الحرية- بادية الونوس:
مجدداً، يدور الحديث عن تراجع الثروة الحيوانية، أسبابها، والحلول التي يمكن أن ترمم النقص، لأن هذا القطاع يعد ركيزة أساسية في النظام الغذائي للمواطن السوري، ويسهم في الحد من الفقر وتوفير الأمن الغذائي، ودعم التنمية الزراعية.
أكثر من ٤٠٪
تسهم الثروة الحيوانية بأكثر من ٤٠% من إجمالي الناتج الزراعي المحلي وفق الباحث عبد الرحمن قرنقلة، وقد تتجاوز هذه النسبة عتبة الـ ٥٥% إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قيمة المساهمات غير النقدية للثروة الحيوانية (السماد البلدي- النقل والانتقال – فلاحة الاراضي….)، لافتاً إلى أن آلاف الأسر السورية تعتمد على الثروة الحيوانية كمصدر للدخل والغذاء وكمصدر ثروة وشبكة أمان عند الحاجة، وغالباً ما تكون الثروة الحيوانية هي السبيل الوحيد لتحويل الموارد الطبيعية (نباتات المراعي الطبيعية- مخلفات المحاصيل الزراعية) بشكل مستدام إلى غذاء وألياف وقوة عمل للمجتمعات الريفية والمحلية.
لها دور في تحريك الاقتصاد
عبر العقود الماضية اشتهرت سوريا بعروق وسلالات ثروتها الحيوانية المتميزة، كالأبقار الشامية (مهددة بالانقراض)، والماعز الشامي وأغنام العواس وغيرها، التي تسعى دول متعددة للحصول على أفراد منها لاستخدامها في تحسين إنتاجية سلالاتها المحلية.
قرنقلة: أسباب عديدة في مقدمتها ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وندرتها والتهريب وغياب الدعم الحكومي
وحتى عام ٢٠١١ كانت سوريا تمتلك ثروة حيوانية مهمة ومتنوعة، ساهمت بإمداد المواطنين بنسبة من احتياجاتهم للبروتين الحيواني والطاقة. كما أسهمت بدعم الاقتصاد الوطني بالقطع الأجنبي من خلال صادرات الأغنام ومنتجاتها ومنتجات الدواجن، فضلاً عن دورها الواسع في تحريك قطاعات الاقتصاد المتعددة. وساهمت الثروة الحيوانية بتوفير فرص عمل لأعداد كبيرة من العاملين في مرافق الإنتاج المباشرة أو العاملين في سلاسل القيمة لمنتجات الثروة الحيوانية ومدخلات إنتاجها.
فقدان ٥٥% من الثروة الحيوانية
مع اندلاع الحرب التي شنها النظام البائد على الشعب السوري، والتي تركزت معظم أعمالها في الريف السوري والبادية، حيث تربى الثروة الحيوانية، بدأت تتشكل حزمة من الأسباب، أدت إلى تراجع في أعداد الأبقار والأغنام والماعز، كما تدهورت بنية قطاع الدواجن وتم فقدان أعداد كبيرة من خلايا النحل.
أسباب عديدة لضياعها
ولعل تداعيات الصراع المسلح كانت من أبرز أسباب تدهور أعداد الثروة الحيوانية، وأدت إلى فقدان حوالي ٥٥% من الثروة الغنمية وحوالي ٤٠% من الثروة البقرية وما يقارب ٦٠% من طاقة قطاع الدواجن و٨٥% من خلايا النحل.
وتركزت الأسباب الرئيسة حول عدة محاور، أهمها ارتفاع قيمة مستلزمات الإنتاج وندرتها وصعوبة الحصول عليها، حيث أدى تراجع قيمة العملة المحلية تجاه سلة العملات الأجنبية التي يتم استيراد معظم مستلزمات الإنتاج بها إلى تضخم أسعار المبيع للمربين وعجزهم عن الشراء، ما دفع الكثيرين منهم إلى بيع قطيعه جزئياً أو كلياً.
أيضاً أدى غياب واضطراب الأوضاع الأمنية إلى تهريب أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية السورية إلى الأسواق المجاورة بطرق غير شرعية.
يضاف إلى الأسباب التي أدت إلى تراجع الثروة الحيوانية ذبح إناث القطعان، وهي الجذر الأساس لتنمية تلك القطعان، حيث ساهم غياب الرقابة الحكومية في ذبح أعداد مهمة من إناث الأبقار والأغنام والماعز ، ما حدّ من نسب نمو القطعان.
ولفت الخبير قرنقلة إلى تدهور إنتاجية المراعي الطبيعية وصعوبة الوصول إليها. فقد منعت حواجز النظام البائد الأمنية قطعان الأغنام والماعز من ارتياد المراعي الطبيعية. كما حالت دون تنفيذ برامج تنمية المراعي تلك.
خفض معدلات نمو القطعان
وفق رؤية الباحث قرنقلة، إن الجفاف الذي اجتاح المنطقة العربية وسوريا بشكل خاص، أسهم في ندرة الأعلاف المحلية وتراجع إنتاجية المراعي الطبيعية، ما ساهم بخفض معدلات نمو القطعان المختلفة.
غياب الدعم الحكومي
وأشار إلى عامل رئيسي، وهو غياب الدعم الحكومي، حيث أدى انحسار وانعدام الدعم الحكومي لمربي الأبقار والأغنام والدواجن إلى زيادة الأعباء على المربين، ما أفقدهم القدرة على الصمود والاستمرار بالعمل. إضافة إلى انتشار الأمراض الحيوانية وصعوبة الحصول على الأدوية واللقاحات البيطرية، وأيضاً رفع معدلات نفوق الحيوانات بشكل كبير.
إذاً ما الحلول لضمان نموها والحد من خسارتها ؟
يؤكد الباحث قرنقلة أنه لا بد من العمل على أربعة محاور مهمة ستؤدي إلى الحد من خسارة ثروة مهمة تسهم في تأمين الأمن الغذائي بنسبة كبيرة، أولها :
توفير الأعلاف
يقترح الباحث قرنقلة حلولاً عدة، منها تأمين الأعلاف، حيث تعد الأعلاف عامل التمكين الأول للثروة الحيوانية وضمان نموها وتطويرها، لذلك لا بد من السعي لتوفير الأعلاف بأسعار مقبولة للمربين، وتنمية زراعة الأعلاف الخضراء، وتطوير مصادر الأعلاف غير التقليدية.
منع تهريب الثروة
يشكل التهريب جريمة اقتصادية كبيرة تؤدي إلى نتائج كارثية، سواء على الأمن الغذائي أو على بنية الاقتصاد، لذلك يجب مكافحة تهريب الحيوانات، وتشديد العقوبات على من يقوم بهذه الأعمال، باعتبارها تهدد الأمن الغذائي للمواطنين
تنفيذ برامج لتنمية المراعي
تسهم المراعي الطبيعية في تأمين جزء من حاجة قطعان الثروة الحيوانية للأعلاف، لذلك يجب العمل على إعادة تأهيل المراعي الطبيعية المتدهورة، وزراعة مراعٍ جديدة، وتطوير أساليب إدارة المراعي.
إعادة النظر في استراتيجيات تنمية الثروة الحيوانية
إن الثقل الاقتصادي المهم للثروة الحيوانية، يجب أن يحفز أصحاب القرار على تبني استراتيجيات قطاعية لتنمية أنواع الثروة الحيوانية، وقد يكون من المناسب تأكيد اقتراح إحداث وزارة متخصصة بالثروة الحيوانية وإدارة المراعي الطبيعية، وكذلك إحداث قناة تلفزيونية إرشادية زراعية وتوسيع دور الإعلام المحلي المقروء والمسموع في تناول قضايا القطاع الزراعي والخروج عن دوره التقليدي في إعداد التقارير الصحفية أو التحقيقات إلى عقد الندوات الإعلامية الدورية ومشاركة أصحاب المصلحة فيها.