الحرية – هناء غانم – رشا عيسى :
أطلقت هيئة التخطيط والإحصاء بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) ورشة عمل وطنية بهدف إعادة بناء المنظومة الإحصائية في سوريا وتعزيز دور البيانات في صياغة السياسات التنموية، وذلك في فندق الداما روز بدمشق،و بمشاركة ممثلين عن الوزارات والهيئات الحكومية والمنظمات الأممية.
خطوة لتأسيس نظام إحصائي وطني متكامل
أكد رئيس هيئة التخطيط والإحصاء أنس سليم أن الورشة تمثل خطوة استراتيجية نحو بناء منظومة بيانات وطنية حديثة، تعتمد على نقاشات تفاعلية وعروض تقنية تهدف إلى تشخيص الفجوات التي أصابت النظام الإحصائي خلال السنوات الماضية، وتعزيز التكامل بين المؤسسات المنتجة للبيانات.
لافتاً إلى إن الإحصاء يمثل أداة أساسية لدعم صنع القرار وتحقيق التنمية المستدامة، ومن هنا تأتي أهمية فهم احتياجات مستخدمي البيانات، سواء كانت كمية أو نوعية، لضمان أن تكون البيانات دقيقة وموثوقة وذات جدوى عملية.
وأضاف: نعمل في الهيئة على بناء منظومة إحصائية متكاملة، مع فرق عمل متخصصة، تهدف إلى تحسين إنتاج البيانات واستخدامها بشكل فعّال لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا شك أن تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الشركاء الوطنيين والدوليين، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة.
وأشار إلى إدراك التحديات التي تواجه البيانات المتاحة، سواء من حيث التوقيت أو الدقة أو القدرة على تلبية احتياجات المستخدمين، ومن هنا تأتي أهمية هذه الورشة في تشخيص الوضع الحالي للنظام الإحصائي، وتحديد منتجي البيانات ومستخدميها، وتعزيز الحوار البنّاء بينهم لضمان تطوير النظام بشكل مستدام، مؤكدا أن هذه الورشة ليست مجرد نشاط شكلي، بل هي إعلان واضح عن الالتزام المستمر بالعمل مع الشركاء نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وتحويل البيانات إلى أداة فعّالة لخدمة الوطن والمجتمع.
وأوضح سليم أن الورشة تمتد خمسة أيام وتتناول محاور متعددة تتعلق بواقع البيانات، بهدف الوصول إلى قاعدة بيانات وطنية شاملة تخدم القرار الحكومي في مختلف القطاعات.
لم تعد أرقاماً بل أساس القرار
وشدد نائب ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان بوشتا مرابط على أن البيانات أصبحت اليوم محوراً لاتخاذ القرار، وأن تعزيز العلاقة بين منتجي البيانات ومستخدميها خطوة ضرورية لتحسين جودة المعلومات ورفع مستوى الحوكمة.

وأكد أن فهم احتياجات الجهات الوطنية وتعزيز قدرات الكوادر الإحصائية شرط أساسي لبناء بيانات موثوقة تدعم السياسات الوطنية.
وأضاف أن البيانات لم تعد مجرد أرقام أو إحصاءات جامدة، بل أصبحت العصب الحيوي لاتخاذ القرارات المستنيرة في مجالات الصحة، التعليم، التخطيط الحضري، والتنمية السكانية.
وتعتبر البيانات المصدر الأوثق للأدلة التي تمكننا من العمل بحكمة وفعالية، لافتاً إلى وجود فجوات بين منتجي البيانات ومستخدميها سواء في التواصل والتنسيق وأحياناً الثقة.
غياب الرقم الإحصائي لن يستمر
وفي تصريح خاص لـ”الحرية”، أوضح مدير الإحصاء السكاني في الهيئة فهمي الفاعوري أن غياب الأرقام الإحصائية خلال السنوات الماضية خلق حالة من التكتم والارتباك، خاصة في المجال الاقتصادي، حيث كان الرقم الإحصائي مغيّباً وغير معلن رغم أهميته كأساس لكل عملية اقتصادية.
معالجة فجوات الماضي وبناء الثقة
وبين أن الورشة الحالية تهدف إلى دراسة آليات التعاون بين منتجي ومستخدمي البيانات بالتنسيق مع اليونيسف، وعرض البيانات المتوفرة بعد التحرير، والمسوح الإحصائية المنجزة، وكيفية التشارك مع الوزارات المنتجة للسجلات الإدارية.
وأضاف: المنظومة الإحصائية شهدت شرخاً كبيراً بسبب عدم الاهتمام بالرقم وعدم منحه الجودة والثقة اللازمة، مشيراً إلى أن المرحلة القادمة ستشهد ترميم هذا الخلل من خلال تعزيز التشاركية واعتماد آليات إنتاج بيانات ذات جودة عالية وبعيدة عن الفساد.
مسوح جديدة لسد النقص
وشرح الفاعوري وجود فجوات كبيرة في البيانات المتسلسلة والمؤشرات الأساسية للتنمية، وأن الهيئة تعمل على اقتراح مسوح جديدة لسد هذه الفجوات، خصوصاً مؤشرات التنمية المستدامة.
كما أشار إلى أن مستخدمي البيانات من القطاع الخاص وغرف التجارة والصناعة والباحثين يواجهون نقصاً واضحاً في المعلومات، وأن الورشة تسعى لتحديد آليات الإنتاج والاستخدام بما يحقق التوافق بين العرض والطلب على البيانات.
مشاريع إحصائية قيد التنفيذ
وكشف الفاعوري عن عدة مشاريع قيد الإنجاز، منها:
– مسح الأمن الغذائي الذي سيصدر خلال شهرين ويقدم مؤشرات حول الفقر والغذاء.
– المجموعة الإحصائية لعام 2023–2024 التي أُنجزت وستُنشر قريباً على موقع الهيئة.
مسح قوة العمل الذي سيقدم بيانات عن البطالة وعمالة الشباب والقطاع المنظم وغير المنظم.
– مشروع “الميكس” بالتعاون مع اليونيسف، ويغطي أكثر من 200 مؤشر يخص المرأة والطفل والصحة الإنجابية والتعليم والحماية المجتمعية.
نحو تعداد سكاني سريع:
وأشار مدير الإحصاء السكاني إلى أن الهيئة تدرس إمكانية تنفيذ تعداد سكاني سريع يعتمد على العد الذاتي والاتصال الهاتفي، بالاستفادة من تجارب دول ذات إمكانيات محدودة، بهدف توفير إطار سكاني دقيق يشمل أدنى مستويات التجمعات السكانية.
خطط لإعادة هيكلة العمل الإحصائي
وأكد فاعوري وجود خطة استراتيجية شاملة للنهوض بالعمل التخطيطي والإحصائي، تشمل: إعادة هيكلة المؤسسات الإحصائية.
وبناء هيكلية موحدة لمديريات التخطيط والإحصاء في الوزارات والمحافظات.
مواكبة التقنيات الحديثة
الدكتور شامل بدران، مدير إدارة الأحياء في هيئة التخطيط والإحصاء شدّد على أن أهمية الورشة تكمن في كونها ملتقىً مباشراً بين منتجي البيانات ومستخدميها، وهو عنصر حيوي لأي نظام إحصائي ناجح.
وأوضح بدران أن الوضع في سوريا يتطلب اهتماماً خاصاً نظراً لتزايد الحاجة إلى بيانات دقيقة ومحدثة، سواء للقطاع الحكومي، الخاص، المجتمع الأهلي أو الجامعات.
وأشار إلى أن الورشة تهدف إلى تحديد احتياجات الجهات المختلفة، وتقييم قدرة الجهاز الإحصائي على تلبيتها في الوقت المناسب، والعمل على سد فجوة البيانات وتحديثها بما يتوافق مع المعايير الدولية.