الحرية – مها سلطان:
باتصالين بارزين مهد الاتحاد الأوروبي لمستوى جيد من التفاؤل حيال «مؤتمر باريس حول سوريا» المقرر عقده الخميس المقبل. الاتصال الأول كان من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء الماضي، والثاني يوم الجمعة الماضي من قبل المستشار الألماني أولاف شولتز، مع السيد الرئيس أحمد الشرع.
اتصال شولتز كان متوقعاً، خصوصاً بعد اتصال ماكرون، إذا ما اعتبرنا أن لفرنسا وألمانيا مصالحهما الخاصة ضمن المصالح العامة لأوروبا، وأنهما عملياً دولتان في مركز القيادة للاتحاد الأوروبي (إلى جانب بريطانيا). وأن لهما مصلحة في نجاح المؤتمر وبما ينعكس خطوات متقدمة باتجاه علاقات أوسع مع سوريا الجديدة. لقد كانت كل من فرنسا وألمانيا أكثر علنية واندفاعاً فيما يخص هذا الهدف، وتشاركتا منذ البداية- أي ما بعد سقوط النظام في 8 كانون الأول الماضي- في خطوات متلاحقة، توسعت تباعاً، بدءاً من زيارة وزيري خارجية البلدين دمشق ولقائهما الرئيس الشرع مطلع كانون الثاني الماضي، مروراً بهذين الاتصالين، ولاحقاً التحضير لمؤتمر باريس.
المراقبون توقفوا مطولاً عند اتصال شولتز مع الرئيس الشرع، لمضمونه أولاً، ولمدته ثانياً، حيث استغرق ساعة من الزمن، حسب المُعلن. شولتز هنأ الشعب السوري والرئيس الشرع بإنهاء حكم الأسد، مؤكداً دعم ألمانيا لسوريا موحدة وآمنة، ولعملية سياسية شاملة… ولعملية الإعمار.
وعندما تتحدث ألمانيا عن دعمها لعملية الإعمار فهذا يقودنا مباشرة إلى مسألة رفع العقوبات، ووقوفها كإحدى العقبات الرئيسية في هذه العملية وفي استعادة الاقتصاد عموماً. لا يخفى ذلك كما لا يخفى أن مسألة رفع العقوبات هي على رأس جدول أعمال مؤتمر باريس، دون أن يقلل ذلك من شأن بقية المسائل المطروحة، سواء على المستوى السياسي أو على مستوى التحديات الأمنية، أو على مستوى المرحلة الانتقالية بشكل عام.
لا شك أن الساعة التي استغرقتها المكالمة الهاتفية ما بين شولتز والرئيس الشرع، كانت لافتة، فهي مكالمة طويلة بالمقياس الزمني، ما يجعلها بارزة ولافتة، لناحية مضمونها. ولا شك أن مضمونها كان من الأهمية والضرورة (والإلحاح ربما) لتستغرق هذا الوقت. ويبدو أنه لا بد من الانتظار لبعض الوقت حتى تتكشف كامل التفاصيل.
اللافت أيضاً أن الاتصال بين شولتز والرئيس الشرع جاء مدعوماً ببيان فرنسي أكد على أن القيادة السورية تسير في الاتجاه الصحيح، وتستوفي تدريجياً شروط رفع العقوبات، مشيراً إلى أن هذه المسألة ستتم مناقشتها في مؤتمر باريس. أما رفع كامل العقوبات فإن هذا أمر تقرره الأمم المتحدة. وأكد البيان الفرنسي أن رفع العقوبات الأوروبية سيُمكّن الاقتصاد السوري من الانطلاق وقال: «على الأكيد لا ينتهي الحدث السوري عند انتصار الثورة، هذه البداية فقط، والقادم كبير واستراتيجي».
مستوى التفاؤل الجيد بمؤتمر باريس- آنف الذكر بداية- لا يتوقف فقط على هذين الاتصالين، أي اتصالي ماكرون وشولتز. هناك مستوى الحضور والمشاركة وهو لافت وبارز أيضاً.. وعليه من المفيد هنا إعطاء، أو التذكير بالحضور والمشاركين، وفق المُعلن حتى الآن.
بالدرجة الأولى تم توجيه دعوة لوزير الخارجية أسعد الشيباني للمشاركة في المؤتمر الذي سيحضره وزراء ثماني دول عربية، وممثلو «مجموعة السبع» وست دول أوروبية إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، وتركيا، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وفق جريدة «الشرق الأوسط» في عددها أمس.
ونقلت الجريدة عما سمته مصادر مطلعة أن مؤتمر باريس سيكون بجلستين: صباحية تتضمن ورش عمل لتنظيم المساعدات الدولية، وجلسة مسائية تعقد فيها جلسة وزارية عامة يختتمها الرئيس ماكرون، علماً أن المؤتمر سيترأسه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو.
رغم أهمية المؤتمر، وترقب نتائج إيجابية له خصوصاً على مسار رفع العقوبات، تقول باريس إن المؤتمر لن يكون لإعلان تعهدات مالية أو منح أو قروض، وإنما سيركز على وضع استراتيجية واضحة لتنسيق العمل الإنساني، وضمان القطيعة مع الممارسات السابقة التي كانت سائدة في عهد نظام الأسد.
وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قرروا في اجتماعهم الأخير في بروكسيل، قبل أسبوعين، رفع مجموعة من العقوبات تشمل قطاع الطاقة والنقل والمعاملات المالية، لمدة عام.
أيضاً.. رغم أهمية هذا المؤتمر، يتوقف المراقبون عند مجموعة مسائل، أو لنقل تساؤلات حول ما إذا كان هذا المؤتمر بداية جديدة لسوريا في علاقاتها الأوروبية/الدولية، أم هو مجرد محطة في مسار طويل من التحديات السياسية والإنسانية (وما سيتخللها بلا شك من ضغوط ومطالب في الداخل وفي الجوار الجغرافي اللصيق).
كذلك ضمن التساؤلات: هل سيشكل المؤتمر أو سيمهد لانفتاح اقتصادي حقيقي على سوريا الجديدة أم إنه ما يسميه الغرب عملية المراقبة والتقييم للمرحلة الانتقالية ستجعل منه إحدى محطات هذا التقييم؟.. علماً أن المراقبين أنفسهم يشيرون إلى مشاركة سوريا لأول مرة في مؤتمر دافوس الأخير، الشهر الماضي، عبر وزير الخارجية أسعد الشيباني، ويرون أنها كانت مشاركة مهمة لناحية الرسائل الإيجابية التي أرسلتها القيادة السورية الجديدة على مستويي الداخل والخارج.