الحرية – مها سلطان:
مضى اليوم الأول من الجولة الخليجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، من دون «إعلان كبير» ومن دون ورود ما يؤكد عملياً الأخبار والتقارير التي تحدثت عن لقاء يجمعه مع الرئيس أحمد الشرع (هناك من اعتبر أن الإعلان الكبير الذي وعد به ترامب هو ما أعلنه أمس عن خفض أسعار الأدوية بنسبة تصل إلى 80 بالمئة).. مع ذلك ما زالت المسألتان كلتاهما تتسيدان المشهد العام للجولة مع زخم لا يتوقف من الأخبار والتقارير حولهما، مرفقة باحتمالية حدوث مفاجآت حيث إن ترامب لا يتقيد عموماً بالمسارات الرسمية المُعلنة، وغالباً ما يُطلق تصريحات نارية، ومواقف صادمة توسع إلى الحد الأقصى حالة الاستقطاب والجدل (والتشويق) وتدفع العالم إلى توقع كل شيء منه.
في الأثناء، نشرت صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية خبراً، لم يتم تأكيده رسمياً بعد، من قبل سوريا ولا من إدارة ترامب، بأن الرئيس الشرع سيزور السعودية غداً الأربعاء بالتزامن مع زيارة ترامب، وأن السعودية تسعى لعقد لقاء بينهما لمدة 45 دقيقة، وحسب الصحيفة الإماراتية هناك موافقة مبدئية من ترامب على اللقاء.
هناك فريق واسع من المراقبين توقع أن يكون الإعلان الكبير متعلقاً بسورية، وليس بقطاع غزة أو بحجم الصفقات المتوقع عقدها خلال الجولة، ويدللون على ذلك بتصريحاته الأخيرة مساء أمس (قبيل مغادرة واشنطن إلى السعودية) حول «بداية جديدة يريد أن يعطيها لهم» أي للقيادة السورية الجديدة، والبداية الجديدة هنا متعلقة بعملية تخفيف أو رفع العقوبات المفروضة على سوريا، قائلاً: «سنتخذ قراراً بشأن العقوبات والتي ستكون تخفيفاً، وربما رفعناها عن سوريا لأننا نريد أن نعطيهم بداية جديدة».
مسار إيجابي.. وتفاؤل
لا شك أنه كلام إيجابي بصورة كبيرة، وهو غير مسبوق حتى الآن، منذ التحرير في 8 كانون الأول الماضي، وهذه الإيجابية لا يؤثر عليها عدم تطرق ترامب إلى لقاء محتمل مع الرئيس الشرع، فحسب التقارير المتداولة مازال هناك انقسام داخل إدارته حول مدى وحجم الانفتاح على سوريا الجديدة، وعليه ربما لا يتم اللقاء (علماً أن المؤشرات الحالية بمجملها تنحو باتجاه حدوث اللقاء) وحتى في حال لم يحدث فإن ذلك لن يؤثر بصورة سلبية على مسار انفتاح بدأ ويتعزز، وإن كان اللقاء من شأنه تسريع هذا المسار بصورة أكبر وأوسع.
السوريون يترقبون خطوة ترامب التالية بعد تصريحاته حول فتح المجال أمام بداية جديدة لسوريا ويتساءلون إذا ما كانت هذه الخطوة تتعلق بلقاء ثنائي أو ضمن قمة جماعية
وكانت الخارجية السورية رحبت، في بيان مساء أمس، بتصريحات ترامب، مؤكدة أنها «خطوة مشجعة نحو إنهاء معاناة الشعب السوري» الذي « تطلع إلى رفع العقوبات بشكل كامل كجزء من خطوات تدعم السلام والازدهار في سوريا والمنطقة وتفتح المجال أمام تعاون دولي يعزز الاستقرار والتنمية».
وتمتد زيارة ترامب للسعودية، والتي بدأت أمس الثلاثاء، إلى اليوم الأربعاء، حيث تستضيف العاصمة السعودية الرياض قمة خليجية – أميركية، إلى جانب قمة أخرى تجمع ترامب مع الرئيس الشرع والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس اللبناني جوزيف عون، حسب المتوقع حتى الآن.. أي إن اللقاء بين الرئيس الشرع وترامب ليس بالضرورة أن يكون ثنائياً مباشراً، وإنما ضمن هذه القمة (الثانية). مع ذلك هذا لا ينفي إمكانية عقد اللقاء الثنائي على هامشها، مع استمرار الجهود السعودية – الإماراتية في سبيل ذلك من جهة.. ومن جهة ثانية في سبيل تيسير مسار الانفتاح الأميركي على سوريا بما يخدم جهود القيادة الجديدة لإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، خصوصاً مسألة العقوبات التي تؤثر على العلاقات العربية مع سوريا وعلى جهود عربية (ودولية) لمساعدة سوريا ومساندتها في النهوض والبناء.
(وينتقل ترامب من السعودية إلى قطر والإمارات، وقد يتوجه إلى تركيا في حال قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموافقة على لقاء رئيس أوكرانيا فلوديمير زيلينسكي في تركيا لبحث التسوية في أوكرانيا).
ويرافق ترامب ثلة من عمالقة المال والأعمال الأميركيين على رأسهم أيلون ماسك، وعدد من الشخصيات البارزة في «وول ستريت» و«سيليكون فالي» منهم الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان، وشقيق ماسك كيمبال، ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، ومؤسس «لينكد إن» ريد هوفمان، والرئيس التنفيذي لشركة «أمازون» آندي جاسي، والمديرة المالية لشركة «غوغل» روث بورات، والرئيس التنفيذي لشركة «بوينغ» كيلي أورتبرغ، والرئيس التنفيذي لشركة «بلاك روك» لاري فينك.
وكذلك الرؤساء التنفيذيون لشركات بارزة مثل «سيتي غروب» و«آي بي إم» و«كوكاكولا» و«دلتا إيرلاينز» و«أمريكان إيرلاينز» و«يونايتد إيرلاينز».
وحرص ترامب على تقديم هؤلاء الحضور واحداً تلو الآخر ضمن مراسم استقبال رسمية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في إشارة إلى حجم التمثيل الأمريكي رفيع المستوى. وكذلك إلى حجم ومستوى الصفقات التي ينوي ترامب عقدها، وهي من النوع الأضخم على الإطلاق الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية من وراء جولة ترامب الحالية.
ترامب مستمع جيد وإن كانت إدارته يتنازعها فريقان- مع/ضد – الانفتاح على سوريا الجديدة لكنه يميل عملياً إلى الانفتاح وتوسيعه وبما يُخرج الصين وإيران من معادلات المنطقة السياسية والاقتصادية
ترامب- سوريا – الصين
ظاهرياً، لم تكن تصريحات ترامب الأخيرة متوقعة، حيث إنه حتى اللحظة الأخيرة لم يخرج عن واشنطن ما يشي بها رغم ذلك الحديث المتواتر عن لقاء بينه وبين الرئيس الشرع.. أما عملياً فإن ترامب كان مستمعاً جيداً- كما يُقال- لوجهتي النظر حول سوريا، داخل إدارته، تلك التي تقول بعدم الانفتاح، والأخرى التي تقول بالانفتاح، ويبدو أنه يميل إلى الثانية. ما ساهم في ذلك – ربما – هو ما تبديه القيادة السورية من انفتاح وتعاون وحسن تدبير في السياسات والعلاقات، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية فإن القيادة السورية ليست بلا أوراق رابحة، أو لنقل ليست من دون خيارات، سواء إقليمياً أو دولياً. ما زالت إيران قريبة تنتظر وتتوسط، وما زالت الصين تسعى في سبيل فتح قنوات سياسية واقتصادية مع القيادة الجديدة، وهي تواظب على إرسال المسؤولين والوفود إلى دمشق للقاء الرئيس الشرع في سبيل إرساء علاقات جديدة. وكان آخر الوفود أمس الإثنين، حيث التقى الرئيس الشرع وفداً صينياً برئاسة تشين وي تشينغ، المدير العام لإدارة شؤون غرب آسيا وشمال إفريقيا لدى وزارة الخارجية الصينية، وفي أول أيار الجاري استقبل الرئيس الشرع وفداً من رجال الأعمال الصينيين، برئاسة تشو ليجانغ، المدير العام في منطقة الشرق الأوسط لشركة «AOJ-TECHNOLOGY» حيث جرى بحث آفاق الاستثمار في سوريا، وفي شباط الماضي استقبل الرئيس الشرع، السفير الصيني شي هونغ وي، والوفد المرافق له.
لا شك أن إدارة ترامب في صورة هذه التحركات الصينية وأهدافها، ولا يخفى أنها تشعر بالقلق من أن تتحول سوريا الجديدة باتجاه الصين، وحسب صحيفة «التايمز» البريطانية نقلاً عن مصدر من داخل إدارة ترامب فإن «الرئيس الشرع يتطلع شرقاً نحو الصين لكنه يفضل على ما يبدو التوجه للغرب، ونحن نريده أن يتطلع غرباً».
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصدر آخر قوله إن ترامب سيكشف في جولته الخليجية عن صفقات بالمليارات من بينها «عقود في الاتصالات لسوريا تتولاها شركة (إي تي آند تي) الأميركية» لكن الصحيفة تشير أيضاً إلى أن ذلك غير مؤكد بعد، أي أنه ما زال ضمن الأخبار والتقارير المتداولة التي تنتظر مجريات جولة ترامب لتأكيدها أو نفيها.
الانفتاح ومآلاته
بكل الأحوال، وبغض النظر عن كل ما يقال وسيقال في الأيام المقبلة عن الانفتاح الأميركي، وعن اللقاء بين الرئيس الشرع وترامب، فإن ما تحقق حتى الآن على صعيد هذا الانفتاح هو أمر مبشر بصورة كبيرة، ويشير إلى أنه سيتخذ أبعاداً أوسع في المرحلة المقبلة، وهو ما يترقبه السوريون وينتظرونه بتفاؤل في ظل اجتهاد القيادة ومواظبتها على فتح جميع الأبواب لتحقيق البناء والنهوض الاقتصادي.