الحرية- علاء الدين إسماعيل:
شهدت مدينة معرة النعمان في العاشر من شهر حزيران عام 2011 مظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف في “جمعة العشائر”، هتفت بإسقاط النظام ونصرة جسر الشغور، بينما توجهت مظاهرات ريف إدلب من سراقب وكفرنبل وجرجناز وكفرومة وجبل الزاوية نحو مدينة معرة النعمان، حيث تجمع الآلاف على الطريق الدولي، ليبادر عناصر أمن النظام البائد باطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، ليرد المتظاهرون بالهجوم على مفرزة أمن الدولة وحصارها، وأرسل النظام مروحيات حربية إلى معرة النعمان شاركت في إطلاق النار على المتظاهرين، ما أدى لسقوط 11 شخصاً.
وبيّن بلال مخزوم أحد منظمي المظاهرات في مدينة معرة النعمان لصحيفتنا الحرية: في ذاك اليوم كنا وعدد كبير من متظاهري مدينة معرة النعمان على الطريق الدولي دمشق- حلب، بالقرب من جسر المشاة يسمى مفرق تلمنس، وصعدنا إلى أعلى الجسر من أجل تصوير الحشود الكبيرة من المتظاهرين السلميين الذين جاؤوا من معظم قرى وبلدات ريف معرة النعمان للتظاهر السلمي.
وأضاف: أنا كنت أحد أعضاء تنسيقية معرة النعمان ومسؤولاً عن تصوير وتوثيق الأحداث في تلك الأيام، هنا بدأ إطلاق النار بكثافة على المتظاهرين من قبل عناصر مفرزة أمن الدولة، ما أدى لسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى في صفوف المتظاهرين، ما زاد من حالة الغليان والغضب لدى تلك الحشود الكبيرة، الأمر الذي دفعها لمحاولة اقتحام مبنى مفرزة أمن الدولة، رغم إطلاق الرصاص المستمر.
وتابع: تمكن المتظاهرون من حصار مفرزة أمن الدولة بعد رشقها بالحجارة، ليتفاجأ المتظاهرون بقدوم مروحيات عسكرية من الجهة الشمالية لمدينة معرة النعمان، وبدأت تلك المروحيات التي حلقت في سماء المدينة باستهداف المتظاهرين بالرشاشات الثقيلة، ما أدى أيضاً لسقوط العشرات بين شهيد وجريح، وتفريق المتظاهرين وإبعادهم عن محيط المفرزة، حتى انسحب عناصر المفرزة إلى مخفر المدينة.
مردفاً: ذاك اليوم لن أنساه ما حييت لأول مرة أشاهد المروحيات وهي تطلق نيران رشاشاتها علينا، كان شيئاً مخيفاً ومرعباً، كيف لمروحيات عسكرية أن ترمي عبر الرشاشات على متظاهرين سلميين.
بدوره قال بحر نحاس أحد أعضاء لجان التنسيق المحلية: جمعة العشائر من الجمع التي لا يمكن أن ننساها بأحداثها وتفاصيلها، لأنها كانت مفصلاً بثورتنا السورية، ولأن النظام لم يقتصر على إطلاق النار على المتظاهرين فحسب، بل أضاف شيئاً جديداً من إجرامه، كانت جمعة العشائر أول جمعة يستخدم فيها النظام الطيران المروحي في قمع المظاهرات في مدينة معرة النعمان، لم يكن بإمكاننا أن نصدق هذا الخبر لو سمعنا به فقط، ولكن شاهد المتظاهرون الذين كانوا بالآلاف بأعينهم هذا الإجرام، وهذه كانت تلك البداية لهذا الإجرام وراح يتفنن بقتلنا بالطيران الحربي بأشكاله وبالكيماوي والفوسفوري… الحمدلله باتت تلك الأيام من الذاكرة المؤلمة بعد سقوط النظام، والتاريخ لن يستطيع أن يذكر من تفاصيل ثورتنا إلا القليل لما مر علينا من أحداث لا يمكن للعقل أن يصدقها.
أما عبد القادر لهيب أحد المتظاهرين في المعرة فقد أوضح للحرية أن جمعة العشائر (10 حزيران/ يونيو 2011) كانت نقطة تحول في مسار الثورة في معرة النعمان، الأهالي والمتظاهرون كانوا قد حضّروا جيداً للمظاهرة، كنا ننسق مع العديد من الأشخاص من القرى، وسيتم الخروج في مظاهرة كبيرة جداً، نزل الأهالي إلى الطريق الدولي، وقطعوا الطريق الدولي من الجهة الشمالية والجنوبية، بأعداد كبيرة، وعلى مئذنة جامع الرحمن كان يوجد قناص تابع للنظام إلى جانب مفرزة أمن الدولة، الذي كان موجوداً على تقاطع الطرق في حي المساكن المطل على الطريق الدولي، والمظاهرة حصلت بشكل سلمي، والهتافات كانت جيدة في المظاهرة حتى بدأ عناصر مفرزة أمن الدولة باطلاق الرصاص الكثيف، والأعداد الكبيرة كانت موجودة في المظاهرة كلها ذهبت باتجاه الشوارع الفرعية الموجودة على الطريق الدولي، طبعاً خلال المظاهرة وبعد إطلاق النار، وصل المتظاهرون إلى محيط مفرزة أمن الدولة، سمعنا أصوات طائرات مروحية في أجواء معرة النعمان، بدأت تطلق الرصاص من السلاح الرشاش بشكل رهيب، فوق معرة النعمان، وقامت بقصف أول مدينة، فكانت معرة النعمان أول مدينة تقصف بالرشاشات، وتم استهداف معظم أحياء المدينة محيط المقبرة الشمالية (مقبرة الشيخ حمدان) وشارع المساكن، ومحيط الطريق الدولي، وعندما حصل القصف أصبحت الشوارع خالية في المدينة، وكان جميع الناس يتحصنون في الأبنية والشوارع الفرعية، والمدة التي حلقت فيها الطائرات في سماء معرة النعمان تجاوزت الساعتين إلى ثلاث ساعات، تم قصف مفرزة أمن الدولة من قبل الطائرات المروحية التي كانت موجودة في سماء المعرة، واحترق المبنى، واندلعت النيران فيه.
والمتظاهرون الذين كانوا موجودين حول المركز تفرقوا، وذهب كل شخص باتجاه، بقي الطيران حتى قبل الغروب، الناشطون يعلنون تحرير مدينة معرة النعمان في ليلة “جمعة العشائر”.. معرة النعمان محررة من نظام الأسد.. معرة النعمان لا يوجد فيها حتى عنصر شرطة واحد، يتبع لنظام الأسد، وطبعاً جميع الذين كانوا موجودين من عناصر البلدية، ومدير المنطقة، وغيره من قوات الأمن- بعد استهداف مفرزة الأمن، انسحبوا جميعاً، واضطر الأهالي وكل حي من الأحياء إلى أن يشكلوا لجاناً شعبية، لحماية الأحياء من قطاع الطرق واللصوص، وفي كل حي أصبح هناك تنسيقية ولجنة مهمتها حماية الحي، والخروج في دوريات وخاصة في الليل، حتى لا يحصل هناك سرقات، ولحماية المدينة بشكل عام، وبالفعل، تم هذا الأمر، وبقيت هذه التنسيقية خلال الأيام المتلاحقة حتى دخول النظام إلى معرة النعمان مجدداً.
من جهة أخرى أفاد مروان الإبراهيم متظاهر من قرية الغدفة أصيب خلال المظاهرة: كانت بداية يوم المجزرة في معرّة النعمان يوم جمعة العشائر مثل كل أيام الجمعة فيها، عندما تأخذ جموع المتظاهرين بالتدفق إليها من القرى والبلدات المحيطة بها لكي تحتشد بعشرات الألوف في المعرّة، في يوم الجمعة ذاك انضمت عدة عشائر إلى المتظاهرين الذين وصلت أعدادهم عند الساعة الثالثة ظهراً إلى نحو 70 ألفاً، وبعد انضمام جموع أخرى قادمة من القرى المجاورة إليهم قُدرت بحوالي 150 ألفاً، ثم توجهوا جميعاً نحو طريق دمشق_حلب الدولي لإغلاقه، وعندما بدأت أعداد المتظاهرين تخرج تماماً عن السيطرة بذاك الشكل بدأ رجال من قوات الأمن بإطلاق النار علينا في الرابعة عصراً، ونظراً للجموع الغفيرة المجتمعة في المكان فقد كانت بضع زخات من الرصاص كافية لإسقاط عشرات الشهداء خلال دقائق معدودة، وانا كنت أحد المصابين حيث استقرت رصاصة في يدي اليسرى، وتم إسعافي عبر دراجة نارية إلى عيادة أحد الأطباء، نظراً لصعوبة الوصول إلى مشفى المعرة الوطني، وفي ذلك الوقت كانت لا تزال مدن تلمنس وكفرنبل والمعرة نفسها تُقصف جواً بالمروحيات، وهرع السكان إلى الملاجئ هرباً من الخطر.
ومثلت مشاركة المروحيات العسكرية في إطلاق النار على المتظاهرين في معرة النعمان في جمعة العشائر (10 حزيران 2011) أول استخدام يكشف عنه للقوة الجوية لإخماد الاحتجاجات التي اندلعت في آذار 2011، وعلى خلفية تلك الأحداث أعلن تسعة من أعضاء حزب البعث الحاكم في معرة النعمان استقالتهم من الحزب احتجاجاً على ما وصفوه بقمع قوات الأمن للمتظاهرين.