الحرية- رحاب الإبراهيم :
تفعيل العمل الشعبي ضرورة ملحة وأساسية لتحسين الواقع الخدمي وتطويرها من دون التركيز فقط على الناحية المادية، حيث يفترض استثمار طاقة المجتمع المحلي في كلّ قرية ومنطقة لتحقيق هذه الغاية من خلال شراكة فاعلة تطلق مبادرات تحث المجتمع المحلي على العمل الذكي المنتج.
هذا ما يؤكده الباحث التنموي أكرم العفيف مؤسس مبادرة المشاريع الأسرية السورية التنموية والمجموعات المتفرعة عنها، الذي بيّن أن العمل الشعبي لا يركز على العامل المادي بقدر التركيز على طاقة المجتمع وبناء شراكة معه تحث أفراده على تحسين جودة الخدمات المقدمة بقصد تنمية القرية أو البلدة أو المنطقة المقصودة، فمثلاً كل قرية تحتاج إلى عمال نظافة وآليات، وهذا يكلف مبالغ مرهقة، لكن يمكن ببساطة القيام بهذه المهمة عبر مشاركة المجتمع المحلي وإطلاق مبادرات ذكية لدفع الأهالي لتنظيف كل فرد أمام منزله من دون إنفاق أموال كبيرة أو جهد كبير، وهذا ينطبق على ترميم المدارس وصيانتها، فالمجتمعات المحلية تنجز عملاً جباراً من دون الحاجة إلى مبالغ مالية كبيرة.
قادة رأي
ولفت العفيف إلى أنّ تنظيم المجتمع المحلي وتفعيله يتطلب تشكيلاً مجتمعياً على مستوى القرى والبلديات مكوناً من أصحاب الرأي القادرين والفاعلين، الذين يملكون تأثيراً إيجابياً على أفراد المجتمع على أن يتم تحديد المبادرات وتفعيلها بذكاء وعناية لتحقيق الهدف منها، فمثلاً كانت هناك جهود جبارة لإحدى الجمعيات في مدينة مصياف تديرها مجموعة من المتطوعين لتنظيف الشوارع بشكل يومي عنوانها “لا تنظف بس لا توسخ”، وقد ظلوا سنوات يعملون على هذه المبادرة لكن الإشكالية أن شوارع مصياف لم تنظف، فهل شعب مصياف المثقف والذكي لم يستجب لهذه المبادرة أم هناك نقطة مخفية كان يجب الانتباه لها تتعلق بالتوجه إلى صناع الرأي والقادة المؤثرين للاستجابة لهذه المبادرة الفاعلة وتعميمها على نحو يوظف العمل الشعبي بشكل صحيح وفاعل، وعندها ستكون هناك إنجازات مهمة تنعكس بالفائدة على أبناء المجتمع الذين يستجيبون لهذه المبادرات المهمة وخاصة أنها تزرع المحبة والألفة بين السوريين، فمثلاً أطلقت مبادرة لزرع ١٠ آلاف شجرة في قرية صغيرة ووزع على كل بيت عشر شجيرات ترك لأهل البيت اختيار مكان زراعتها، وفعلاً حققت المبادرة الغاية المطلوبة، حيث زرع البعض أشجار الزيتون، التي أسهمت في تنقية المناخ وتلطيفه وفي الوقت ذاته تأمين مصدر رزق لهذه العائلات، وبالمقابل نظمت مبادرة بين أهالي مصياف ومنطقة نوى في درعا لزراعة التين المصيافي، حيث جهز أهالي نوى في المشاتل قرابة ١٥٠ ألف شجرة حسب عدد السكان تقريباً.
مشيراً إلى أن هذا الشكل المجتمعي يقرب السوريين من بعضهم ويرسخ فكر رغبة أفراد المجتمع في مساعدة دولتهم والمشاركة في التنمية المجتمعية والاقتصادية علماً أنّ وزارة الزراعة في وقت سابق زرعت عدداً هائلاً من الأشجار، لكن كانت النتائج صفر لاقتصارها على أماكن محددة، والحل هنا لتحقيق الغاية المطلوبة زج المجتمع المحلي في العمل الخدمي والتنموي، بحيث يمكن وقتها تخفيف نتائج مهمة على نحو نضمن زراعة ٢٥ مليون شجرة حسب عدد سكان سوريا.
استثمار مجدٍ
وبين الخبير التنموي العفيف أنّ استثمار إمكانات المجتمع المحلي وتوظيفه بشكل صحيح نقطة الأساس في مبادرة المشاريع الأسرية التنموية والمجموعات المتفرعة عنها، فمثلاً بعض العائلات خسرت وظائفها في بعض القرى، وهنا أطلقت مبادرة كل أسبوع طبخة بحيث تتبرع كل أسرة بنوع معين من السلع المتوافرة في بيتها، وبناء على ذلك تم تأمين الطعام لأهالي القرية بأكملها وليس المهجرين والفقراء، وهذه المبادرة أسهمت في زرع المحبة بين أهالي القرى المشاركة وخاصة أنهم كانوا يجتمعون مع بعض ويسعون إلى المساعدة كل حسب قدرته، مبيناً أن هذا الشكل من أشكال توظيف المجتمع المحلي يحقق نتائج غير عادية، فهو ليس للخدمة العامة وإنما خدمة الناس لبعضها، وهذا ما يجب تعميمه لأنه يصنع منافسة بين السوريين نحو فعل الخير والإنتاجية.