تطوير المنظومة الإحصائية في سوريا ضرورة وطنية ملحّة وأساسية لنجاح عملية التخطيط التنموي

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – هناء غانم:

من المعروف أن البيانات الإحصائية هي الأساس الذي يُبنى عليه أي تخطيط اقتصادي أو اجتماعي ناجح، ولكن في ظل النظام السابق كانت هناك فجوات كبيرة في البيانات الموثوقة والمحدثة، ما أدى إلى وضع سياسات وأطر تنموية مبنية على تقديرات غير دقيقة.
هذه الفجوة في البيانات لا تقتصر على نقص الأرقام، بل تشمل غياب المؤشرات الدقيقة التي كانت ضرورية لتوجيه الخطط التنموية بكفاءة، اليوم أصبح من الضروري بناء منظومة وطنية حديثة للبيانات تُعزز الشفافية والموثوقية، وتدعم عملية صنع القرار المبني على الأدلة الدقيقة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
وحول أهمية ذلك أكد الدكتور شامل راتب بدران في حديثة لـ “الحرية” أن تطوير المنظومة الإحصائية في سوريا بات ضرورة وطنية ملحّة وأساسية لنجاح عملية التخطيط التنموي وإعداد التقارير الوطنية.
وقال بدران إن فجوة البيانات الإحصائية والمؤشرات المنبثقة عنها تُعد من أبرز التحديات التي تواجه الجهات الحكومية والمعنية بالتنمية، موضحًا أن البيانات هي الأساس الذي تُبنى عليه السياسات العامة، وأن دقتها وحداثتها تمثل شرطًا جوهريًا لنجاح أي برنامج اقتصادي أو اجتماعي أو تنموي.

حجر الأساس في التخطيط

وأشار بدران إلى أن البيانات الإحصائية ليست مجرد أرقام، بل هي أداة تحليلية تساعد على تشخيص المشكلات، ورصد التغيّرات، وتوجيه الموارد، وتقييم الأداء، وأكد أن المنظومة الإحصائية المتقدمة هي شرط لعمل الحكومات الحديثة، ولصياغة سياسات تستند إلى الأدلة والمعطيات الواقعية.

د. بدران: سوريا بحاجة لثورة في المنظومة الإحصائية لدعم التنمية المستدامة

كما أوضح أن المؤشرات الاقتصادية تمثل الترجمة الكمية لواقع اقتصادي أو اجتماعي أو بيئي معيّن، وهي تختلف عن الإحصاءات بأنها تتضمن تفسيرًا وتحليلًا، وتمكّن من المقارنة عبر الزمن والمكان، وتعطي صورة موضوعية عن أداء القطاعات المختلفة.
وشدّد بدران على أن جودة المؤشرات تتوقف على عدة عناصر، أبرزها: – – الملاءمة
–  سلامة المنهجية
–  اتساق البيانات
–  دقتها وحداثتها
–  سهولة الوصول إليها
وهو ما يتطلب بنية مؤسسية حديثة ومنهجيات متوافقة مع المعايير الدولية.

فجوة البيانات الإحصائية في سوريا…

الخبير الإحصائي توقف عند واقع التعدادات والإحصاءات في سوريا، مبينًا أن البلاد شهدت عبر العقود الماضية سلسلة من التعدادات الوطنية (1960 – 1970 – 1981 – 1994 – 2004)، إضافة إلى تعدادات متخصصة مثل تعداد الثروة الحيوانية (2010) وتعداد المنشآت (2019–2020)، وصولًا إلى التحضير للتعداد العام 2026 بطرق حديثة.
وأشار إلى أن الفجوة الإحصائية ما تزال قائمة في عدة مجالات بسبب الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد، ما تسبب في نقص بعض المؤشرات الأساسية وتأخر تحديث العديد من قواعد البيانات.

غياب استخدام التصنيفات الإحصائية الدولية..

ولفت د. بدران إلى وجود فجوة واضحة في تبنّي وتطبيق التصنيفات والمعايير الإحصائية الدولية مثل: نظام الحسابات القومية SNA .. وميزان المدفوعات BPM وتصنيفات التعليم ISCED وغيرها.
موضحاً أنها معايير يعتمد عليها العالم لضمان قابلية المقارنة والاتساق الدولي، وحذّر من أن عدم الالتزام بهذه التصنيفات يحدّ من قدرة سوريا على إعداد تقارير دولية دقيقة ومقارَنة قابلة للاعتماد.

فجوات الحسابات القومية في سوريا..

بدران أشار خلال حديثه إلى أن سوريا كانت من أوائل الدول النامية التي تبنت نظام الحسابات القومية، إلا أن السنوات الأخيرة أثرت بشكل كبير على انتظام إصدارها ودقتها، موضحًا أن أبرز التحديات هي نقص البيانات وغياب بعض المؤشرات الأساسية، وعدم انتظام تدفق البيانات بين المؤسسات، إضافة إلى ضعف البيانات المتعلقة بالقطاع الخاص والاقتصاد غير الرسمي، وغياب الأدلة الوطنية الموحدة للحسابات القومية.

د. بدران: تطوير البيانات الإحصائية هو المفتاح لإعادة بناء الاقتصاد السوري

إلا أنه في المقابل، هناك نقاط قوة مهمة، تتمثل بوجود بنية مؤسسية قابلة للتطوير، وتوافر كوادر فنية ذات كفاءة عالية، ودعم من المنظمات الدولية وخاصة “الإسكوا”، إضافة إلى إطار قانوني آخذ بالتطور، وإرادة سياسية داعمة للتطوير الإحصائي.

حلول مقترحة لردم الفجوات

أخيراً دعا د.بدران إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات العاجلة والاستراتيجية، أهمها:
1. إنشاء منظومة وطنية متكاملة للبيانات تعتمد على قواعد بيانات موحدة ومترابطة بين المؤسسات.
2. تحديث التشريعات الإحصائية بما يضمن إلزامية تزويد البيانات ودورية نشرها.

3. اعتماد التصنيفات الدولية الحديثة لضمان الاتساق مع الأنظمة العالمية.
4. التحول الرقمي الكامل للعمليات الإحصائية من جمع البيانات وحتى نشرها.
5. تعزيز الشراكة بين المنتجين والمستخدمين للبيانات لضمان إنتاج مؤشرات تلبي الاحتياجات الحقيقية.
6. بناء قدرات الكوادر الوطنية وتوفير التدريب المتخصص المستمر.
كما أكد على أن تطوير المنظومة الإحصائية هو المدخل الحقيقي لإعادة بناء الاقتصاد الوطني، وأن أي تخطيط تنموي أو رؤية اقتصادية مستقبلية لن تنجح دون قاعدة بيانات حديثة، موثوقة، شاملة، ومنسجمة مع المعايير العالمية.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار