الحرية- حنان علي:
لطالما سعت المجتمعات إلى تعزيز مظهرها عبر مجموعة متنوعة من الطقوس والاتجاهات الجمالية، وعلى مرّ التاريخ، تطورت سبل التجميل وتكيفت مع الثقافات المتغيرة والأعراف المجتمعية والتقدم التكنولوجي. لم يتوانَ البشر منذ الحضارات القديمة وصولاً إلى العصر الحديث عن اتباع سبل متمايزة لتعزيز مظهرهم والعناية بأجسادهم. كل حضارة تركت بصمتها الفريدة على تطور ممارسات التجميل، ما أسهم في نشوء مجموعة من الطقوس والاتجاهات الجمالية، فهل الجمال الحقيقي مرتبطاً بالثقة بالنفس والصدق مع الذات، كما يدعي الحكماء؟
من الكحل إلى مباضع الجراحين: تطور مفهوم الجمال نحو المظهر الحسي
كحلٌ وحناء
تعكس النُهج التجميلية في المجتمعات القديمة في بلاد الشام وما بين النهرين إبداع وتطور تلك الحضارات. لطالما افتخرت النساء بتعزيز جمالهن الطبيعي عبر استخدام مستحضرات مميزة للتجميل وتسريحات آسرة للشعر. كانت النساء يطبقن مكياجاً كثيفاً ومتقناً، بما في ذلك الكحل الأسود لتحديد عيونهن، واستخدام درجات اللون المحمر لتلوين الشفاه. كما اهتممن بالأحجار الكريمة المطحونة مثل اللازورد لإنشاء أصباغ نابضة بالحياة، وزينّ شعورهن بإكسسوارات وأغطية للرأس مرصعة بالمجوهرات الذهبية أو الفضية. وللعناية بالبشرة، استخدمن مكونات طبيعية مثل الزيوت والعسل والحليب لترطيب البشرة وتنعيمها. وتعد زخرفة الحناء من أهم الممارسات التجميلية آنذاك، حيث كانت تعبر عن ثقافة ورمزية عميقة.
يزداد التركيز على الجمال الطبيعي والسمات الفردية، مع نشوء مجتمعات أكثر شمولاً
تشابك مع الروحانيات
في مصر القديمة، كانت طرق التجميل متشابكة بعمق مع الثقافة والروحانيات. استخدم الرجال والنساء مستحضرات التجميل ليس فقط لتعزيز جمالهم الجسدي، بل كوسيلة للحماية وأهمية دينية. كان الكحل، المعروف بـ “عين حورس”، هو المكياج المميز للعيون. كما تم استخدام معجون الطين الأحمر على الخدود والشفاه، بالإضافة إلى الحناء ومكونات طبيعية مثل الحليب والعسل لترطيب البشرة. وكان للشعر دور حيوي، حيث أضاف الرجال والنساء الخرز والشرائط والشعر المستعار من خصلات الذهب أو الفضة.
الجمال الطبيعي مقابل الجراحة التجميلية: صراع المعايير الحديثة
جمال طبيعي
في اليونان القديمة، ارتبط الجمال بالتوازن والانسجام. لم يكن المكياج مطبقاً بكثرة كما في ثقافات أخرى، إذ فضل الإغريق مظهراً أكثر طبيعية. كانت النساء اليونانيات يسعين للحصول على مظهر شاب بملامح قيّمة مثل البشرة الصافية والأنف الصغير. ومع ذلك، استخدمت النساء بعض المكياج الخفيف والمكونات الطبيعية للعناية بالبشرة. كما حظي تصفيف الشعر بأهمية كبيرة، حيث اعتبر اليونانيون شعرهم جزءاً مهماً من مظهرهم، وأمضوا وقتاً وجهداً في تسريحات معقدة.
مظهر أنثوي
خلال فترة عصر النهضة، تحولت مُثُل الجمال الأوروبية نحو شخصية أكثر حسية، حيث أصبحت منحنيات الجسد موضع إعجاب كبير. تجلى هذا النمط الجمالي في لوحات الفنانين، مثل بوتيتشيلي، التي تبرز نساء ذوات ملامح ناعمة وجمال طبيعي. ومع دخول القرن العشرين، تأثر مفهوم جمال المرأة بوسائل الإعلام والأزياء، حيث احتفل أسلوب الزعنفة الأيقوني في عشرينيات القرن الماضي بشخصية أكثر رشاقة، بينما مجدت الخمسينيات من القرن الماضي جسد الساعة الرملية.
تدخل جراحي
في السنوات الأخيرة، ازدادت شعبية الجراحة التجميلية في العديد من دول العالم، مع إقبال متزايد على إجراءاتها الجراحية وغير الجراحية مثل عمليات تجميل الأنف، التكبير أو التصغير، وعمليات شفط الدهون. وفي الوقت نفسه، يزداد التركيز على الجمال الطبيعي واحتضان السمات الفردية، وخاصة مع نشوء مجتمعات أكثر شمولاً تدرك المعايير المتنوعة للجمال، وتؤمن بأن الجاذبية يمكن أن تتجلى بأحجام وأشكال وأعراق مختلفة، مكللة بقناعة الأصالة وتقدير الذات.