الحرية – حسام قره باش:
يلاحظ من القراءة الأولية تسارع الخطوات الحكومية لإنعاش الاقتصاد الوطني وإخراجه من حالة السبات التي تؤكد كل المؤشرات الاقتصادية تراجعه لما دون العتبة التي تحذر من انهياره إن لم يُعلن حالة طوارئ اقتصادية لتنشيطه وتنميته عبر إعادة ضبط بيئاته الاستثمارية والإنتاجية وتهيئة البيئة المصرفية لتناسب الخطة الاقتصادية القائمة.
مشكلة كبيرة
ولتوضيح ذلك، يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور نهاد حيدر في تصريحه لصحيفتنا “الحرية”، أن المشكلة الأكبر اليوم تكمن في المصارف الحكومية حيث أجرت مؤخراً اجتماعاً لإعادة هيكلتها لمواكبة التوجه نحو الاستثمار والبناء.
وبرأيه فإن البنوك الحكومية مستودع موظفين على شكل مؤسسة لا علاقة لها بالمصارف بل أشبه بمؤسسة عادية، وإذا رأينا بأي فرع لمصرف خاص فيه 10 موظفين، نجد بالمقابل 50 موظفاً في فرع لمصرف حكومي، فضلاً عن الخدمات التقليدية المتأخرة كثيراً التي يقدمها بنمطها التقليدي وليس الخدمي المصرفي.
واليوم مع عدم وضوح الرؤية، تبقى الخطوة الأولى أمام أي مستثمر البيئة المصرفية، حيث يشخِّص حيدر الحالة، بأن مسألة الخلل الموجود حالياً في القنوات المصرفية وشركات الصرافة، تكمن في عدم الثقة المطلقة بالمصارف الناتجة عن عدم وجود سيولة وعدم الشعور بالأمان لإيداع أمواله في البنك وعدم قدرته على سحبها إن أراد وهذه المشاكل منَّفرَّة للاستثمارات حسب توصيف حيدر القائمة على أن المستثمر حتى يدخل السوق، يجب حل مشكلة السيولة والبنوك بالمقام الأول.
وعلى المستوى الإجرائي، تبرز أهمية وضع قوانين وتشريعات توضح المسار الاستثماري والمصرفي، فحالياً أغلب الشركات التي ستدخل السوق السورية عقودها بالدولار وستحوِّل الرواتب إلى دولار أو ما يعادله وهذا يحتاج إلى قانون يضبط ألية تحويل الأموال وكيفية التعامل بالدولار وتحديث قانون التأمينات الذي مضى عليه 50 عاماً، لتسهيل تسجيل العاملين في التأمينات كونها ستدفع بالدولار، وكذلك وجود قضاء يتم اللجوء إليه عند حدوث مشكلة ما وهذا كله ليس جاهزاً لدينا.
ترهل مصرفي
يضم القطاع المصرفي في سوريا 21 مصرفاً عاملاً، عدد المصارف الحكومية منها 6 مصارف و15 مصرفاً خاصاً.
ووفقاً لحيدر، فإن هذه البنوك غير كافية لتتماشى مع الاستثمارات القادمة بمختلف مستوياتها ورؤوس أموالها، فالشركات التي ستأتي ذات رؤوس أموال كبيرة ومصارفنا عاجزة بوضعها الحالي ورأس مالها أن تؤدي هذه الخدمات لها، مشيراً إلى مجيء بنوك برأس مال كبير تستطيع تمويل شركات كبيرة وبأنماط تمويل عالمية.
وقال: لا يوجد بنك واحد يقرض شركة بل تجمع مصرفي يقرض مشروعاً معيناً، وهذا كان ممنوعاً في سوريا ويحتاج إلى موافقة خاصة، ولا يوجد أكثر من مشروعين في سوريا عبر السنوات الطويلة أخذوا قرضَ تجمع مصرفي (قرض مشترك) حيث تموِّل عدة بنوك مشروعاً محدداً، وهذا له صحته المصرفية كونه يخفف المخاطر على البنوك ولا يستنزف سيولة بنك معين، عدا عن تقديم دراسات دقيقة يشترك بها أكثر من بنك ما يفيد المصارف فيما بينها من خلال تحصيل تبادل الخبرات المصرفية بينهم، وهذا النمط لم نتعوَّد عليه في سوريا.
وتوقع الخبير المصرفي أن نلحظ وجود بنوك أجنبية وبنوك مشتركة، أي يصبح لدينا تحالف بنوك وامتيازات لبنوك أجنبية، يصبح لها فروع في سوريا، وبالتالي ستزداد المنافسة وتندفع البنوك الخاصة نحو تحسين وضعها، ولكن تبقى المشكلة القائمة في المصارف الحكومية التي يستحيل أن تواجه بوضعها الحالي أدنى أنواع المنافسة أمام البنوك القادمة وتغير من صورتها النمطية والذهنية.