تحوّل زراعي في اللاذقية.. العنب الفرنسي يزيح البلدي مدفوعاً بعوامل اقتصادية ومتطلبات الأسواق

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – لوريس عمران:

يشهد ريف اللاذقية، تحولاً زراعياً لافتاً، حيث يتجه عدد كبير من المزارعين نحو استبدال زراعة العنب البلدي بأصناف فرنسية، خصوصاً التي تتميز بإنتاج أوراق عنب ناعمة ومرغوبة لأغراض الطهي.
ويثير هذا التغيير تساؤلات حول ما إذا كان مجرد صيحة زراعية عابرة، أم أنه يعكس ديناميكيات اقتصادية عميقة وتغيرات في طلب السوق. يكشف هذا التحقيق الدوافع الكامنة وراء هذا الاتجاه من خلال مقابلات مع مزارعين، وخبراء زراعيين، ومختصين في صناعة الغذاء.

تحول مدفوع بالعامل الاقتصادي

يشرح المزارع أبو وسيم، في ريف جبلة، في حديث لصحيفتنا “الحرية”: كنا نزرع العنب البلدي لإنتاج أوراق المحشي، لكن ورقه كان قاسياً ويميل للإصفرار بسرعة، و يستدرك: بعد تجربة الصنف الفرنسي، لاحظت أن أوراقه أكثر نعومة وأنه يحقق سعراً أفضل في السوق، لا سيما مع المطاعم والمعامل المصدرة.
ويضيف أبو وسيم:  شجرة العنب الفرنسية الواحدة تنتج أوراقاً أكثر بكثير من البلدية، والطلب عليها أعلى، ما يعني مردوداً اقتصادياً أفضل و جهداً أقل، وهذا ما شجع المزارعين على تلبية متطلبات السوق بهدف مضاعفة الأرباح.
من منظور آخر، تؤكد أم باسل، المالكة لورشة صغيرة لتجهيز وجبة “المحاشي” الجاهزة في ريف اللاذقية، أن تفضيلها لأوراق العنب الفرنسي ينبع من طلب المستهلكين، إذ تبين أن الزبائن يفضلون الورق الفرنسي لأنه ناعم ورقيق، بينما الورق البلدي، على الرغم من مذاقه اللذيذ، إلا أن أوراقه الكبيرة قد تكون قاسية.
وأشارت إلى أن ورق العنب الفرنسي أسهل في اللف ويتحمل الحشو بشكل أفضل، كما أن جودته وسهولة استخدامه في اللف هما المعيار الأساسي في السوق اليوم.

تهديد للتراث الزراعي

يقدم المهندس الزراعي باسل ديبة، المتخصص في المحاصيل المتوسطية، رؤية متعمقة لهذا الصنف، إذ يوضح في حديث لصحيفتنا “الحرية” أن صنف العنب الفرنسي المستخدم حالياً هو أحد الهجن المستوردة خصيصاً لأوراقها لا لثمارها،  ويتميز  بسرعة نمو الأوراق، ومرونتها العالية، بالإضافة إلى مقاومتها النسبية للأمراض.
ورغم ذلك، يحذر ديبة من التخلي الكامل عن زراعة العنب البلدي، لأنه يتسبب بفقدان جزء أساسي من التراث الزراعي المحلي، شارحاً أن العنب البلدي يتميز بخصائص نكهة فريدة، ومن الضروري الحفاظ عليه كجزء لا يتجزأ من التنوع البيولوجي في المنطقة.

رمز للهوية الغذائية السورية الأصيلة

على الرغم من المزايا الإنتاجية والتسويقية للعنب الفرنسي، يظل هناك تيار يرى في العنب البلدي رمزاً للهوية الغذائية السورية الأصيلة، إذ تؤكد سناء خدام، المتخصصة في المأكولات التراثية أن تحضير “المحشي” بورق العنب البلدي له طعم لا يتكرر، حتى لو كان الورق الفرنسي أسهل وأسرع في الاستخدام، فإن النكهة الأصلية لا يمكن مقارنتها.
وتشدد خدام على أن هذا هو الفارق الجوهري بين الوجبة التقليدية الأصيلة والوجبة التجارية.

تلبية حاجة السوق

إن التوجه نحو زراعة العنب الفرنسي في الساحل السوري ليس وليد الصدفة، بل هو استجابة مدروسة لحسابات اقتصادية دقيقة وتلبية لطلب السوق المتزايد، سواء محلياً أو عالمياً. ومع ذلك، يستمر التمسك بالعنب البلدي كدفاع عن النكهة الأصيلة والهوية الثقافية.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل يمكن تحقيق التوازن بين النوعين؟ ربما يكمن الحل في تشجيع المزارعين على الحفاظ على جزء من محاصيلهم من العنب البلدي، مع تخصيص المساحات الأكثر ربحية لزراعة الأصناف الفرنسية، فقد يضمن هذا النهج استدامة تلبية المتطلبات الاقتصادية بالتوازي مع الحفاظ على التراث الزراعي الغني والمتنوع للمنطقة.

Leave a Comment
آخر الأخبار