تغير المناخ وشدة الجفاف يقوضان الثروة الحيوانية ويضعان مربيها في مأزق

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- محمد فرحة:
بدأت ملامح تغير المناخ وانحباس الأمطار وشدّة الجفاف وارتفاع حرارة الأرض تظهر آثارها السلبية المقلقة لمربي الثروة الحيوانية والقطاع الزراعي، لدرجة قد تقوض الثروة الحيوانية من جراء شدّة جفاف المراعي وغياب الكلأ، ما يرغم المربين على شراء المادة العلفية من الآن وحتى فصل الشتاء القادم، ما يرتب خسائر كبيرة جداً عليهم ويترك الأثر السلبي الواضح على قطاع المواشي من أغنام وماعز تحديداً، وهي التي كان يمكن أن يُعوَّل عليها في دعم الاقتصاد الوطني في ظل غياب وتراجع المردود الإنتاجي الزراعي بشكل لافت وكبير جداً، وكنتيجة طبيعية ستعرض المربين إلى الخطر.

لقد كنا نشعر شعوراً غامراً لجهة أنّ الثروة الغنمية أولاً والماعز الجبلي ثانياً سيحققان اقتصاداً مستداماً يعوِّض خسائر القطاع الزراعي، في ظل اقتصاد غير مستقر.
طبعاً قضية إهمال وتهميش قطاع الثروة الغنمية والماعز الجبلي ليس وليد المصادفة أبداً، وإنما هو نتيجة تقصير من قبل الحكومات السابقة، زد على ذلك ما صاحبه من تهريب واضح كبير استنزف القسم الأكبر منها.
في الورقة الاقتصادية التي قدمها الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم قوشجي، أوضح فيها أهم النقاط الواجب أخذها بالحسبان، إذا ما أردنا إحياء الثروة الغنمية والماعز الجبلي لما لهما من أثرٍ بالغ في التنمية الاقتصادية الفعالة في ظل تراجع الإنتاج الزراعي المتسارع المقلق، وهذا ما جاء في طيات تفاصيلها:
التعافي الاقتصادي بوابته، بل بابه الرئيس الزراعة، ففي ظل الهشاشة الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد السوري اليوم تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة بناء القطاعات الإنتاجية الأساسية وعلى رأسها الزراعة بشقيها النباتي والحيواني.
وتطرق الدكتور قوشجي إلى أنّ القرآن الكريم أكد في سورة / قريش / على أهمية الأمن الغذائي والأمان الاقتصادي في آيته الكريمة (الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف)، وهذا ما يجب أن يضعه صناع السياسة في نظرهم اليوم، وعدّ خريطة طريق ترتكز على تحقيق الاكتفاء الذاتي أولاً، ثم تحفيز دوران عجلة الاقتصاد عبر تصدير الفائض، وخاصة ذلك المتعلق بالثروة الحيوانية ” أغنام العواس” وغير ذلك.
وزاد الخبير قوشجي بأن الزراعة السورية إرث تاريخي فقد شكلت ٢٥% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام ٢٠١١، وفقاً لبيانات البنك الدولي، في الوقت الذي وفرت فيه آلاف فرص العمل، وخاصة في الريف، وحدَّت من هجرة الريف إلى المدينة وعدم “تبوير” الأرض.

الثروة الغنمية قلَّ مثيلها

وعن قطعان الماشية، وتحديداً الأغنام والماعز الجبلي والشامي، أوضح أنها سمة من سمات الإنتاج السوري المُميز ذي المردود الكبير في كل شيء لجهة إنتاج الحليب واللحوم.
فقد حققت سورية في الحقبة الماضية من قيمة صادرات الأغنام ٥٠٠ مليون دولار وفق تقارير وزارة الزراعة السورية عام ٢٠١٢، وخاصة إلى دول الخليج التي تعتمد على الاستيراد لتلبية حاجتها الاستهلاكية.
منوهاً بأهمية التركيز على الأمن الغذائي الذي هو ركيزة أي استقرار في العالم، وهو ركيزة الاستقرار الاجتماعي. وهنا تشير منظمة “الفاو” إلى أنّ أكثر من ٦٠% من السوريين يعانون اليوم من انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.
وكلنا يعلم تراجع إنتاجنا من القمح، فمن إنتاج 4.1 ملايين طن عام ٢٠١٠ إلى المليون في عام ٢٠٢٢ ثم توالى بالتراجع بشكل متسارع.

وكخبير اقتصادي، يرى قوشجي أنّ الحل في التركيز على قطاعي الإنتاج الزراعي نباتياً وحيوانياً، وليس هناك خيار آخر إذا ما أراد المعنيون تقليص الاعتماد على المساعدات الخارجية.
ويختم الدكتور قوشجي حديثه بأن الاهتمام بقطاع الثروة الغنمية وغيرها يعيد لها ماضيها الجميل ويوفر للخزينة العامة مئات الملايين من الدولارات عند تصدير العواس، وخاصة عند الحاجة إليها في المواسم الدينية، وينشِّط الصناعات الجلدية، ولا بد من تطوير الصناعات التي تعتمد على المنتج الحيواني كالألبان والأجبان ، وهذا يحتاج إلى إحياء البنية التحتية بالكامل التي تمّ تدميرها وتهميشها، وكذلك تطوير وسائل الري وتخزين المياه نظراً لندرتها في مواسم الجفاف، وزراعة المواد العلفية لتغطي حاجتها وعدم إرغام المربين على شرائها من باعتها التجار بأسعار صعبة.

الخلاصة؛ غابت المراعي وضرب الجفاف المنطقة، فتأثرت إلى حدٍّ كبير الثروة الحيوانية، ما أثّر أيضاً على الاقتصاد المحلي بكل أشكاله وأنواعه.
نختم لنشير إلى أنّ الوكالة اليابانية للتعاون الدولي “جايكا” كانت قد قدمت للحكومة السورية منتصف التسعينيات دراسة تشير فيها إلى ما ستواجهه سوريا مع بدء الألفية الثانية من جفاف وتراجع الإنتاج الزراعي، ونصحت بالتركيز على الأغنام، لكن لم يأخذ أحد بذلك.

Leave a Comment
آخر الأخبار