جريمة رقمية بأبعاد قانونية.. الابتزاز الإلكتروني شبح الشاشات وخارطة النجاة برؤية خبراء

مدة القراءة 11 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:

تبرز جرائم جديدة تتخذ من الفضاء الأزرق وغيره مسرحاً لها، وعلى رأسها “الابتزاز الإلكتروني”، هذه الظاهرة باتت كشبح خفي يُهدد خصوصية الأفراد وسلامتهم النفسية وهو جريمةٌ وظاهرة متنامية عابرة للحدود.. تستغل الخوف وتُلقي بظلالها على حياة الضحايا، وهنا يطفو السؤال الأصعب.. كيف نواجه هذا التحدي، وما الخارطة الصحيحة للتعامل مع هذه الأزمة، وكيف يحاسب عليها القانون السوري؟

حالات من الواقع

علّقت إحدى الفتيات المحتالات على بروفايل المحامي ع.و وبعد رؤيته لتعليقها وإعجابه بصور مغرية في ملفها، بدأ الحوار معها، والذي وصل بعدها بوعدها بإنشاء حساب له لكسب المال السريع عبر بعض البرامج الرائجة، لكن مقابل تحويله 200 دولار لها، وبعد تحويل المبلغ، لم تعد تستجيب ومن ثم قامت بحظره، ما كشف تعرضه لعملية نصب.

حبش: يحذف تويتر 38% من المحتوى المخالف تلقائياً ويكتشف إنستغرام 90% من حسابات التصيد الاحتيالي قبل الإبلاغ عنها

أما الحالة الثانية، تعرضت فتاة لابتزاز بعد أن حصل شخص على محادثات خاصة وصور حميمية شاركتها معه، ليهددها بنشرها علناً ما لم تنفذ مطالبه، ما سبب لها صدمة نفسية وخوفاً مستمراً من الفضيحة.

إجراءات

وهنا التقت صحيفتنا ” الحرية” خبير السوشيال ميديا محمد حبش، والذي كشف أنه عملياً يُنصح أولاً، بـالتوقف الفوري عن التواصل مع المبتز فكل حوار أو تفاوض يُعزز من سيطرته، مع حفظ جميع الأدلة بدقة من خلال صور للشاشات، سجل الأرقام، الروابط، وحتى التهديدات الصوتية، فكلها تُشكل قرائن حاسمة، فمعظم منصات التواصل الاجتماعي توفر أقساماً للإبلاغ عن الابتزاز في سوريا، كما يُمكن التوجه مباشرة إلى فرع مكافحة الجرائم الإلكترونية للتبليغ، ويحب تغيير جميع كلمات السر الخاصة بك خاصةً إذا كان الابتزاز قد تم عبر اختراق حساباتك الشخصية.

الصعيد النفسي

ويضيف حبش: على الصعيد النفسي فالابتزاز يعتمد على تضخيم الخوف، ويجب عدم القسوة على الذات والشعور بالذنب، وتذكر أنك ضحية ولست مخطئاً، ويجب إخبار شخص موثوق به للبحث عن دعم عائلي لتجاوز الأزمة، ومن ثم الاستعانة بخطوط المساعدة النفسية في سوريا، إذ توجد جمعيات وجهات غير حكومية تُقدم الدعم المتخصص للضحايا.

درع حماية

وحول دور الأهل والأصدقاء نصح حبش بالاستماع دون حكم على الضحية مثل عبارات اللوم “ليش ما انتبهت؟” واستبدالها بـ “نحن معك، هذا ليس ذنبك”، وعدم التصرف نيابة عن الضحية دون موافقتها، ونشر التفاصيل أو مواجهة المبتز دون إذنها، حتى لا تشعر بفقدان السيطرة.

لذا يعد الدعم الاجتماعي درعاً حامياً في مواجهة الابتزاز، حيث لا تقتصر مواجهة الابتزاز على الضحية وحدها؛ فالدعم المحيط يُشكل درعاً حامياً للضحية.

حبش: من الثغرات الخطيرة بطء الاستجابة، إذ إن 20% من حالات الابتزاز لا تتم معالجتها إلا بعد 72 ساعة وهي فترة كافية لتنفيذ التهديدات

وعن ثقافة “إلقاء اللوم على الضحية” يبين أن بعض المنصات تطلب من الضحايا إثبات عدم موافقتهم على مشاركة المحتوى الخاص، مما يزيد الصدمة النفسية

دور المؤسسات

أما المدارس، والجامعات، والجمعيات، فيبرز دورها حسب حبش، بتقديم دعم سري وموثوق وذلك عبر تخصيص خطوط مساعدة نفسية وقانونية لتُجنب إحراج الضحية، كما يمكن تنظيم ورشات توعية بعيداً عن الترهيب، فتقدم الابتزاز كـ”جريمة” لا “عار”، مع مشاركة قصص نجاح لضحايا تخطوا الأزمة، والتعاون مع المختصين من أطباء نفسيين والشرطة الإلكترونية في تقديم المشورة المتخصصة.

واعتبر حبش أن منصات التواصل الاجتماعي هي الساحة الرئيسية التي تُرتكب فيها جرائم الابتزاز، ورغم التحسن الملحوظ في جهودها لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أن فاعلية إجراءاتها لا تزال تواجه تحديات كبيرة أمام تطور أساليب المبتزين.

إيجابيات ملحوظة

كما أضاف حبش أنه في أنظمة الإبلاغ الذكية أصبحت المنصات تستخدم الذكاء الاصطناعي لاكتشاف المحتوى الابتزازي، فمثلاً، يحذف تويتر 38% من المحتوى المخالف تلقائياً، ويكتشف انستجرام 90% من حسابات التصيد الاحتيالي قبل الإبلاغ عنها، وهنا يجب القيام  بإجراءات الحماية السريعة مثل خاصية “الإبلاغ السريع” في فيسبوك، وإمكانية حظر المستخدمين ومنعهم من إنشاء حسابات جديدة عبر بصمة الجهاز.

60% من المستخدمين (خاصة كبار السن) لا يعرفون كيفية استخدام أدوات الإبلاغ وفق استطلاع “بيو ريسيرش”

كما يمكن أن يكون هناك تعاون مع السلطات، حيث توفر المنصات بيانات المشتبه بهم لجهات إنفاذ القانون عند طلب رسمي، ففي عام 2022، سلّمت “ميتا” بيانات 48 ألف حالة لـ”مركز الإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية” بالولايات المتحدة.

ووفقاً لحبش هناك ثغرات خطيرة فالمشكلة أحياناً تكون ببطء الاستجابة، إذ إن 20% من حالات الابتزاز لا تتم معالجتها إلا بعد 72 ساعة، وهي فترة كافية لتنفيذ التهديدات.

تحديات

وأضاف: هناك أيضاً تحديات لتشفير خدمات مثل “واتساب” و”تلغرام”، حيث تُصعّب تتبع المحادثات بسبب التشفير الكامل، مما يستغله المبتزون، وهنا ينوه حبش أن السبب هو ضعف التوعية، فهناك 60% من المستخدمين (خاصة كبار السن) لا يعرفون كيفية استخدام أدوات الإبلاغ وفق استطلاع “بيو ريسيرش”.

تعاون عابر للحدود

ولتحسين الفاعلية وفق رأي حبش يكون  بتعزيز الذكاء الاصطناعي الذي يعمل على تطوير خوارزميات تكتشف السياق، وليس فقط الكلمات الرئيسية (مثل تهديدات ضمنية)، وإضافة روابط مباشرة لخطوط المساعدة النفسية عند الإبلاغ عن الابتزاز، أيضاً من خلال تعاون عابر للحدود والعمل على تنسيق دولي أسرع بين المنصات والجهات القضائية، خاصة في الدول النامية، توعية استباقية بإرسال تنبيهات دورية للمستخدمين حول علامات الابتزاز (كما يفعل “سناب شات” مع تحذيرات الخصوصية)، وإضافة روابط مباشرة لخطوط المساعدة النفسية عند الإبلاغ عن الابتزاز ويكون بذلك دعم مدمج، تنسيق دولي أسرع بين المنصات والجهات القضائية ليكون عابراً للحدود، توعية استباقية بإرسال تنبيهات دورية للمستخدمين حول علامات الابتزاز.

أشباح الذكاء الاصطناعي

ومع التطور المتسارع للتقنيات، يُحذر حبش من أشكال جديدة للابتزاز قد تُصبح أكثر تعقيداً وخطورة، أولها الذكاء الاصطناعي “الشرير”، إذ يقوم بتزييف صوتي وبصري متقن (Deepfake) لإنشاء فيديوهات أو مكالمات مزيفة، وروبوتات محادثة ذكية تحاكي شخصيات حقيقية لخداع الضحايا.. أيضاً من أشكال الابتزاز الهندسة الاجتماعية المتطورة والتي تقوم باستغلال البيانات الحيوية من الأجهزة الذكية لتحليل السلوك والتلاعب النفسي بالضحايا في لحظات ضعفهم، وآخرها جرائم “الميتافيرس”حيث قد يظهر الابتزاز في الواقع الافتراضي عبر سرقة الهويات أو التهديدات داخل الألعاب والمنصات الافتراضية.

رأي القانون

وفيما يتعلق برأي القانون السوري حول الابتزاز الإلكتروني، أوضح المحامي معتصم المصري بحديثه لصحيفتنا الحرية أن الابتزاز يكون عبر تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية، أو تسريب معلومات سرية تخصها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين، ويُشير إلى أن الغايات من هذا النوع من الابتزاز، خاصةً ضد النساء، تتعدد لتشمل الدوافع المادية، أو السعي لإقامة علاقات غير مشروعة، وقد تتجاوز ذلك لتصل إلى استغلال الضحية من قبل المبتز وأصدقائه تحت التهديد بالفضيحة.

القانون في مواجهة الابتزاز

لم يقف القانون السوري مكتوف الأيدي أمام هذه الجريمة المتنامية، هذا ما بينه المصري، فقد نصت المادة 636 من قانون العقوبات على تجريم كل من “هدد شخصاً بفضح أمر أو إفشائه أو الإخبار عنه وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه لكي يحمله على جلب منفعة له أو لغيره غير مشروعة”، وتُعاقب هذه الجريمة بالحبس حتى سنتين وغرامة تصل إلى خمسمئة ليرة سورية.

المصري: لم يقف القانون السوري مكتوف الأيدي أمام هذه الجريمة المتنامية وصدر عدد من التشريعات اللازمة

وأوضح المصري أن هذه العقوبة قد تم تشديدها بشكل ملحوظ بموجب المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2022، المعروف بـ”قانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية”، فالمادة 33 من القانون المذكور تنص على تشديد العقوبة وفقاً لأحكام المادة 247 من قانون العقوبات إذا ارتكبت أي جريمة باستعمال وسائل تقانة المعلومات، كما خصصت المادة 26 من قانون الجريمة المعلوماتية عقوبات صارمة للنشر أو التهديد بنشر مواد منافية للحشمة، حيث يُعاقب بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وغرامة تتراوح بين 3 إلى 4 ملايين ليرة سورية، وتُشدد العقوبة لتصل إلى السجن المؤقت من خمس إلى سبع سنوات وغرامة من 4 إلى 5 ملايين ليرة سورية إذا وقع الجرم على قاصر.

عناصر الإثبات

ونوه المصري بأن الابتزاز يقوم على ركنين: الركن المادي ويتمثل في الأفعال الملموسة التي يقوم بها المبتز، كإرسال رسائل التهديد عبر البريد الإلكتروني أو تطبيقات التواصل الاجتماعي، أما الركن المعنوي ويُقصد به النية الإجرامية، حيث يكون لدى الجاني علم تام بأنه يرتكب فعلاً غير قانوني، لتحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة، كالتهديد الصريح أو الضمني بإلحاق ضرر بالمجني عليه، لتحقيق مكاسب غير قانونية- وجود وسيلة إلكترونية لتنفيذ الابتزاز، ونية الإضرار به، بالإضافة إلى توفر الضحية كطرف متضرر من الجريمة، ووجود ضرر محتمل سواء كان معنوياً أو مادياً.

نحو العدالة

قانونياً  لإثبات الضحية لجريمة الابتزاز وحسب رأي المصري، يجب على المجني عليه اتباع عدة أمور، أولها توثيق الرسائل والاتصالات بحفظ جميع الرسائل، الصور، ومقاطع الفيديو التي استخدمها المبتز في التهديد، التوجه مباشرة إلى النيابة العامة فور تعرضه للابتزاز، لتقديم بلاغ رسمي يُحول إلى القسم الأمني المختص بمكافحة الجرائم الإلكترونية- الاستعانة بخبراء تقنيين من محققين لتحليل البيانات الإلكترونية واستخدام تقنيات الطب الشرعي الرقمي لتتبع مصدر التهديد- توفر الشهود- تقديم الأدلة الرقمية مثل سجلات الحسابات، عناوين IP، وسجلات الهاتف المحمول، والتي تثبت هوية الجاني.

تحصين شامل

لمواجهة هذه التحديات، يُقدم حبش، استراتيجيات متعددة المستويات للأفراد، عبر حماية البيانات الحيوية، التشكيك الدائم في المحتوى الرقمي (خاصة الفيديو والصوت)، وتعليم كبار السن والأطفال على اختبارات الهندسة الاجتماعية والمؤسسات التقنية تطوير ذكاء اصطناعي “دفاعي”، لاكتشاف المحتوى المزيّف في الزمن الحقيقي، واستخدام هوية رقمية موثوقة، وعلى الحكومات صياغة تشريعات عابرة للحدود، إنشاء مراكز استجابة سريعة على مدار الساعة، وإطلاق حملات توعية وطنية شاملة.

محاذير أساسية

ومن المحاذير الأساسية التي يجب تجنبها تماماً لضمان سلامة الضحية، وفقاً لحبش، عدم إخفاء الموضوع حفاظاً على السمعة، إلقاء المحاضرات الأخلاقية ما يدفع الضحية للعزلة، المبالغة في التعاطف المرضي بعبارات سلبية، بل يجب استبدالها برسائل إيجابية تُعزز الأمل وفق رأيه.

وختم حبش: الابتزاز الإلكتروني يشكل تحدياً معقداً يتطلب وعياً جماعياً واستجابة سريعة ومتكاملة، فمن خلال الخطوات العملية والنفسية الفورية، والدعم المجتمعي الفعال، وتطوير آليات المنصات والتشريعات، والاستعداد للتحديات المستقبلية، نتمكن من بناء جبهة قوية لمواجهة هذا الشبح الرقمي، وحماية الأفراد من الوقوع في براثنه، وضمان بيئة رقمية أكثر أماناً للجميع.

Leave a Comment
آخر الأخبار
اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تعقد اجتماعاً تشاورياً في حمص: الإصغاء لجميع الآراء وإعادة النظر ... «صناعة دمشق وريفها» تبحث مع السفارة البولندية سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والصناعي بين البلدين تحوّل من فعالية محلية إلى منصة إقليمية عالمية... «فود إكسبو» يسهم في تعزيز الصادرات الغذائية السوري... جريمة رقمية بأبعاد قانونية.. الابتزاز الإلكتروني شبح الشاشات وخارطة النجاة برؤية خبراء نجاحها يعتمد على الشفافية والتعاون الإقليمي والدولي.. منحة البنك الدولي بداية لتحسّن محدود في قطاع ا... المال يؤمن ويجلب أسبابها.. اختصاصي نفسي: السعادة مصطلح فضفاض يصعب إدراكه غرائب وعجائب في انتخابات اتحادات ألعابنا.. لم تنتخب نفسها! مرغوبة جداً للمائدة والتصنيع.. طرح البندورة «الحورانية» يتزايد في الأسواق أهالي "كرسانا "يناشدون المعنيين بالترحيل وإيقاف الحرق العشوائي للقمامة  آلاف جرعات اللقاح لتحصين الثروة الحيوانيّة في ديرالزور