاوي أستاذ القانون في جامعة دمشق، أنه آن الأوان لبلورة منظومة عمل تخطيطي و تنفيذي يرمم الآثار الكارثية لوقائع التدهور البيئي في سورية.