ثروة مهدورة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية ـ سامي عيسى:

هذه ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن ثروات الوطن المهدورة، منها موارد طبيعية، وأخرى باطنية، لكن الثروة الأعظم “الإنسان” الذي يشكل البوصلة التي تحرك كل شيء، وهي الثروة التي لم نحسن استغلالها بالشكل المطلوب حتى هذه اللحظة، رغم كل الظروف الصعبة، وتوافر ظروف استثمارها لتفادي مشكلات كبيرة على مساحة الوطن، منها الاقتصادي والاجتماعي، وحتى مشكلات خدمية وتعليمية وغير ذلك كثير، كان بالإمكان معالجتها بخبراتنا وكفاءات بلدنا التي أزهرت في بلدان أخرى، ونتاجها بين أيدينا، نستخدمه ونجهل قيمته..!
ونكتب اليوم انطلاقاً مما ذكرت، بدافع الخوف على بلدنا، وحرصنا على استثمار عقلنا البشري، الذي وصلت إبداعاته إلى جغرافيا تبعد عن بلدنا آلاف الأميال من المسافات، وأثمرت أنشطة سجلت تقدماً كبيراً في حسابات الدول..
وبالتالي هذه النتائج والتي لا حصر لها، تفرض على الحكومة اليوم، وضع سياسة واضحة تجاه خبراتها لاستثمارها، في إعادة تأهيل بنية الإنتاج المؤسسة لحالة اقتصادية تسمح بتعظيم قوة الإنتاج، وتساهم في تعديل ظروف استثمار الخبرات البشرية، بما يكفل ويضمن استمرارية قوة الإنتاج وتحسين جودته في كافة الظروف، وخاصة أن الحالة الاقتصادية اليوم وما وصلت إليه من واقع يسير باتجاه الانحدار، فرض سلبيات كثيرة نحتاج فيها لإعادة رسم خريطة طريق، تسمح بترجمة المؤهلات البشرية المتوافرة، ووضعه في خدمة إعادة الإعمار، لأن الطاقة البشرية هي أساس نجاح ذلك، والدليل دول كثيرة تعرضت لأزمات شبيهة بأزمتنا، واستطاعت خلال فترة بناء جسور التعافي واستخدام العلاجات الصحيحة للعودة باقتصادها إلى مواقع القوة..
من هنا نجد أن كل فلسفات إعادة الإعمار، تسقط في حسابات “المراوحة في المكان” ما لم تحظَ بالأهمية المطلوبة للمكون البشري، وإعطاء الأولوية لإعادة البناء الإنساني، وتأهيل الموارد البشرية لأنها حاجة أخلاقية وأكثر من ضرورة لتوفير الوقت والجهد وحسن الاستثمار، وتوفير تكاليف تذهب باتجاهات يخسر فيها اقتصادنا الوطني، وتبني منفعة خاصة محسوبة لأطراف محددة..
هذه بدورها توجب توفير سياسات واضحة تكفل تنشئة صحيحة للكفاءات، والتي تبدأ بمؤسسة “الأسرة” المولدة للمكون للبشري، والتي تضاعفت معاناتها بسبب الحرب من حيث البناء الاقتصادي والمادي وتعرضها للأمراض الاجتماعية، والتفكك الأسري، وانتشار ثقافات غريبة وخطيرة تأثرت بها، أدت لاختلال مؤسسات التعليم بأبعادها المختلفة، وما رافقها من فوضى انعكست سلبياتها على القطاعات الإنتاجية والخدمية والتعليمية وغيرها كثير…!
الأمر الذي يفرض على الجميع التفكير بإعادة البناء الإنساني، لأنه ضرورة حتمية لإعادة الإعمار، وحاجة ملحة وفق مخططات، وهيكليات تسخّر الإمكانات البشرية وطاقاتها المهدورة للقادم من الأيام، والتي تحمل وفق تباشير الخطط الحكومية، الكثير من المفاجآت “علّها” تحمل ما يسر المواطن السوري في إعادة بناء ما تم تدميره، وتخريبه خلال سنوات الحرب، وتقديم تجربة ناجحة للعالم أجمع يمكن الاستفادة منها، وتبقى مثالاً تذكره الأجيال القادمة، ليس في عالم الاقتصاد والإنتاج فحسب، بل في قطاعات السياسة، والخدمات والتعليم والصحة، وحتى ما يتعلق ببنية المجتمع الأهلي والمدني، الذي يحمل صفة الاستهداف الدائم لأي تغيير أو تعديل..
من هنا نجد وجوب الاهتمام الحكومي خلال المرحلة الحالية والمقبلة، توجيه جل خطواتها باتجاه الاستثمار في المكون البشري لقيادة المرحلة القادمة، بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وجل ما نتمناه رؤية استراتيجية تحكي قصص هذا الاستثمار..
Issa.samy68@gmail.com

الوسوم:
Leave a Comment
آخر الأخبار