الحرية:
تُعدُّ سوريا اليوم القضية الأولى في المنطقة بالنسبة للسفير الأميركي السابق جيمس جيفري الذي عمل مبعوثاً خاصاً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سوريا بين عامي 2018 و2020 وتسبق راهناً الموضوع النووي الإيراني والعديد من الملفات الشائكة الأخرى من بينها الموضوع الفلسطيني.
وفي حديثه لموقع «إندبندنت عربية»، أكد جيفري أنه يؤمن بأن الحلفاء العرب لواشنطن، مثل السعودية وقطر، يدركون حساسية اللحظة التاريخية، لكن التحدي الحقيقي كما يرى يكمن في إقناع ترامب نفسه بأن سوريا تستحق موقعاً متقدماً في أجندة أولوياته المتضخمة، مضيفاً: ترامب يصغي جيداً إلى أصدقائه العرب، وسيستمع إليهم في شأن سوريا إذا جعلوها أولوية قصوى على جدول الأعمال، أما إذا جاءت سوريا في المرتبة الخامسة أو السادسة فلن تحظى بأي اهتمام منه، مشيداً بالإعلان السعودي – القطري المشترك بسداد ديون سوريا لدى البنك الدولي.
توحيد موقف المجتمع الدولي تجاه دمشق
وأضاف في المقابلة التي أجريت ضمن برنامج «حوارات أميركية»: العرب يلعبون دوراً بالغ الأهمية، وأحثهم على استغلال نفوذهم الكبير لدفع إدارة ترامب نحو التركيز على سوريا، ولا سيما أنّ الدول الإقليمية كانت عنصراً حاسماً في استراتيجية إدارة ترامب الأولى، إذ عملنا مع مجموعة مصغرة على ملف سوريا ضمت مصر والسعودية والأردن، وتمكنا من الحفاظ على قدر كافٍ من الوحدة.
ويرى السفير السابق أن تشكيل الشرق الأوسط يكمن في عدة عوامل من بينها توحيد موقف المجتمع الدولي تجاه دمشق، بمعنى كما يقول بأنه يُمكن لترامب تشكيل الشرق الأوسط بطريقة توفر السلام والازدهار لشعوب المنطقة والأمن للعالم بأسره، بما في ذلك أمن الولايات المتحدة، إذا اغتنم الفرصة وواصل العمل على دمج «إسرائيل» والعرب، وهذا يشمل تحركاً في شأن القضية الفلسطينية وضمان بقاء سوريا موحدة وقوية، وتوحيد موقف المجتمع الدولي تجاه دمشق.
وحول الدور التركي الذي يشكل مخاوف للإقليم في أن تحل محل النفوذ الإيراني في سوريا, خاصة لما لأنقرة من دور بارز في الملف السوري اليوم باعتبارها أكبر داعم للحكم الجديد في دمشق، لفت المبعوث الأمريكي إلى أن تركيا طرف إقليمي مؤثر لكن ينبغي التعامل معها بواقعية، ومن غير الممكن أن تكون تركيا بديلاً عن إيران، فتركيا تركز بشكل رئيس على أوروبا، سواء من حيث الثقافة أو الروابط الاقتصادية، معرّجاً على هواجس تركيا الأمنية على حدودها الشمالية والشرقية، مثل القوقاز والبحر الأسود والبلقان، والتي يراها أسباباً كافية لعدم اعتقاده بأن أنقرة تمثل تهديداً في سوريا.
سياسات ترامب تجاه سوريا
وفيما يخص السياسات التي اتبعها ترامب في رئاسته الأولى تجاه سوريا وتبني واشنطن مبدأ «استقلالية القرار السوري» أشار جيفري إلى أن ترامب وجّه في أيلول 2018 رسالة صارمة للأسد وروسيا وإيران منعت هجوماً وشيكاً على إدلب، وتلتها لاحقاً مكالمة مباشرة بين وزير الخارجية مايك بومبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف، معتبراً أن موقف ترامب آنذاك نقطة تحول، إذ أظهر جديته في منع سقوط إدلب، لافتاً إلى أن إدارته قررت حينها إرسال مساعدات إلى إدلب دعماً للنازحين.
ومن المتعارف عليه أن جيفري أسهم في صياغة حزمة العقوبات على سوريا ومنها «قانون قيصر»، لكنه اليوم يدعو إلى إلغائها بأسرع وقت، بل ويحذر من أن استمرارها قد يقود الرئيس أحمد الشرع الذي قاتل إيران في الماضي إلى التحالف معها، على حد قوله، موضحاً أن العقوبات لم تفرض لإيذاء الحكومة السورية بحد ذاتها، بل لمعاقبة الأسد ودفع النظام البعثي القديم نحو إصلاحات تفضي إلى نشوء سوريا جديدة، قائلاً: لدينا بالفعل سوريا جديدة الآن، والمفارقة أنها تواجه ضغوطاً هائلة بسبب العقوبات، وأخشى أنه إذا لم يتمكن الشرع من الحصول على دعم الغرب والدول العربية والولايات المتحدة والمنظمات الدولية بسبب التبعات القانونية لهذه العقوبات، فقد يلجأ إلى إيران، ليس حباً فيها فقد قاتلها لأعوام، ولكن لعدم وجود أي خيار آخر، وهذا هو الخطر الحقيقي.
ويُبدي جيفري معارضته سحب القوات الأميركية من سوريا، مؤكداً أن الدولة الوحيدة التي تدفع باتجاه هذا الانسحاب هي إيران، وفي ضوء التقارير الأخيرة عن تقليص عدد الجنود الأميركيين قال: كثيراً ما حرص الرئيس ترامب على مراجعة انتشار القوات الأميركية حول العالم وكان متردداً في شأن إبقاء قواتنا في سوريا خلال عامي 2018 و2019، ومرتين اتخذ قراراً بالانسحاب لكنه اقتنع في النهاية بأن هذا الوجود يخدم أهدافاً استراتيجية، منها احتواء ما بقي من تنظيم «داعش» في البادية وشمال شرق سوريا، إضافة إلى منع تقدم الإيرانيين والروس.
المطالب الأمريكية
وحتى الآن لا تبدو واشنطن متحمسة لملء الفراغ الذي خلفه انحسار الدورين الروسي والإيراني، ويقرّ جيفري بأهمية أن تعزز إدارة ترامب انخراطها في الشأن السوري، لكنه يشير إلى أنها أوضحت موقفها عبر مجموعة المطالب التي قدمتها لحكومة الشرع، وقال لا أرى أن هناك فراغاً كاملاً، فهناك سياسة قائمة على مطالب واضحة، لكنها تقترب من الفراغ السياسي في قضية بهذه الأهمية”.
وأوضح الدبلوماسي السابق بأن إدارة ترامب لم تتجاهل الشرع، فقد أجرت اتصالات عدة معه ومع فريقه خلال اجتماعات دولية مختلفة، كما قدمت الولايات المتحدة قائمة من الأسئلة والقضايا المعقولة التي ترغب في معالجتها مع الحكومة الجديدة، بما يفتح المجال أمام توسيع الاستثناءات من العقوبات الحالية، وربما في نهاية المطاف رفع العقوبات، وقال: لا أعتقد أن هناك طلباً مباشراً للشرع بالاعتراف بـ«إسرائيل» لكن ما تطلبه الولايات المتحدة كما استنتجتُ هو أن تدعم حكومة الشرع الجهود الرامية لمنع سوريا من أن تعود منصة تهديد للمنطقة، وذلك عبر الإسهام في محاربة تنظيم «داعش» والتخلص من الجهاديين الأجانب الذين يحتلون مناصب نافذة داخل هيئة تحرير الشام وجهازها البيروقراطي.
وأشار جيفري إلى أن المطالب تشمل تحديد مواقع الأسلحة الكيمياوية والعثور على الأميركيين المفقودين، وأعتقد أننا نتلقى بالفعل بعض المساعدة في هذا الجانب، ودمج «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الخلفية الكردية في الدولة السورية بطريقة لا تهدد تركيا، وعدم السماح لإيران بالعودة واستخدام الأراضي السورية لتهديد «إسرائيل» أو غيرها من الدول، إضافة إلى عدم مهاجمة أو إساءة معاملة الأقليات.
ما يشعر جيفري بالأسف حياله ويعده خطأَ فادحاً هو غياب قنوات تواصل طبيعية ومستمرة لمناقشة توقيت وآلية تنفيذ المطالب الأميركية، ويصف ذلك بأنه تردد من جانب الولايات المتحدة في التواصل النشط مع الحكومة السورية، ويعزو هذا التردد إلى تباين الآراء داخل الحكومة الأميركية، تجاه الحكم الجديد.
مركز الأحداث
ويحذّر جيفري من تجاهل سوريا قائلاً: إنها القضية الأهم في الشرق الأوسط حالياً، حتى بالمقارنة مع الملف النووي الإيراني أو مع أحداث غزة، فسوريا هي مركز الأحداث اليوم، وإذا بقيت موحدة ومستقرة واستمر المجتمع الدولي داعماً لها، فلن تتمكن إيران من استعادة نفوذها ولن يستعيد تنظيم «داعش» قدراته، وستتوقف الفظائع التي شهدناها خلال الـ 20 عاماً الماضية في المنطقة، وسنكون أمام بداية جديدة لكنها مشروطة بالنجاح في سوريا.
وفي السياق، يحذر جيفري من تداعيات وجود مقاتلين من أقلية الإيغور، وهو ما قد يدفع الصين إلى لعب دور أكثر حسماً في الملف السوري، فباعتبارها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، تملك بكين أدوات مؤثرة مثل حق النقض الذي قد تستخدمه إما لكبح العقوبات عن دمشق أو لتعطيل مبادرات الدعم الدولي.
وإضافة إلى جانب نفوذها السياسي، يقول جيفري إن الصين شريك اقتصادي وتجاري رئيس في منطقة الشرق الأوسط، ويمكنها التأثير في الدول التي لديها علاقات عميقة معها مثل الإمارات والسعودية وقطر، ويمكن للصين مساعدة سوريا مباشرة أو إلحاق الأذى بها، لذا فهذا أمر مهم، وبكل الأحوال تجب إزالة هؤلاء المقاتلين من مواقعهم، مُتسائلاً: لماذا يقود المقاتلون الأجانب القوات في سوريا؟ إنهم ليسوا سوريين، وقد أوضحنا مع الأتراك أن المنطق نفسه ينطبق على المقاتلين غير السوريين في المستويات العليا في «قوات سوريا الديمقراطية» أو «وحدات حماية الشعب الكردية» أو «حزب العمال الكردستاني» فكلهم يجب أن يغادروا.
مصلحة الولايات المتحدة
ويبدي جيفري تفاؤله في المرحلة الانتقال الجارية في سوريا، إذا تم العمل على عدة مستويات أبرزها توحيد الموقف الدولي حيال ذلك نظراً إلى أن الدول العربية وتركيا وأوروبا، إضافة إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تتبنى مقاربة منفتحة تجاه حكومة الشرع، في حين لم تحسم الولايات المتحدة موقفها بعد وكذلك «إسرائيل» ولا سيما بعد بسط سيطرتها على مناطق قريبة من الجولان، إضافة إلى التنسيق مع الحكومة السورية الجديدة لمعالجة الهواجس الأمنية لدى كل طرف، تركيا ومخاوفها من «حزب العمال الكردستاني» وإسرائيل والأردن وقلقهما من الوجود الإيراني وحزب الله، إضافة إلى مصدر القلق المشترك لدى الجميع وهو عودة «داعش»، إلى جانب دعم الاقتصاد السوري والإسهام في إعادة إعماره، وهو ما يعدّه جيفري درساً بالغ الأهمية استخلصه من تجارب المنطقة خلال الأعوام الـ 14 الماضية، بما فيها من إخفاقات وفرص.