الحرية– مها سلطان:
في مسألة العلاقات مع العراق.. انحسر قليلاً إلحاح السؤال المتعلق بحضور، أو عدم حضور، الرئيس أحمد الشرع إلى العراق للمشاركة في القمة العربية المقررة في بغداد، في 17 أيار المقبل، ورغم أن القمة حدث عربي بالدرجة الأولى إلا أن مكان انعقادها يطغى على التداول، عندما يتعلق الأمر بسوريا الجديدة، والعلاقات المستقبلية مع العراق ما بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الماضي.
وفي ظل تجاذب داخلي عراقي واسع حيال كل ما يتعلق بسوريا تغدو مقاربة العلاقات أكثر تعقيداً، وعندما تتصدر التهديدات الأمنية بتداخلاتها السياسية يغدو ذلك السؤال أساسياً حول ما إذا كان الرئيس الشرع سيحضر القمة العربية أو سينوب عنه وزير الخارجية أسعد الشيباني.. هنا لا يمكن فصل المشاركة عن الزيارة، المشاركة تعني زيارة رسمية، بشكل ما، ولا بد أن يتخللها استقبالات ولقاءات ومحادثات مع المسؤولين العراقيين، بدءاً من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
بعيداً عن سؤال قمة بغداد العربية ومشاركة الرئيس الشرع.. اتجاه عراقي- سوري لتوسيع السياسات على قواعد اقتصادية قديمة جديدة.. وحديث عن إحياء خط نفظ كركوك- بانياس
الآن، لماذا انحسر قليلاً سؤال الحضور المتعلق بالرئيس الشرع؟
قبل الإجابة، لنتفق أن هناك سياقاً دبلوماسياً/ سياسياً يتطور بصورة مستمرة ومتسعة، كانت محطته الأساسية اللقاء الذي جمع الرئيس الشرع مع السوداني في الدوحة برعاية قطرية في 17 نيسان الجاري (خلال زيارة الرئيس الشرع لقطر). ويبدو أن لقاء الشرع- السوداني فتح هذا السياق على ما هو أبعد من العلاقات السياسية باتجاه تعاون اقتصادي تجاري بما في ذلك الحدود والمعابر، ومن ضمن ذلك وبشكل أساسي مكافحة الإرهاب.
عملياً يُبدي العراق رغبة معلنة في إعادة تدوير العلاقات مع سوريا وفق أسس جديدة. بالمقابل تبدي سوريا الرغبة نفسها على قاعدة أن المصالح واحدة والمخاطر مشتركة ولابد من التعاون، بل هو تعاون حتمي تفرضه ديكتاتورية الجغرافيا القائمة والتي لا تستقيم خرائط العلاقات السياسية من دون أخذها بالاعتبار، وتدبيرها في سبيل أن تكون ديكتاتورية داعمة لمصلحة البلدين شأنها في ذلك شأن جميع الدول حول العالم التي تسعى لأن تكون الجغرافيا مُعمرة لا مُدمرة.
ترجمة لقاء الدوحة
ترجمةً للقاء الشرع- السوداني في الدوحة، زار يوم الجمعة الماضي وفد عراقي برئاسة رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري، دمشق والتقى الرئيس الشرع. ووفق وكالة «سانا» حمل الشطري رسالة تأكيد من السوداني للرئيس الشرع لحضور القمة العربية، ولم يأتِ في تقرير «سانا» الرد السوري على التأكيد الذي حمله الشطري، وعليه ما زالت مسألة حضور الشرع القمة العربية طي التكهنات، وتبعاً لتطورات الأيام المقبلة.
ووفق «سانا» كانت مباحثات الشرع– الشطري أوسع وبصورة تؤسس لخطوات على الأرض في المرحلة المقبلة، وشملت قضايا تعاون استثماري تجاري واقتصادي وأمني وغيرها من القضايا التي باتت معروفة للجميع، لكن الجانب الأهم في هذه المباحثات هو بحث «عقد صفقات تجارية في قطاعات النفط والحبوب وتشكيل لجان مشتركة لمتابعة تنفيذها». وتم الاتفاق على وضع آلية عمل لتشغيل منفذ التنف/ الوليد الحدودي. (إلى جانب تأكيد العراق دعمه لاستقرار سوريا ووحدة أراضيها، وتأكيد أهمية التعاون المشترك لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة).
هناك سياق دبلوماسي/ سياسي يتطور بصورة مستمرة ومتسعة بين العراق وسوريا ويبدو أن لقاء الشرع والسوداني في قطر فتح هذا السياق باتجاهات اقتصادية تجارية أعمق جدوى أبرزها إمكانية إحياء خط نفط كركوك- بانياس
لنعد إلى صفقات النفط (والحبوب التي كانت بدايتها هدية القمح التي قدمها العراق لسوريا بمعدل 220 ألف طن والتي بدأت بالوصول إلى سوريا).
ما تحدثت عنه (سانا) بصورة مقتضبة حول صفقات في قطاع النفط، توسعت في عرضه وكالة الأنباء العراقية «واع» نقلاً عن مصدر رفيع ضمن وفد الشطري، قال إن المباحثات تناولت إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر المتوسط (خط نفط كركوك- بانياس) مشيراً إلى أن الرئيس الشرع عبر عن استعداده للتعاون مع العراق في مختلف المجالات.
خط كركوك- بانياس
منذ أن خرج هذا التصريح إلى العلن لم يخرج من دائرة التداول والاهتمام وبما قاد لانحسار ذلك السؤال آنف الذكر حول حضور أو عدم حضور، بمعنى ذهاب أو عدم ذهاب الرئيس الشرع إلى العراق. طبعاً الانحسار ليس كلياً، فما زال السؤال قائماً، ولكن تقدم عليه حالياً الجانب الاقتصادي/ النفطي الذي هو بالغ الأهمية، بل هو في مقدمة أولويات البلدين، وليس بالضرورة أن يتم تجميد مسار التعاون والتفاهم كله انتظاراً لإعادة ترتيب خريطة سياسية هي في الأساس تتوقف على ترتيب العلاقات الاقتصادية (والأمنية).
عملياً، لم يكن خط نفط كركوك- بانياس خارج التداول منذ توقفه عن العمل في عام 2003 بعد غزو العراق، وكانت هناك محاولة لإعادة إحيائه في عام 2007 وتم التخلي عنها بسبب التكاليف المرتفعة، ثم محاولة أخرى قصيرة في عام 2010. ومع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الماضي، عاد هذا الخط بقوة إلى دائرة الضوء بدفع عراقي بالدرجة الأولى، على قاعدة الفوائد والمنافع الاقتصادية الكبيرة للبلدين، وما يمكن أن يعززه التعاون الاقتصادي من استقرار في العلاقات السياسية، تنعكس بصورة أساسية على الاستقرار الأمني.
عملياً يُبدي العراق رغبة معلنة في إعادة تدوير العلاقات مع سوريا وفق أسس جديدة تقابله رغبة سورية مماثلة على قاعدة المصالح الواحدة والمخاطر المشتركة وأنه التعاون حتمي تفرضه ديكتاتورية الجغرافيا القائمة والتي لا تستقيم خرائط العلاقات السياسية دونها
لنوضح أكثر، ونشرح التفاصيل الأساسية لخط نفط كركوك- بانياس منذ بداية التأسيس في عام 1952 من قبل شركة «بريتيش بتروليوم» البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية (حيث كان لها استثمارات نفطية كبيرة في البلدين). وكيف أن السياسات انعكست بصورة سلبية على الفوائد الاقتصادية المفترضة لهذا الخط، سواء منها السياسات البينية أو السياسات الإقليمية. وبرأي المراقبين فإن العودة إلى بحث إحياء هذا الخط هي لحظة نادرة من المصالح المتقاربة، حيث إن البلدين يحتاجانه بشدة، العراق ليصل إلى أوروبا، وسوريا لتلبية احتياجاتها الكبيرة من الطاقة وإعادة الإعمار. رغم أن بعض المراقبين يرون أنه قد يكون بلا جدوى اقتصادية في ظل تكاليف الإصلاح الباهظة، وفي ظل التقلبات السياسية (العسكرية) التي ما زالت تعصف بالمنطقة.
تم تأسيس الخط بطول 880 كم بقدرة تدفق تتجاوز 300 ألف برميل يومياً.
ما بعد زيارة الشطري تقدم الجانب الاقتصادي النفطي الذي هو على رأس الأولويات وبما يعزز التوجه الجديد حول أنه ليس بالضرورة أن يتم تجميد مسار التعاون والتفاهم كله انتظاراً لإعادة ترتيب خريطة سياسية هي في الأساس تتوقف على ترتيب العلاقات الاقتصادية (والأمنية)
توقف العمل به مراراً، حيث عاصر عواصف سياسية/ أمنية كبرى في المنطقة من العدوان الثلاثي على مصر، مروراً بعمليات التأميم والحرب العراقية- الإيرانية وحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة، وصولاً إلى حرب التحالف ضد تنظيم «داعش» ثم الربيع العربي والحرب في سوريا، وأخيراً إلى سقوط نظام الأسد.
حسب التقديرات فإن تكلفة إعادة إحياء الأنبوب تقدر بحوالي 8 مليارات دولار، فيما يعتبر مختصون أن هذا رقم كبير كون طاقة الخط التصديرية تُقدر بـ700 ألف برميل يومياً فقط.
بالنسبة للبلدين
* تشغيل هذا الخط يخلق شراكة استراتيجية أعمق بين بغداد ودمشق، ويعد حجر الأساس لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني ما يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي.
* تسريع تنفيذ هذا التشغيل يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي.
* رغم توقفه منذ أكثر من 13 عاماً فإن أهميته توصف بالاستراتيجية سواء لسوريا أو للعراق، إذ يخفف الخط من كلف نقل وتصدير النفط نظراً إلى كونه طريقاً مختصراً لحقول النفط العراقية الشمالية عبر البحر المتوسط، والتي تحوي احتياطاً نفطياً يقدر بـ13 مليار برميل، أي ما يشكل 12% من إجمال الاحتياط العراقي من النفط الخام.
- بالنسبة لسوريا
يمثل استيراد النفط العراقي حلاً مثالياً لتلبية احتياجات السوق المحلية ومتطلبات إعادة الإعمار، فضلاً عن إمكانية تطوير المصافي السورية ورفع كفاءتها لتكرير النفط العراقي، وسيعود بمنافع كبيرة على الموانئ السورية بما يزيد من حركة الملاحة البحرية وينشط الحركة الاقتصادية.
- بالنسبة للعراق
* يكتسب الخط أهمية كبرى للعراق لتعزيز مكانته بين أكبر منتجي النفط عالمياً بأكثر من 3 ملايين برميل يومياً. وحسب الخبراء الاقتصاديين فإن الخط يُمكّن العراق من تجنب مخاطر الاعتماد على خط جيهان التركي، الذي يتأثر بتغير المصالح والتوازنات السياسية مع حكومة إقليم كردستان، أو اضطرابات البحر الأحمر عند التصدير عبر موانئ البصرة، عدا عن أنه الأقل تكلفة والأسرع للوصول إلى الأسواق الأوروبية.
شكلت السياسات والصراعات الإقليمية عائقاً أساسياً أمام تعزيز الفوائد الاقتصادية ما بين سوريا والعراق.. ويعد خط كركوك- بانياس المثال الأبرز حيث كان الأكثر تأثراً رغم أن المفترض به أن يكون شرياناً اقتصادياً حيوياً للبلدين
* هذا الخط يجعل العراق مركزاً إقليمياً للطاقة وهو ما لا يوفره خط العقبة بسبب موقعه الجغرافي البعيد عن الأسواق الأوروبية الرئيسية.
* يتيح هذا الخط للعراق الاستفادة من مصافي النفط السورية لتكون بديلاً لمصافي التكرير التي تستهدفها الحكومة العراقية في دول بعيدة، وسيساعد العراق أيضاً على زيادة إنتاجه النفطي اليومي لأن الخط مصمم لطاقة تصديرية كبيرة، وخاصة أن العراق يعمل على زيادة الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يومياً بحلول 2027.