الحرية – نهلة أبو تك:
أقرّ مجلس محافظة اللاذقية تعديلات جديدة على غرامات مخالفات النظافة، في خطوة تحمل أبعاداً تنظيمية وخدمية، وفي محاولة لمعالجة اختلالات مزمنة في واقع النظافة العامة، وضبط السلوكيات التي أسهمت خلال السنوات الماضية في تشويه المشهد الحضاري، وفرض أعباء إضافية على البلديات والوحدات الإدارية.
القرار، الذي صادق على تعديل غرامات قانون النظافة رقم /49/ لعام 2004، جاء في سياق قانوني يستند إلى أحكام قانون الإدارة المحلية، وإلى ما أقرّه مجلس المحافظة في جلسته الاستثنائية، ليعيد ترتيب منظومة المخالفات والعقوبات المالية، بما يتناسب مع حجم الضرر البيئي والصحي الذي تسببه بعض الممارسات اليومية.
تشديد الغرامات… رسالة واضحة
التعديلات الجديدة لم تقتصر على رفع قيمة الغرامات فحسب، بل أعادت تصنيف المخالفات وفق خطورتها وتأثيرها المباشر على الصحة العامة والبيئة، حيث شملت مخالفات شائعة مثل رمي النفايات خارج الحاويات، وإسالة المياه في الشوارع، وترك القمامة خارج الأوقات المحددة، إضافة إلى مخالفات أكثر جسامة كإلقاء مخلفات البناء أو المنشآت الصناعية، وتلويث الأنهار والمجاري المائية، أو نبش الحاويات والعبث بمحتوياتها.
وتفاوتت الغرامات بين مبالغ مالية متوسطة في المخالفات الفردية البسيطة، وغرامات مرتفعة وصلت إلى عشرات الملايين من الليرات السورية في المخالفات الجسيمة، مع تشديد العقوبة في حال التكرار، وفرض مصادرة الأدوات المستخدمة، وتحويل المخالف إلى القضاء المختص عند الضرورة.
يأتي هذا القرار في وقت تعاني فيه مدينة اللاذقية، كسواها من المدن السورية، من ضغوط خدمية متراكمة، ناجمة عن زيادة الكثافة السكانية، وتراجع الإمكانيات، وارتفاع كلفة إدارة ملف النظافة، مقابل استمرار سلوكيات فردية وجماعية لا تنسجم مع متطلبات المرحلة.
ويرى متابعون للشأن المحلي أن تعديل الغرامات يشكل محاولة لإعادة التوازن بين الدور الخدمي للدولة، والدور الرقابي، وتحميل المواطن والمنشآت الاقتصادية جزءاً من المسؤولية، في ظل محدودية الموارد، وارتفاع كلفة معالجة المخلفات، ولا سيما مخلفات البناء والأنشطة الصناعية والتجارية.

تطبيق تدريجي وضبط منظم
وفي هذا السياق، أوضح علي عاصي المدير العام للإدارة المحلية والبيئة في محافظة اللاذقية لـ ” الحرية” أن القرار يهدف بالدرجة الأولى إلى تنظيم الواقع، وليس إلى الجباية، مؤكداً أن تشديد الغرامات جاء بعد دراسات ميدانية أظهرت أن جزءاً كبيراً من مشاكل النظافة سببه الاستهتار بالقوانين النافذة، وعدم الالتزام بأماكن وأوقات رمي النفايات.
وأضاف عاصي أن الوحدات الإدارية ستعمل على تطبيق القرار بشكل منظم وتدريجي، مع تكثيف حملات التوعية إلى جانب الضبط، بحيث يكون المواطن شريكاً في الحل، لا طرفاً مستهدفاً بالعقوبة، لافتاً إلى أن تحسين واقع النظافة مسؤولية مشتركة بين الجهات الخدمية والمجتمع المحلي.
بين الردع والتوعية
ونصّ القرار على إمكانية تخفيض الغرامة إلى النصف في حال تسديدها خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الضبط، في إشارة واضحة إلى اعتماد نهج مرن يوازن بين الردع القانوني وتشجيع الالتزام الطوعي، إضافة إلى اعتماد إيصال رسمي لتحصيل الغرامات واعتبارها إيراداً يعود للوحدات الإدارية لتحسين خدماتها.
يعكس تعديل غرامات النظافة في اللاذقية توجهاً نحو إعادة الاعتبار للنظام العام والمظهر الحضاري، في مرحلة تتطلب إدارة دقيقة للموارد، وتعاوناً حقيقياً بين المواطن والمؤسسة المحلية. ويبقى نجاح القرار مرهوناً بمدى عدالة تطبيقه، واستمرارية الرقابة، وفاعلية حملات التوعية التي ترافقه، لضمان ألا يتحول إلى إجراء عقابي بحت، بل إلى خطوة إصلاحية دائمة