سامي عيسى:
الكثير من أهل الاقتصاد والإدارة، وقبلهم المواطن، وقبل هذا وذاك الحكومات وأهل القرار، طالبوا ومازالوا يطالبون بفاعلية أكبر للاستثمار ليس في المال والحجر فحسب، بل في البشر أيضاً، لكن قوة هذه المطالب وتأثيرها، مختلفة بين جهة وأخرى، وذلك حسب الاتجاه وتقدير الحاجة لهذا النوع من الاستثمار، ومن غيره..!
خاصة الاستثمار في قوة البشر” العقل” الذي مازلنا في حدوده الدنيا من الاستثمار الحقيقي، رغم ما نشهده من طفرات بين الحين والآخر..!
وبالتالي ما يختلف اليوم عما سبق “على ما يبدو” طريقة التفكير في استثمار المكون البشري، الذي نجا من تداعيات حرب طويلة، فقدنا فيها الكثير من الخبرات والمؤهلات العلمية، والكفاءات المشغلة لقوة الانتاج، سواء بفعل أدوات الحرب، أم بفعل سياسات التشغيل، التي أدت للهجرة وتفريغ القطاعات الإنتاجية وغيرها، من أهل الخبرة والكفاءة العلمية، وحتى اليد المشغلة لقوة العمل، على اختلافها وتنوعها، وهذه مسألة ليست بخافية على أحد، ويعلمها الجميع في أدق تفاصيلها..!
لذلك نرى أن رسم خارطة نجاح “إعادة الإعمار” يبدأ من معالجة هذه النقطة ووضعها في مكانها الطبيعي، وبالتالي نجاح الحكومة اليوم في تنفيذ استراتيجيتها لإعادة الإعمار”بالدرجة الأولى” يعتمد على استثمار المكون البشري بكليته، وليس ببعض جزئياته التي تتفاوت بين قطاع وآخر، بفعل الإمكانات ومدى توافرها من جهة، واختلاف الرؤى والمصالح الشخصية من جهة أخرى..!
والذي يفرض اليوم على الحكومة تبني سياسة واضحة تجاه خبراتها، لاستثمارها كما يجب، في إعادة تأهيل بنية الإنتاج، المؤسسة لحالة اقتصادية قوامها” تطوير المناطق الصناعية والزراعية، وتعظيم قوة الإنتاج فيها، بما يساهم، إلى حد بعيد في تعديل ظروف استثمار الخبرات البشرية، لأن كل حالات التعافي وإعادة الإعمار، تبدأ بتعافي هذا المكون، والذي يحتاج في أيامنا هذه إلى إعادة نظر، وفلسفة استثمار جديدة، تمكن الحكومة من استثمار ما تبقى لديها من مفردات القوة البشرية المتنوعة، والتي هي بطبيعة الحال”ولادة” لكنها تحتاج لمن يرعى ويحسن إداراتها نحو حالة تنفيذ تحكي قصص وحكايات النجاح في مواقع العمل..
وخاصة أن قطاعاتنا الإنتاجية ” متعطشة لها” في ظل واقع صعب وصلت إليه بسبب التداعيات السلبية لحرب السنوات الماضية، والحصار الاقتصادي وعقوباته الظالمة، فرض سلبيات كثيرة نحتاج فيها اليوم، لإعادة رسم خارطة طريق، تسمح بترجمة المؤهلات البشرية المتوافرة، ووضعها في خدمة إعادة الإعمار، لأن الطاقة البشرية هي أساس نجاح ذلك، والدليل دول كثيرة تعرضت لأزمات شبيهة بأزمتنا، واستطاعت خلال فترة قصيرة، بناء جسور التعافي، واستخدام العلاجات الصحيحة، للعودة باقتصادها إلى مواقع القوة، والأمثلة كثيرة كاليابان وألمانيا، وماليزية، والأمثلة تطول وتطول..!
لذا نجد كل صيحات وخطط إعادة الإعمار، لا تساوي حدود كتابتها، مالم تحظَ بالأهمية المطلوبة للمكون البشري، وإعطاء الأولوية لإعادة البناء الإنساني، وتأهيل الموارد البشرية، لأنها حاجة أخلاقية وأكثر من ضرورة لتوفير الوقت والجهد، وحسن الاستثمار و توفير التكاليف..!
ولتحقيق ذلك لابد من سياسات واضحة تكفل تنشئة صحيحة للكفاءات، وقبلها مؤسساتها والتي تبدأ بمؤسسة “الأسرة “المولدة للمكون للبشري، والتي تضاعفت معاناتها بسبب الحرب، من حيث البناء الاقتصادي والمادي، وتعرضها للأمراض الاجتماعية، والتفكك الأسري، وانتشار ثقافات غريبة وخطيرة تأثرت بها، أدت لاختلال مؤسسات التعليم بأبعادها الدينية والعلمية والاجتماعية وغيرها، وما رافقها من فوضى انعكست سلبياتها على كل القطاعات.
الأمر الذي يفرض على الجميع التفكير بإعادة البناء الإنساني لأنها ضرورة حتمية لإعادة الإعمار، و حاجة ملحة وفق مخططات، وهيكليات تسخّر الإمكانات البشرية وطاقاتها المهدورة للقادم من الأيام، والتي تحمل وفق تباشير الخطط الحكومية، الكثير من المفاجآت مليئة بما يسر”خاطر” المواطن في إعادة بناء ما تم تدميره وتخريبه خلال سنوات الحرب، وتقديم تجربة ناجحة للعالم أجمع، يمكن الاستفادة منها، وتبقى مثالاً تذكره الأجيال القادمة، لا بل تبني عليه حالة مستمرة في استثمار العقل البشري، لزيادة قوة الإنتاج وتعزيز رفاهية المجتمع في كل المجالات..