تراث لا يزال حاضراً ويتجدد “نزالة” الجار الجديد.. طقس اجتماعي بطعم الألفة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – عمار الصبح :

لا تزال العديد من تقاليد وعادات الاحتفاء بالجار وتقديره حاضرة في ريف محافظة درعا، والتي يحرص عليها أبناء المحافظة ويقدمونها باعتبارها – أي العادات- واجباً وتكريماً للجار وأهل بيته.

ويشكل إعداد الوليمة للجار الجديد أو ما يصطلح على تسميته “النزالة”، من التقاليد المحببة لدى أبناء الريف، فما إن يحل الجار ويستقر في منزله الجديد “مالكاً أو مستأجراً”، حتى يتوافد جيرانه في الحي لتهنئته والاحتفاء به، وتجهيز الوليمة وإرسالها اليه أو دعوته للطعام مع أهل بيته.

إكرام وحفاوة

يقول محمد أبو هلال الباحث في التراث، إن هذا الموروث الاجتماعي المحبب لا يزال حاضراً وبقوة رغم تسارع عجلة الحياة المعاصرة وتغير الكثير من العادات، وهو مظهر من مظاهر الاحتفاء بالجار الجديد وإكرامه من قبل جيرانه في الحي، نزولاً عند قوله صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره”.

ويضيف: “النزالة أو”النزل” كما يطلق عليها البعض، هي عبارة عن وليمة طعام يجري تجهيزها وطهوها بعناية وإرسالها إلى بيت الجار الجديد، وتتكون غالباً إما من الأرز مع قطع اللحم أو الفروج، أو من الطبق المفضل لدى أبناء المحافظة وهو” المليحي”.

وفضلاً عن أبعادها الاجتماعية وما ترمي إليه من توثيق الأواصر الاجتماعية، فإن لهذا التراث أبعاداً أخرى، وحسب ما يؤكد أبو هلال فإن أسرة الجار الجديد قد تكون مشغولة في أول الأمر بترتيب المنزل وإعداد الأثاث وقد يستمر هذا الأمر أياماً، لذلك فقد يتعذر عليها إعداد الطعام فتصبح هذه المهمة موكلة للجيران الذين يخصص كل واحد منهم يوماً لإعداد الطعام لجاره الجديد.

ويشير إلى أن من أهداف هذه العادة، دمج الجار في مجتمعه الجديد والتعرف عليه عن قرب وتوطيد أواصر الألفة معه، والتقليل ما أمكن من الحرج من حالة العزلة التي يشكلها انتقاله إلى بيئة جديدة لم يعتدها من قبل، فتأتي ضيافته ونزالته لتزيل الحواجز بينه وبين جيرانه الجدد.

ويضيف: “كما جرت العادة، كثيراً ما يبادر الجار الجديد وبعد فترة من استقراره في منزله الجديد، إلى دعوة جيرانه إلى مأدبة طعام كنوع من رد الجميل”.

“الجود من الموجود”

يتفق الجميع على ضرورة إكرام الجار والاحتفاء بوفادته، غير أن هذا الاحتفاء يختلف من شخص لآخر باختلاف الحالة المادية.

تقول السيدة منى الريني إن إكرام الجار الجديد لا يعني أن يتكلف الإنسان فوق استطاعته، “فالجود من الموجود”، وكل حسب مقدرته المادية”، وهذا الإكرام يجوز بأشكال متعددة بشرط الابتعاد عن الإسراف والتباهي، فالهدف الأسمى هو التواصل الاجتماعي، علي حد وصفها.

وتوضح أن البعض مثلاً يعد وليمة لجاره الجديد ويدعو بقية الجيران للوليمة، والبعض الآخر يجهز مأدبة متواضعة تقتصر الدعوة فيها على الجار فقط نظراً لضيق ذات يد الداعي، وبالمقابل هناك من يقتصر في نزالته لجاره على إعداد الطعام له وحملها إلى منزله الجديد.

وتضيف السيدة: من العادات الموروثة أيضاً في هذا السياق، إعداد الوليمة لمن يتزوج له ولد وهذه تسمى “نزالة” أو “نقل”، وهناك أيضاً إرسال الطعام للمرضى المعسرين كنوع من التكافل الاجتماعي للتخفيف من الأعباء المادية المترتبة عليهم، ويدخل في هذا الإطار أيضاً إعداد الطعام لآل الميت، وليس المقصود هنا الرجال وإنما النسوة اللواتي لهن واجب الإكرام من قبل الجيران لفترة تزيد على أيام الحداد الثلاثة.

Leave a Comment
آخر الأخبار