جديد العلاقات السورية- العراقية.. سياق دبلوماسي يتطور باتجاهات اقتصادية ويعيد خط نفط كركوك- ‏بانياس إلى دائرة الضوء

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية– مها سلطان:
في مسألة العلاقات مع العراق.. انحسر قليلاً إلحاح السؤال المتعلق بحضور، أو عدم حضور، الرئيس ‏أحمد الشرع إلى العراق للمشاركة في القمة العربية المقررة في بغداد، في 17 أيار المقبل، ورغم أن ‏القمة حدث عربي بالدرجة الأولى إلا أن مكان انعقادها يطغى على التداول، عندما يتعلق الأمر بسوريا ‏الجديدة، والعلاقات المستقبلية مع العراق ما بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الماضي.‏
وفي ظل تجاذب داخلي عراقي واسع حيال كل ما يتعلق بسوريا تغدو مقاربة العلاقات أكثر تعقيداً، ‏وعندما تتصدر التهديدات الأمنية بتداخلاتها السياسية يغدو ذلك السؤال أساسياً حول ما إذا كان الرئيس ‏الشرع سيحضر القمة العربية أو سينوب عنه وزير الخارجية أسعد الشيباني.. هنا لا يمكن فصل ‏المشاركة عن الزيارة، المشاركة تعني زيارة رسمية، بشكل ما، ولا بد أن يتخللها استقبالات ولقاءات ‏ومحادثات مع المسؤولين العراقيين، بدءاً من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.‏

بعيداً عن سؤال قمة بغداد العربية ومشاركة الرئيس الشرع.. اتجاه عراقي- سوري لتوسيع السياسات ‏على قواعد اقتصادية قديمة جديدة.. وحديث عن إحياء خط نفظ كركوك- بانياس ‏

الآن، لماذا انحسر قليلاً سؤال الحضور المتعلق بالرئيس الشرع؟ ‏
قبل الإجابة، لنتفق أن هناك سياقاً دبلوماسياً/ سياسياً يتطور بصورة مستمرة ومتسعة، كانت محطته ‏الأساسية اللقاء الذي جمع الرئيس الشرع مع السوداني في الدوحة برعاية قطرية في 17 نيسان الجاري ‌‏(خلال زيارة الرئيس الشرع لقطر). ويبدو أن لقاء الشرع- السوداني فتح هذا السياق على ما هو أبعد من ‏العلاقات السياسية باتجاه تعاون اقتصادي تجاري بما في ذلك الحدود والمعابر، ومن ضمن ذلك وبشكل ‏أساسي مكافحة الإرهاب.‏
عملياً يُبدي العراق رغبة معلنة في إعادة تدوير العلاقات مع سوريا وفق أسس جديدة. بالمقابل تبدي ‏سوريا الرغبة نفسها على قاعدة أن المصالح واحدة والمخاطر مشتركة ولابد من التعاون، بل هو تعاون ‏حتمي تفرضه ديكتاتورية الجغرافيا القائمة والتي لا تستقيم خرائط العلاقات السياسية من دون أخذها ‏بالاعتبار، وتدبيرها في سبيل أن تكون ديكتاتورية داعمة لمصلحة البلدين شأنها في ذلك شأن جميع الدول ‏حول العالم التي تسعى لأن تكون الجغرافيا مُعمرة لا مُدمرة.‏

ترجمة لقاء الدوحة
ترجمةً للقاء الشرع- السوداني في الدوحة، زار يوم الجمعة الماضي وفد عراقي برئاسة رئيس جهاز ‏المخابرات حميد الشطري، دمشق والتقى الرئيس الشرع. ووفق وكالة «سانا» حمل الشطري رسالة تأكيد ‏من السوداني للرئيس الشرع لحضور القمة العربية، ولم يأتِ في تقرير «سانا» الرد السوري على التأكيد ‏الذي حمله الشطري، وعليه ما زالت مسألة حضور الشرع القمة العربية طي التكهنات، وتبعاً لتطورات ‏الأيام المقبلة.‏
ووفق «سانا» كانت مباحثات الشرع– الشطري أوسع وبصورة تؤسس لخطوات على الأرض في ‏المرحلة المقبلة، وشملت قضايا تعاون استثماري تجاري واقتصادي وأمني وغيرها من القضايا التي باتت ‏معروفة للجميع، لكن الجانب الأهم في هذه المباحثات هو بحث «عقد صفقات تجارية في قطاعات النفط ‏والحبوب وتشكيل لجان مشتركة لمتابعة تنفيذها». وتم الاتفاق على وضع آلية عمل لتشغيل منفذ ‏التنف/ الوليد الحدودي. (إلى جانب تأكيد العراق دعمه لاستقرار سوريا ووحدة أراضيها، وتأكيد أهمية ‏التعاون المشترك لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة).‏

هناك سياق دبلوماسي/ سياسي يتطور بصورة مستمرة ومتسعة بين العراق وسوريا ويبدو أن لقاء الشرع ‏والسوداني في قطر فتح هذا السياق باتجاهات اقتصادية تجارية أعمق جدوى أبرزها إمكانية إحياء خط ‏نفط كركوك- بانياس

لنعد إلى صفقات النفط (والحبوب التي كانت بدايتها هدية القمح التي قدمها العراق لسوريا بمعدل 220 ‏ألف طن والتي بدأت بالوصول إلى سوريا).
ما تحدثت عنه (سانا) بصورة مقتضبة حول صفقات في قطاع ‏النفط، توسعت في عرضه وكالة الأنباء العراقية «واع» نقلاً عن مصدر رفيع ضمن وفد الشطري، قال ‏إن المباحثات تناولت إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر ‏المتوسط (خط نفط كركوك- بانياس) مشيراً إلى أن الرئيس الشرع عبر عن استعداده للتعاون مع العراق ‏في مختلف المجالات.‏

‏خط كركوك- بانياس
منذ أن خرج هذا التصريح إلى العلن لم يخرج من دائرة التداول والاهتمام وبما قاد لانحسار ذلك السؤال ‏آنف الذكر حول حضور أو عدم حضور، بمعنى ذهاب أو عدم ذهاب الرئيس الشرع إلى العراق. طبعاً ‏الانحسار ليس كلياً، فما زال السؤال قائماً، ولكن تقدم عليه حالياً الجانب الاقتصادي/ النفطي الذي هو بالغ ‏الأهمية، بل هو في مقدمة أولويات البلدين، وليس بالضرورة أن يتم تجميد مسار التعاون والتفاهم كله ‏انتظاراً لإعادة ترتيب خريطة سياسية هي في الأساس تتوقف على ترتيب العلاقات الاقتصادية ‌‏(والأمنية).‏
عملياً، لم يكن خط نفط كركوك- بانياس خارج التداول منذ توقفه عن العمل في عام 2003 بعد غزو ‏العراق، وكانت هناك محاولة لإعادة إحيائه في عام 2007 وتم التخلي عنها بسبب التكاليف المرتفعة، ثم ‏محاولة أخرى قصيرة في عام 2010. ومع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الماضي، عاد هذا الخط ‏بقوة إلى دائرة الضوء بدفع عراقي بالدرجة الأولى، على قاعدة الفوائد والمنافع الاقتصادية الكبيرة للبلدين، ‏وما يمكن أن يعززه التعاون الاقتصادي من استقرار في العلاقات السياسية، تنعكس بصورة أساسية على ‏الاستقرار الأمني.‏

عملياً يُبدي العراق رغبة معلنة في إعادة تدوير العلاقات مع سوريا وفق أسس جديدة تقابله رغبة ‏سورية مماثلة على قاعدة المصالح الواحدة والمخاطر المشتركة وأنه التعاون حتمي تفرضه ديكتاتورية ‏الجغرافيا القائمة والتي لا تستقيم خرائط العلاقات السياسية دونها

لنوضح أكثر، ونشرح التفاصيل الأساسية لخط نفط كركوك- بانياس منذ بداية التأسيس في عام 1952 ‏من قبل شركة «بريتيش بتروليوم» البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية (حيث كان لها استثمارات ‏نفطية كبيرة في البلدين). وكيف أن السياسات انعكست بصورة سلبية على الفوائد الاقتصادية المفترضة ‏لهذا الخط، سواء منها السياسات البينية أو السياسات الإقليمية. وبرأي المراقبين فإن العودة إلى بحث ‏إحياء هذا الخط هي لحظة نادرة من المصالح المتقاربة، حيث إن البلدين يحتاجانه بشدة، العراق ليصل ‏إلى أوروبا، وسوريا لتلبية احتياجاتها الكبيرة من الطاقة وإعادة الإعمار. رغم أن بعض المراقبين يرون ‏أنه قد يكون بلا جدوى اقتصادية في ظل تكاليف الإصلاح الباهظة، وفي ظل التقلبات السياسية ‌‏(العسكرية) التي ما زالت تعصف بالمنطقة.‏
تم تأسيس الخط بطول 880 كم بقدرة تدفق تتجاوز 300 ألف برميل يومياً. ‏

ما بعد زيارة الشطري تقدم الجانب الاقتصادي النفطي الذي هو على رأس الأولويات وبما يعزز التوجه ‏الجديد حول أنه ليس بالضرورة أن يتم تجميد مسار التعاون والتفاهم كله انتظاراً لإعادة ترتيب خريطة ‏سياسية هي في الأساس تتوقف على ترتيب العلاقات الاقتصادية (والأمنية)‏

توقف العمل به مراراً، حيث عاصر عواصف سياسية/ أمنية كبرى في المنطقة من العدوان الثلاثي على ‏مصر، مروراً بعمليات التأميم والحرب العراقية- الإيرانية وحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة، وصولاً ‏إلى حرب التحالف ضد تنظيم «داعش» ثم الربيع العربي والحرب في سوريا، وأخيراً إلى سقوط نظام ‏الأسد.‏
حسب التقديرات فإن تكلفة إعادة إحياء الأنبوب تقدر بحوالي 8 مليارات دولار، فيما يعتبر مختصون أن ‏هذا رقم كبير كون طاقة الخط التصديرية تُقدر بـ700 ألف برميل يومياً فقط.‏

بالنسبة للبلدين
‏* تشغيل هذا الخط يخلق شراكة استراتيجية أعمق بين بغداد ودمشق، ويعد حجر الأساس لتعزيز التعاون ‏الاقتصادي والأمني ما يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي. ‏
‏* تسريع تنفيذ هذا التشغيل يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار ‏السياسي.‏
‏* رغم توقفه منذ أكثر من 13 عاماً فإن أهميته توصف بالاستراتيجية سواء لسوريا أو للعراق، إذ يخفف ‏الخط من كلف نقل وتصدير النفط نظراً إلى كونه طريقاً مختصراً لحقول النفط العراقية الشمالية عبر ‏البحر المتوسط، والتي تحوي احتياطاً نفطياً يقدر بـ13 مليار برميل، أي ما يشكل 12% من إجمال ‏الاحتياط العراقي من النفط الخام.‏

‏- بالنسبة لسوريا
يمثل استيراد النفط العراقي حلاً مثالياً لتلبية احتياجات السوق المحلية ومتطلبات إعادة الإعمار، فضلاً ‏عن إمكانية تطوير المصافي السورية ورفع كفاءتها لتكرير النفط العراقي، وسيعود بمنافع كبيرة على ‏الموانئ السورية بما يزيد من حركة الملاحة البحرية وينشط الحركة الاقتصادية. ‏

‏- بالنسبة للعراق
‏* يكتسب الخط أهمية كبرى للعراق لتعزيز مكانته بين أكبر منتجي النفط عالمياً بأكثر من 3 ملايين ‏برميل يومياً. وحسب الخبراء الاقتصاديين فإن الخط يُمكّن العراق من تجنب مخاطر الاعتماد على خط ‏جيهان التركي، الذي يتأثر بتغير المصالح والتوازنات السياسية مع حكومة إقليم كردستان، أو اضطرابات ‏البحر الأحمر عند التصدير عبر موانئ البصرة، عدا عن أنه الأقل تكلفة والأسرع للوصول إلى الأسواق ‏الأوروبية.‏

شكلت السياسات والصراعات الإقليمية عائقاً أساسياً أمام تعزيز الفوائد الاقتصادية ما بين سوريا ‏والعراق.. ويعد خط كركوك- بانياس المثال الأبرز حيث كان الأكثر تأثراً رغم أن المفترض به أن يكون ‏شرياناً اقتصادياً حيوياً للبلدين ‏

‏* هذا الخط يجعل العراق مركزاً إقليمياً للطاقة وهو ما لا يوفره خط العقبة بسبب موقعه الجغرافي البعيد ‏عن الأسواق الأوروبية الرئيسية.‏
‏* يتيح هذا الخط للعراق الاستفادة من مصافي النفط السورية لتكون بديلاً لمصافي التكرير التي تستهدفها ‏الحكومة العراقية في دول بعيدة، وسيساعد العراق أيضاً على زيادة إنتاجه النفطي اليومي لأن الخط ‏مصمم لطاقة تصديرية كبيرة، وخاصة أن العراق يعمل على زيادة الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يومياً ‏بحلول 2027.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار