الحرية- فادية مجد:
تخوض المرأة المعيلة معركة يومية لإعالة أسرتها في ظل غياب المعيل الذكوري، سواء بسبب الوفاة أو الطلاق أو ضعف دخل الزوج، ما يجعلها تتحمل مسؤوليات مضاعفة داخل الأسرة وخارجها، هذا الدور المحوري الذي تقوم به المرأة المعيلة لا يقابله دائماً تقدير مجتمعي، بل كثيراً ما تصطدم المرأة بجدار من النظرة المجتمعية السلبية التي تضعف من فرصها في سوق العمل وتؤثر على اندماجها في الحياة العامة.
النظرة المجتمعية
تؤكد الاختصاصية في علم الاجتماع التربوي الدكتورة سوسن شعبان أن المرأة المعيلة تعاني من ضعف في الاعتراف المجتمعي بدورها، نتيجة انخفاض الوعي بأهمية ما تقوم به، والأعراف الثقافية التي تكرّس فكرة أن الرجل هو المسؤول الأول عن الإعالة، مشيرة في تصريحها لـ”الحرية” إلى أن هذا التصور سينعكس سلباً على ثقة المرأة بنفسها، ويحد من فرصها في العمل والإنجاز.

خبيرة تربوية: النظرة المجتمعية السلبية تسهم في تكريس العنف ضد المرأة وحرمانها من حقوقها
تفاوت جغرافي
وانطلاقاً من السياق الجغرافي، أوضحت شعبان أن التحديات التي تواجهها المرأة المعيلة لا تقتصر على بيئة دون أخرى، إلّا أن المرأة في الريف تواجه قيوداً ثقافية أشد، وندرة في فرص العمل، بينما تجد المرأة في المدينة خيارات أوسع ونظرة مجتمعية أكثر تقبلاً، رغم استمرار بعض التحديات.
ضغوط نفسية
ونتيجة لهذه الضغوط، أشارت إلى أن المرأة المعيلة غالباً ما تعاني من القلق وانخفاض تقدير الذات، وقد تتفاقم حالتها النفسية لتصل إلى الاكتئاب، وفي بعض الحالات القصوى، قد تدفعها الظروف القاسية إلى الانخراط في سلوكيات مرفوضة اجتماعياً، مثل السرقة أو الدعارة، بحثاً عن مصدر دخل.
سوق العمل
كما تؤدي النظرة المجتمعية السلبية إلى تقليص فرص المرأة المعيلة في الحصول على وظائف مناسبة، كما أكدت شعبان، حيث تُظلم في الأجور ولا تُمنح حقوقها كاملة، وهذا الضغط المهني يتقاطع مع أعبائها المنزلية، ما يؤدي إلى إرهاق جسدي ونفسي يؤثر على صحتها، ويقلل من قدرتها على متابعة أبنائها، ما ينعكس على تحصيلهم الدراسي وقد يؤدي إلى تسربهم أو انحرافهم.
عنف وتمييز
ولفتت شعبان إلى أن النظرة المجتمعية السلبية تسهم في تكريس العنف ضد المرأة المعيلة، سواء من خلال الاستغلال في بيئة العمل، أو حرمانها من حقوقها كالأجور العادلة أو تعويضات نهاية الخدمة، ما يزيد من هشاشتها الاقتصادية والاجتماعية.
خطوات التمكين
وللخروج من هذا الواقع، دعت شعبان إلى ضرورة تعزيز التقدير لدور المرأة المعيلة من خلال رفع الوعي المجتمعي، وتوفير فرص التعليم والتدريب، وتسليط الضوء على إنجازاتها، إلى جانب ضمان حقوقها القانونية والاجتماعية، بما في ذلك تعويضات نهاية الخدمة.
دور الإعلام
وشددت شعبان على أهمية دور وسائل الإعلام في تغيير الصورة النمطية، من خلال عرض قصص نجاح حقيقية لنساء معيلات استطعن تجاوز التحديات وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، ما يسهم في بناء صورة إيجابية تعزز من مكانتهن في المجتمع.
دعم مؤسسي
أما على مستوى السياسات فأشارت شعبان إلى أن المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني مطالبة بتوفير برامج دعم فعالة، تشمل قروضاً ميسرة، ومشاريع إنتاجية صغيرة، تُمكّن المرأة المعيلة من تحقيق الاستقلال المالي وحماية نفسها من الاستغلال.
تغيير الخطاب
واختتمت الدكتورة شعبان حديثها بالتأكيد على أن تغيير الخطاب المجتمعي تجاه المرأة المعيلة يجب أن يكون هدفاً مشتركًا بين المؤسسات التربوية والإعلامية، من خلال بناء وعي جمعي يعترف بدورها الحيوي في التنمية، ويمنحها الدعم اللازم لتأمين مستقبل أفضل لها ولأطفالها.