الحرية – لوريس عمران:
لم يكن العام الماضي عابراً في تاريخ سوريا الحديث، بل شكّل نقطة انعطاف واضحة في مسارها السياسي والدبلوماسي، فبعد سنوات طويلة من التحديات والانكماش، بدأت البلاد تخطو نحو مسار يُنظر إليه على أنه بداية لاستعادة التوازن الداخلي وإعادة ترتيب علاقاتها الخارجية، هذا التحول الذي تدرّج بصمت في بداياته، أخذ يتبلور في الأشهر الأخيرة بصورة أكثر وضوحاً، سواء في الخطاب السياسي الرسمي أو في تفاعل العواصم الإقليمية والدولية مع سوريا.
انفتاح دبلوماسي متزايد ورهانات إقليمية جديدة
ويشير مراقبون للشأن الإقليمي إلى أن التحركات الدبلوماسية المتبادلة خلال العام المنصرم، من زيارات وفود وفتح قنوات اتصال جديدة وإحياء علاقات كانت مجمّدة، تعكس تصوّراً جديداً لدى عدد من الدول بأن استقرار سوريا عنصر أساسي في استقرار المنطقة كلها، هذا الإدراك، بحسب هؤلاء، شكّل حافزاً لتسريع خطوات التقارب، وخصوصاً مع دخول البلاد مرحلة يقدَّم فيها ملف إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي بوصفه أولوية وطنية تستدعي تعاوناً خارجياً.
وضوح الخط السياسي السوري
وفي إطار قراءة هذه التحولات، يرى المستشار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية (واشنطن) المحامي إسماعيل باقر أن جزءاً من الانفتاح الدولي الأخير يرتبط بما يصفه بوضوح الخط السياسي الذي تحاول دمشق تقديمه منذ بداية مرحلة التعافي، ومن وجهة نظره، فإن القيادة السورية سعت خلال العام الماضي إلى إرسال رسائل متتابعة حول استعدادها لإعادة صياغة علاقاتها بطريقة أكثر استقراراً، وحرصها على تعزيز الثقة المتبادلة مع الأطراف الدولية التي كانت قد أبعدت نفسها سابقاً عن المشهد السوري.
تباينات إعلامية في قراءة المشهد السياسي
وبيّن باقر أن هذه التحولات، على الرغم من اتساع رقعتها، لم تكن خالية من التباينات في التناول الإعلامي، ففي الوقت الذي شهدت فيه العلاقات الخارجية تطوراً ملحوظاً، ظهرت بعض التوترات داخل المشهد الإعلامي، وخاصة خلال الأحداث التي رافقت مؤتمر الدوحة الأخير، ورأى باقر أن عدداً من الأسئلة المطروحة في المؤتمر بقي مرتبطاً بسياق سياسي مضى عليه زمن، ما فتح جدلاً حول استمرار بعض المؤسسات الإعلامية في الاستناد إلى مقاربات تقليدية لا تعكس ما يشهده الواقع من تغيّر، وقد أثار هذا الأمر نقاشاً واسعاً حول ضرورة أن تواكب المنابر الإعلامية التحولات الحاصلة، وأن تحترم متطلبات المرحلة الجديدة، سواء من حيث المهنية أو من حيث قراءة الواقع السياسي بشكل أدق.
مرحلة داخلية تتطلب عملاً هادئاً وتخطيطاً طويل الأمد
وأشار باقر إلى أنه وسط هذا المشهد المتشابك، تبدو سوريا اليوم وكأنها تقف على أعتاب مرحلة تتطلب قدراً أكبر من الهدوء السياسي والتركيز على الملفات الداخلية، وعلى رأسها التعافي الاقتصادي وإعادة بناء المؤسسات وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع. فالإرهاق الذي خلّفته السنوات الماضية لا يزال يلقي بظلاله، غير أن مؤشرات التعافي – في رأي باقر – بدأت تفتح نوافذ جديدة للأمل والنهوض.
استثمار الفرص الدولية المتاحة
ومع الاستعداد لدخول البلاد عامها الثاني من التحرير ضمن ما يصفه المحامي باقر بمرحلة «الولادة السياسية الجديدة»، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن لسوريا أن تستثمر الانفتاح الدولي المتزايد من أجل ترسيخ استقرار طويل الأمد؟ الإجابة عن هذا السؤال، على ما يبدو، تتطلب سياسات متوازنة وإدارة واعية للتحديات وتفعيل الشراكات التي تضمن استدامة التحول الجاري.
نحو مشهد سياسي يفتح أبواب المستقبل
إنّ المشهد السوري اليوم ليس مجرد سلسلة من التحولات الدبلوماسية، بل هو إعادة تشكيل تدريجية لدور دولة تسعى لاستعادة توازنها الداخلي ومكانتها في محيطها، وبين الانفتاح الدولي المتزايد والتطلعات الشعبية نحو مرحلة أكثر أمناً واستقراراً، تقف سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة مسارها السياسي والاقتصادي، غير أن نجاح هذه المرحلة يتوقف على قدرة مؤسسات الدولة والمجتمع على العمل المشترك، واستثمار التحولات الإقليمية والدولية في اتجاه يدعم البناء لا الاستنزاف، إذ يعيد إلى السوريين شعورهم بالقدرة على صناعة مستقبلهم. ومع استمرار المؤشرات الإيجابية في الظهور، تبدو البلاد مستعدة تدريجياً للتقدم نحو مرحلة تحمل ملامح جديدة من الثبات والفاعلية على الساحة الإقليمية والدولية.