جيمس جيفري: سوريا مركز الأحداث والقضية الأهم في الشرق الأوسط

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية:‏

تُعدُّ سوريا اليوم القضية الأولى في المنطقة بالنسبة للسفير الأميركي السابق جيمس جيفري الذي ‏عمل مبعوثاً خاصاً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سوريا بين عامي 2018 و2020 وتسبق راهناً ‏الموضوع النووي الإيراني والعديد من الملفات الشائكة الأخرى من بينها الموضوع الفلسطيني.‏

وفي حديثه لموقع «إندبندنت عربية»، أكد جيفري أنه يؤمن بأن الحلفاء العرب لواشنطن، مثل السعودية ‏وقطر، يدركون حساسية اللحظة التاريخية، لكن التحدي الحقيقي كما يرى يكمن في إقناع ترامب نفسه ‏بأن سوريا تستحق موقعاً متقدماً في أجندة أولوياته المتضخمة، مضيفاً: ترامب يصغي جيداً إلى أصدقائه ‏العرب، وسيستمع إليهم في شأن سوريا إذا جعلوها أولوية قصوى على جدول الأعمال، أما إذا جاءت ‏سوريا في المرتبة الخامسة أو السادسة فلن تحظى بأي اهتمام منه، مشيداً بالإعلان السعودي – القطري ‏المشترك بسداد ديون سوريا لدى البنك الدولي.‏

توحيد موقف المجتمع الدولي تجاه دمشق

وأضاف في المقابلة التي أجريت ضمن برنامج «حوارات أميركية»: العرب يلعبون دوراً بالغ الأهمية، ‏وأحثهم على استغلال نفوذهم الكبير لدفع إدارة ترامب نحو التركيز على سوريا، ولا سيما أنّ الدول ‏الإقليمية كانت عنصراً حاسماً في استراتيجية إدارة ترامب الأولى، إذ عملنا مع مجموعة مصغرة على ‏ملف سوريا ضمت مصر والسعودية والأردن، وتمكنا من الحفاظ على قدر كافٍ من الوحدة.‏

ويرى السفير السابق أن تشكيل الشرق الأوسط يكمن في عدة عوامل من بينها توحيد موقف المجتمع ‏الدولي تجاه دمشق، بمعنى كما يقول بأنه يُمكن لترامب تشكيل الشرق الأوسط بطريقة توفر السلام ‏والازدهار لشعوب المنطقة والأمن للعالم بأسره، بما في ذلك أمن الولايات المتحدة، إذا اغتنم الفرصة ‏وواصل العمل على دمج «إسرائيل» والعرب، وهذا يشمل تحركاً في شأن القضية الفلسطينية وضمان ‏بقاء سوريا موحدة وقوية، وتوحيد موقف المجتمع الدولي تجاه دمشق.‏

وحول الدور التركي الذي يشكل مخاوف للإقليم في أن تحل محل النفوذ الإيراني في سوريا, خاصة لما ‏لأنقرة من دور بارز في الملف السوري اليوم باعتبارها أكبر داعم للحكم الجديد في دمشق، لفت المبعوث ‏الأمريكي إلى أن تركيا طرف إقليمي مؤثر لكن ينبغي التعامل معها بواقعية، ومن غير الممكن أن تكون ‏تركيا بديلاً عن إيران، فتركيا تركز بشكل رئيس على أوروبا، سواء من حيث الثقافة أو الروابط ‏الاقتصادية، معرّجاً على هواجس تركيا الأمنية على حدودها الشمالية والشرقية، مثل القوقاز والبحر ‏الأسود والبلقان، والتي يراها أسباباً كافية لعدم اعتقاده بأن أنقرة تمثل تهديداً في سوريا.‏

سياسات ترامب تجاه سوريا

وفيما يخص السياسات التي اتبعها ترامب في رئاسته الأولى تجاه سوريا وتبني واشنطن مبدأ «استقلالية ‏القرار السوري» أشار جيفري إلى أن ترامب وجّه في أيلول 2018 رسالة صارمة للأسد وروسيا وإيران ‏منعت هجوماً وشيكاً على إدلب، وتلتها لاحقاً مكالمة مباشرة بين وزير الخارجية مايك بومبيو ونظيره ‏الروسي سيرغي لافروف، معتبراً أن موقف ترامب آنذاك نقطة تحول، إذ أظهر جديته في منع سقوط ‏إدلب، لافتاً إلى أن إدارته قررت حينها إرسال مساعدات إلى إدلب دعماً للنازحين.‏

ومن المتعارف عليه أن جيفري أسهم في صياغة حزمة العقوبات على سوريا ومنها «قانون قيصر»، ‏لكنه اليوم يدعو إلى إلغائها بأسرع وقت، بل ويحذر من أن استمرارها قد يقود الرئيس أحمد الشرع الذي ‏قاتل إيران في الماضي إلى التحالف معها، على حد قوله، موضحاً أن العقوبات لم تفرض لإيذاء الحكومة ‏السورية بحد ذاتها، بل لمعاقبة الأسد ودفع النظام البعثي القديم نحو إصلاحات تفضي إلى نشوء سوريا ‏جديدة، قائلاً: لدينا بالفعل سوريا جديدة الآن، والمفارقة أنها تواجه ضغوطاً هائلة بسبب العقوبات، وأخشى ‏أنه إذا لم يتمكن الشرع من الحصول على دعم الغرب والدول العربية والولايات المتحدة والمنظمات ‏الدولية بسبب التبعات القانونية لهذه العقوبات، فقد يلجأ إلى إيران، ليس حباً فيها فقد قاتلها لأعوام، ولكن ‏لعدم وجود أي خيار آخر، وهذا هو الخطر الحقيقي.‏

ويُبدي جيفري معارضته سحب القوات الأميركية من سوريا، مؤكداً أن الدولة الوحيدة التي تدفع باتجاه ‏هذا الانسحاب هي إيران، وفي ضوء التقارير الأخيرة عن تقليص عدد الجنود الأميركيين قال: كثيراً ما ‏حرص الرئيس ترامب على مراجعة انتشار القوات الأميركية حول العالم وكان متردداً في شأن إبقاء ‏قواتنا في سوريا خلال عامي 2018 و2019، ومرتين اتخذ قراراً بالانسحاب لكنه اقتنع في النهاية بأن ‏هذا الوجود يخدم أهدافاً استراتيجية، منها احتواء ما بقي من تنظيم «داعش» في البادية وشمال شرق ‏سوريا، إضافة إلى منع تقدم الإيرانيين والروس.‏

المطالب الأمريكية

وحتى الآن لا تبدو واشنطن متحمسة لملء الفراغ الذي خلفه انحسار الدورين الروسي والإيراني، ويقرّ ‏جيفري بأهمية أن تعزز إدارة ترامب انخراطها في الشأن السوري، لكنه يشير إلى أنها أوضحت موقفها ‏عبر مجموعة المطالب التي قدمتها لحكومة الشرع، وقال لا أرى أن هناك فراغاً كاملاً، فهناك سياسة ‏قائمة على مطالب واضحة، لكنها تقترب من الفراغ السياسي في قضية بهذه الأهمية”.‏

وأوضح الدبلوماسي السابق بأن إدارة ترامب لم تتجاهل الشرع، فقد أجرت اتصالات عدة معه ومع فريقه ‏خلال اجتماعات دولية مختلفة، كما قدمت الولايات المتحدة قائمة من الأسئلة والقضايا المعقولة التي ‏ترغب في معالجتها مع الحكومة الجديدة، بما يفتح المجال أمام توسيع الاستثناءات من العقوبات الحالية، ‏وربما في نهاية المطاف رفع العقوبات، وقال: لا أعتقد أن هناك طلباً مباشراً للشرع بالاعتراف ‏بـ«إسرائيل» لكن ما تطلبه الولايات المتحدة كما استنتجتُ هو أن تدعم حكومة الشرع الجهود الرامية ‏لمنع سوريا من أن تعود منصة تهديد للمنطقة، وذلك عبر الإسهام في محاربة تنظيم «داعش» والتخلص ‏من الجهاديين الأجانب الذين يحتلون مناصب نافذة داخل هيئة تحرير الشام وجهازها البيروقراطي.‏

وأشار جيفري إلى أن المطالب تشمل تحديد مواقع الأسلحة الكيمياوية والعثور على الأميركيين المفقودين، ‏وأعتقد أننا نتلقى بالفعل بعض المساعدة في هذا الجانب، ودمج «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الخلفية ‏الكردية في الدولة السورية بطريقة لا تهدد تركيا، وعدم السماح لإيران بالعودة واستخدام الأراضي ‏السورية لتهديد «إسرائيل» أو غيرها من الدول، إضافة إلى عدم مهاجمة أو إساءة معاملة الأقليات.‏

ما يشعر جيفري بالأسف حياله ويعده خطأَ فادحاً هو غياب قنوات تواصل طبيعية ومستمرة لمناقشة توقيت ‏وآلية تنفيذ المطالب الأميركية، ويصف ذلك بأنه تردد من جانب الولايات المتحدة في التواصل النشط مع ‏الحكومة السورية، ويعزو هذا التردد إلى تباين الآراء داخل الحكومة الأميركية، تجاه الحكم الجديد.‏

مركز الأحداث

ويحذّر جيفري من تجاهل سوريا قائلاً: إنها القضية الأهم في الشرق الأوسط حالياً، حتى بالمقارنة مع ‏الملف النووي الإيراني أو مع أحداث غزة، فسوريا هي مركز الأحداث اليوم، وإذا بقيت موحدة ومستقرة ‏واستمر المجتمع الدولي داعماً لها، فلن تتمكن إيران من استعادة نفوذها ولن يستعيد تنظيم «داعش» ‏قدراته، وستتوقف الفظائع التي شهدناها خلال الـ 20 عاماً الماضية في المنطقة، وسنكون أمام بداية جديدة ‏لكنها مشروطة بالنجاح في سوريا.‏

وفي السياق، يحذر جيفري من تداعيات وجود مقاتلين من أقلية الإيغور، وهو ما قد يدفع الصين إلى لعب ‏دور أكثر حسماً في الملف السوري، فباعتبارها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، تملك بكين أدوات ‏مؤثرة مثل حق النقض الذي قد تستخدمه إما لكبح العقوبات عن دمشق أو لتعطيل مبادرات الدعم الدولي.‏

وإضافة إلى جانب نفوذها السياسي، يقول جيفري إن الصين شريك اقتصادي وتجاري رئيس في منطقة ‏الشرق الأوسط، ويمكنها التأثير في الدول التي لديها علاقات عميقة معها مثل الإمارات والسعودية ‏وقطر، ويمكن للصين مساعدة سوريا مباشرة أو إلحاق الأذى بها، لذا فهذا أمر مهم، وبكل الأحوال تجب ‏إزالة هؤلاء المقاتلين من مواقعهم، مُتسائلاً: لماذا يقود المقاتلون الأجانب القوات في سوريا؟ إنهم ليسوا ‏سوريين، وقد أوضحنا مع الأتراك أن المنطق نفسه ينطبق على المقاتلين غير السوريين في المستويات ‏العليا في «قوات سوريا الديمقراطية» أو «وحدات حماية الشعب الكردية» أو «حزب العمال ‏الكردستاني» فكلهم يجب أن يغادروا.‏

مصلحة الولايات المتحدة

ويبدي جيفري تفاؤله في المرحلة الانتقال الجارية في سوريا، إذا تم العمل على عدة مستويات أبرزها ‏توحيد الموقف الدولي حيال ذلك نظراً إلى أن الدول العربية وتركيا وأوروبا، إضافة إلى الأمم المتحدة ‏والمنظمات الدولية، تتبنى مقاربة منفتحة تجاه حكومة الشرع، في حين لم تحسم الولايات المتحدة موقفها ‏بعد وكذلك «إسرائيل» ولا سيما بعد بسط سيطرتها على مناطق قريبة من الجولان، إضافة إلى التنسيق ‏مع الحكومة السورية الجديدة لمعالجة الهواجس الأمنية لدى كل طرف، تركيا ومخاوفها من «حزب ‏العمال الكردستاني» وإسرائيل والأردن وقلقهما من الوجود الإيراني وحزب الله، إضافة إلى مصدر القلق ‏المشترك لدى الجميع وهو عودة «داعش»، إلى جانب دعم الاقتصاد السوري والإسهام في إعادة إعماره، ‏وهو ما يعدّه جيفري درساً بالغ الأهمية استخلصه من تجارب المنطقة خلال الأعوام الـ 14 الماضية، ‏بما فيها من إخفاقات وفرص.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار