ترميم جريء لأحوال البلاد والعباد طال انتظاره .. زيادة الرواتب مؤشّر التزام و جرعة ثقة بين الدولة والمواطن

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – بادية الونوس: 

الزيادة ٢٠٠% على الرواتب والأجور للعاملين والمتقاعدين، والتي أعلنها السيد الرئيس أحمد الشرع، هي فعلاً زيادة غير مسبوقة كما وصفت، وبارقة أمل لشريحة واسعة من العاملين طال انتظارها لتحسين ظروفهم المعيشية، وإذا ما دلت على شيء تدل على التزام الدولة بتحسين الظروف المعيشية، بل وهي في أولى أولوياتها.

في هذا الصدد، يؤكد الباحث الاقتصادي الدكتور محمد الكوسا أن هذه  الزيادة غير المسبوقة، جاءت  كخطوة “إسعافية” ذات طابع مزدوج، تمزج بين الطابع الاجتماعي والإلحاح الاقتصادي، محاولةً مدّ جسور التوازن بين ما هو مطلوب لتحسين مستوى المعيشة، وما هو ممكن في ظل الموارد المتاحة.

إذا ما نظرنا إلى الوراء لوقت طويل، ظل الموظف الحكومي والمتقاعد السوري يرزح تحت وطأة فجوة واسعة بين دخله المحدود واحتياجاته الأساسية، ففي حين لم يتجاوز متوسط راتب الموظف 20 دولاراً شهرياً، وتوقف متوسط المعاش التقاعدي عند حدود 15 دولاراً، ووفق الباحث الكوسا كان خط الفقر العالمي يحدق بقسوة من علوٍّ بـ96 دولاراً شهرياً. و هذه الأرقام لم تكن مجرد إحصاءات صماء، بل انعكاسات حقيقية على مائدة الأسرة السورية، التي اضطرت لتقليص استهلاكها الغذائي، والاعتماد على مصادر دخل إضافية باتت ضرورة لا ترفاً.

زيادة بنسبة 200% تحمل الأمل والتحدي

في هذا السياق، جاء المرسوم الحكومي بزيادة الرواتب والمعاشات بنسبة 200%، رافعاً راتب الموظف من 20 إلى 60 دولاراً، والمعاش التقاعدي من 15 إلى 45 دولاراً، ومشمولاً العمالة المؤقتة بنسب متفاوتة.

د الكوسا :يقاس نجاحها بمدى ضبط الأسواق ومنع التجار من استغلال  ما تحقق

ويؤكد الدكتور الكوسا أنه رغم بساطة هذه الأرقام في نظر البعض، إلا أن أثرها النفسي والمباشر على مئات آلاف الأسر كان لا يُستهان به. فالقوة الشرائية الإسمية تضاعفت ثلاث مرات، والقدرة على تلبية الحاجات الغذائية ارتفعت نظرياً من 20% إلى 60% لكن وكما هو معروف في علم الاقتصاد، لا تلبث هذه الأرقام أن تُختبر في واقع السوق، حيث لا يكفي ضخ المال دون ضبط الأسعار.

الأسعار سيفٌ ذو حدين

إذاً، لا بد من ضبط الأسواق قولاً وفعلاً ، ولأن التجارب السابقة مع زيادات الرواتب بيّنت أن السوق سرعان ما يستجيب لها بارتفاع فوري في أسعار السلع الأساسية، بنسبة تتراوح بين 40% و60%، هذا يعني أن القيمة الحقيقية للزيادة قد تتآكل، فبدلاً من 200%، لا تزيد الزيادة الفعلية عن 140%.ووفق الباحث الاقتصادي هنا تبرز الحاجة الملحة لتدخل حكومي منظم ومدروس ويتمثل في : دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ضبط الأسعار عبر الرقابة التموينية الحازمة، بالتوازي مع دور الجهات المالية في تحجيم السيولة الزائدة عبر أدوات نقدية تكميلية.وكذلك مع تفعيل قنوات الشكاوى المجتمعية، وتكثيف الدور الرقابي في الأسواق، وخاصةً في المحافظات التي تعاني من تفاوت سعري يصل إلى 35%.

لها أثرها على مختلف الفئات

في  تحليل تأثير الزيادة على مختلف الفئات يتحدث د. الكوسا بعين الخبير :

الموظفون الحكوميون

تحسن القدرة على تلبية 40% من الاحتياجات الأساسية، إمكانية تقليل الاعتماد على العمل الإضافي بنسبة تصل إلى 20%. لكن التحدي قائم، لا يزال 60% منهم بحاجة إلى دخل ثانٍ لتغطية الفجوة.

المتقاعدون

الزيادة تعني تحسناً ملموساً في القدرة على شراء الأدوية بنسبة 40%. لكن ما زال العبء كبيراً في تغطية تكاليف علاج الأمراض المزمنة، حيث إن الدخل الجديد يغطي بالكاد الحد الأدنى من النفقات الطبية.

ماذا عن الأثر الاقتصادي العام ما بين الإيجابيات والمخاطر؟

يوضح د. الكوسا:  من المؤكد أن لهذه الزيادة الأثر الاقتصادي المهم على الاقتصاد ككل، منها  الجانب الإيجابي من خلال :تحفيز الطلب المحلي بنسبة تقدر بـ25%، وهو ما قد ينعش الأسواق مؤقتاً، تحسين مؤشرات التنمية البشرية المرتبطة بالصحة والتغذية والتعليم.

ولم يغفل د. الكوسا  الجانب السلبي الذي لا بد من الإشارة إليه ويتمثل بـ :

معدلات تضخم مرشحة للارتفاع إلى 120% سنوياً، إن لم يتم التدخل المالي الحكيم.

انخفاض إضافي بقيمة الليرة السورية قد يصل إلى 25%، ما يضاعف الضغط على الأسر.

عجز مالي حكومي قد يبلغ 18% من الناتج المحلي، إذا لم تقابل الزيادة بإصلاحات هيكلية وتعزيز الإيرادات.

الأمل مرهون بالسياسات لا بالأرقام فقط

وختم الباحث الاقتصادي د. الكوسا بقوله: لا شك أن هذه الزيادة تمثل بارقة أمل حقيقية للموظفين والمتقاعدين الذين طال انتظارهم لأي تحسن ملموس، لكن نجاحها لا يُقاس بالأرقام المجردة، بل بقدرة الحكومة على ضبط ثلاثة عوامل يجب أخذها بعين الاعتبار :ضبط السوق ومنع جشع بعض التجار من استغلال  ما تحقق،إدارة مالية رشيدة تُوازن بين دعم القوة

الشرائية ومكافحة التضخم، رؤية اقتصادية شاملة تنقل البلاد من الإسعافات الاقتصادية إلى مرحلة التعافي الحقيقي.

لقد صبر المواطن السوري كثيراً، وحان الوقت لأن يشعر بأن هذا الصبر لم يذهب هدراً. لكن الأمر يتطلب تكاتفاً حكومياً شاملاً، وخطة اقتصادية واضحة، وإرادة سياسية حقيقية،  تسعى إلى بناء واقع اقتصادي أكثر عدلاً واستدامة.

Leave a Comment
آخر الأخبار