الحرية – باسمة اسماعيل:
التراث أحد الركائز الأساسية لهوية الشعوب وذاكرتها الجمعية، فهو المرآة التي تعكس تاريخها، وثقافتها، وقيمها، وأساليب حياتها عبر العصور، ليس مجرد بقايا أو طقوس قديمة، بل هو الامتداد الحي للماضي في وجدان الحاضر، والمنارة التي تضيء دروب المستقبل.
رافد دائم للثقافة والانتماء
في تصريح خاص لصحيفة “الحرية”، شدد الدكتور غسان القيم، الباحث في الآثار والتراث الشعبي ومدير آثار موقع أوغاريت، على أن التراث لا يجب أن ينظر إليه كماض جامد، بل كحاضر نابض يرفد ثقافتنا ويشكل وعينا الجمعي، ويجب أن يبقى حياً في تفاصيل حياتنا اليومية.
من المدرسة تبدأ الحكاية
أكد د. القيم أهمية دمج التراث في المناهج التعليمية، وتدريسه بشكل علمي وعملي، مشيراً إلى ضرورة إدخال مفرداته وقيمه ضمن العملية التربوية، لضمان انتقاله الواعي إلى الأجيال الجديدة.
التراث اللامادي علم قائم بذاته
وأوضح أن التراث الشعبي أو “اللامادي”، تطور ليغدو علماً مستقلاً، له أدواته ومناهجه، ويحظى اليوم باعتراف دولي واسع، من أبرز مظاهره الاهتمام العالمي من منظمة اليونسكو.
ولفت إلى أن العلاقة الوثيقة بين التراث واللغة، موضحاً أن لهجة سكان اللاذقية الحالية تحتوي على أكثر من 800 كلمة ذات أصول أوغاريتية، وهو ما يعكس الجذور العميقة للغة العربية وثراءها الحضاري.
أوغاريت نموذج حضاري مبكر
استعرض د. غسان الدور الريادي لمملكة أوغاريت، التي ازدهرت بين عامي 1500 و1200 ق.م، في إرساء قيم التعددية الثقافية والتعايش المشترك، واحترام الآخر، والمساهمة في إنتاج تراث أدبي أثّر لاحقًا في الحضارات الإغريقية وغيرها.
حذر القيم من اندثار الحرف التقليدية مثل، الخياط العربي، الإسكافي، المبيض، صناعة الفخار والنحاس والزجاج، نسج الحصر والتطريز والأزياء التراثية.
ودعا إلى إقامة أسواق دائمة لهذه الحرف على غرار أسواق دمشق وحلب، لضمان بقائها حية ومنتجة.
الريف والتراث المنسي
وبيّن القيم يجب الحفاظ على البيوت الطينية، الحمامات الأثرية، القناطر، والينابيع، والعمل على توثيق الأدوات الزراعية والمهن القديمة المنتشرة في الريف، باعتبارها جزءاً من الهوية التراثية المحلية.
الزراعة التقليدي تراث حي
أوصى القيم بتشجيع زراعة النباتات ذات الطابع التراثي مثل، اليانسون، الزعتر، البابونج، حبة البركة، الزوفا، وكذلك إحياء زراعة دودة الحرير، والدخان المدخن الذي اشتهرت به محافظة اللاذقية.
مناسبات وأعياد شعبية ينبغي إحياؤها
أكد القيم على أهمية إعادة إحياء الأعياد والمناسبات الاجتماعية التراثية مثل، عيد الحريرة، عيد الزهورية، عروسة المطر، عيد قطف سنابل القمح، وذلك لما تحمله من قيم رمزية وجمالية ترتبط بالهوية السورية الأصيلة.
الأزياء الشعبية هوية بصرية فريدة
ونوه د. غسان بضرورة الحفاظ على الأزياء الشعبية، التي تعكس تاريخ وثقافة مناطق سورية متنوعة، وتعد مرآة للفلكلور، لما تحمله من رموز، ألوان، ونقوش تعبر عن هوية كل منطقة.
مسؤولية وطنية وإنسانية
وبيّن القيم أن التراث ليس مجرد ذكرى محفوظة، بل هو مشروع وطني وإنساني، يتطلب تضافر جهود المجتمع والمؤسسات، للحفاظ عليه وتفعيله في حياتنا، وضمان مروره الآمن للأجيال المقبلة.