تحول زراعي غير متوقع يعيد تشكيل المشهد المحلي..  زراعة الموز تزدهر في جبلة

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – لوريس عمران: 

في تحول زراعي لافت ومفاجئ، تشهد المناطق الجبلية في ريف جبلة تحولاً جذرياً في أنماط الزراعة التقليدية، فقد بدأت زراعة الموز، التي كانت تُعد غريبة عن هذه المناطق الباردة نسبياً، تحل تدريجياً محل المحاصيل التاريخية مثل التبغ والحمضيات وحتى الزيتون، هذا التغير الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنه “مغامرة زراعية غير مضمونة”، أصبح اليوم واقعاً واعداً يعيد تعريف الهوية الزراعية والاقتصادية للمنطقة.

نجاح غير متوقع

لطالما كانت أشجار الموز مرتبطة بالمناطق الساحلية الدافئة والمنخفضة، لكن السنوات القليلة الماضية شهدت تغيراً ملحوظاً، فقد دفعت التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة بعض المزارعين إلى خوض التجربة، وكانت النتائج مذهلة: نجاح غير متوقع ومردود مادي أعلى.

يبين أبو خالد، مزارع من ريف جبلة، لصحيفتنا “الحرية”: بدأتُ بزراعة الموز قبل ثلاث سنوات كتجربة صغيرة، لم أكن أتوقع أنها ستنجح بهذا الشكل، اليوم خصصت لها نصف الأراضي الزراعية التي أملكها، والنتائج مبهرة سواء من حيث الإنتاج أو الأرباح.

ويضيف العم أبو كنان  وهو مزارع آخر في طوق جبلة: إن الموز كان يُزرع تقليدياً في مناطق ساحلية دافئة ومنخفضة، لكننا اليوم نرصد نجاحه على ارتفاعات تصل إلى 500 متر فوق سطح البحر، التربة خصبة، ودرجات الحرارة لم تعد تشكل عائقاً كما في السابق.

لاعب خفي في التحول

يشير خبراء الزراعة في المنطقة إلى أن الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة على مدار العام، بالإضافة إلى تراجع هطول الأمطار، ساهم في توفير بيئة أقرب للظروف الاستوائية الملائمة لنمو الموز، هذا التغير المناخي غير المباشر لعب دوراً حاسماً في تمكين هذا التحول الزراعي.

عوائق وتحديات لا تزال قائمة

على الرغم من النجاح الواضح، فإن التجربة لا تخلو من الصعوبات والعراقيل، يوضح الخبير الزراعي حسام العلي أن “الموز نبتة حساسة تتطلب رعاية دقيقة وكميات مياه مضبوطة، وهو ما يشكل عبئاً في ظل أزمات المياه والكهرباء المتكررة.” كما أن تكاليف إنشاء البيوت البلاستيكية، التي يلجأ إليها بعض المزارعين لتوفير بيئة مثالية، لا تزال مرتفعة نسبياً، ما يضيف تحدياً اقتصادياً آخر.

مستقبل الزراعة.. إعادة تعريف الهوية

يرى المهندس الزراعي نواف أحمد أن التوسع في زراعة الموز يعكس مرونة المزارع السوري واستجابته للمتغيرات البيئية والاقتصادية. ويطرح هذا التحول سؤالاً أكبر حول مستقبل الزراعة في المنطقة: هل ستعيد المناطق الجبلية تعريف هويتها الزراعية بالكامل؟

ويشير العديد من المراقبين إلى أن هذا التحول ليس مجرد تحول زراعي، بل هو تحول اقتصادي أيضاً، فارتفاع أسعار الموز المحلي مقارنة بالمنتجات الأخرى، واعتماده بشكل أقل على التصدير، يحفز الاستهلاك المحلي ويخفف من عبء الاستيراد، ما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي.

بينما تنحني أشجار الزيتون، التي لطالما كانت رمزاً لهذه المناطق، تحت وطأة التغيرات المناخية، ترفع أشجار الموز أغصانها الخضراء في قرى أعالي جبلة، معلنة عن فصل جديد وواعد في التاريخ الزراعي السوري.

Leave a Comment
آخر الأخبار