الحرية – عمار الصبح:
على أطلال منزله شبه المدمر في منطقة درعا البلد، يقف أنور /54/ عاماً وهو ينظر بحسرة إلى ذكرياته المدفونة تحت أنقاض متراكمة, خلّفها قصف قوات النظام البائد للمنطقة، ما أحال أبنيتها إما إلى مدمرة كلياً أو لأخرى آيلة للسقوط.
أنور الذي عاد من الأردن إثر سقوط النظام البائد وبعد رحلة تهجير استمرت 12 عاماً، يحار من أين سيبدأ بترميم منزله، فالتكاليف كما يقول مرتفعة ولا قدرة له على تحملها، فيما لا تزال أمامه التزامات أخرى عليه القيام بها في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وندرة في فرص العمل.
يبين أنور في حديثه لصحيفة الحرية، أنّ المباني المدمرة هي أكبر تحدٍ يواجه العائدين إلى مدنهم وقراهم، فحجم الدمار كبير والإمكانات المادية محدودة، وتكلفة ترميم المنزل تزيد على 15 ألف دولار، هذا فضلاً عن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الخدمية من شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، والتي قد تحتاج وقتاً طويلاً لتأهيلها.
ظروف يصفها الرجل الخمسيني بالسيئة، لكنه يؤكد أنه “ليس نادماً” على العودة، مبدياً عزمه على البدء بالعمل بالتدريج، وتجهيز ولو غرفة واحدة مع المرافق تؤويه وعائلته ريثما تتحسن أحواله.
همُّ التكاليف
لا يختلف حال أنور عن آلاف العائدين إلى ديارهم في مدينة درعا وغيرها من المدن والقرى بعد سقوط النظام، فحالته وإن اختلفت بتفاصيلها، لكنها تتطابق بعموميتها، فحتى أولئك الذين بدت منازلهم أقل تضرراً، وقفوا شبه عاجزين عن فعل شيء أمام كلف اقتصادية تبدو مرتفعة بالنسبة لعائلات كانت تعيش يوماً بيوم في مخيمات اللجوء.
تعرض 20 حياً من أحياء المدينة البالغة 25 حياً لأضرار كبيرة وبنسبة تصل لنحو 90%
أحمد المصطفى الذي عاد منذ قرابة الشهر، لا يزال في طور الترتيبات للانطلاق بترميم منزله، يعيد حساباته مرة تلو أخرى خشية الوقوع في فخ مغامرة قد لا يكون قادراً على خوض غمارها.
يقول المصطفى: “في الأيام الأولى لقدومنا مكثت عند أحد الأقارب، كان المخطط أن أشرع فوراً في إعادة ترميم المنزل، ولكن “حساب القرايا لم ينطبق على حساب السرايا”، فحجم الدمار كان أكبر مما كنت أعتقد، والتكاليف أيضاً فاقت كل حساباتي وأيقنت أن الأمر يحتاج إلى وقت أطول، ما اضطرني لاستئجار منزل ريثما أبدأ بترتيب أموري”.
لا يعتقد الرجل أن مجهوداً فردياً سيكون قادراً على تحمل كل هذا العبء، فأي عملية ترميم، حتى ولو كانت بسيطة، ستكون تكلفتها بالملايين حسب قوله، وحاله كحال معظم العائدين من دول اللجوء الذين يفتقرون إلى الموارد اللازمة لترميم منازلهم، يعتبرون أن دعم المنظمات الدولية في هذا الصدد يعد أمراً حيوياً لتخفيف معاناتهم.
ورغم الدمار الذي لحق بمعظم مدن وقرى المحافظة، تظل منطقة درعا البلد من أكثر مناطق المحافظة تضرراً، وحسب إحصائية لمجلس المدينة فقد تعرض 20 حياً من أحياء المدينة البالغة 25 حياً لأضرار كبيرة وبنسبة تصل لنحو 90%، وهذه الأضرار الكبيرة تركزت في أحياء درعا البلد وحي طريق السد والمخيم.
وبينت الإحصائية أن نحو 2629 بناءً متضرراً ومهدماً بشكل كامل، ونحو 2463 بناءً متضرراً بشكل جزئي ونحو 866 بناءً متضرراً وبحاجة للإكساء بشكل كامل، بينما هناك نحو 6114 بناءً متضرراً بشكل طفيف، ولعل هذه النسب من الأضرار والدمار الذي لحق بمدينة درعا، تنطبق أيضاً على جميع مدن ومناطق وبلدات المحافظة وبنسب متفاوتة.
دعوة للتكاتف
في منطقة درعا البلد وغيرها الكثير من مدن وقرى المحافظة التي تعرضت لقصف قوات النظام السابق، يبذل بعض العائدين جهوداً حثيثة لترميم منازلهم، بعضهم نجح في المهمة فيما ينتظر غيرهم أن تتسارع عجلة إعادة الإعمار ودخول منظمات دولية للمساعدة، وهو ما يتطلع كثيرون إلى حصوله سريعاً، وإلا فالانتظار سيكون طويلاً كما يقولون، ما يوقعهم في حالة من عدم اليقين حيال قدرتهم على تأهيل ما تم تدميره.
وفي هذا الصدد، يبين محمود الزعبي وهو أحد العاملين في الشأن الإنساني والإغاثي، أنّ الهاجس الأول لأغلبية العائدين هو إيجاد سكن مؤقت، وخصوصاً لأولئك الذين دمرت منازلهم إما عن طريق الاستئجار أو من خلال ترميم جزء بسيط من المنزل لسد الحاجة موقتاً، وفي كلتا الحالتين يكون الأمر بحاجة إلى تكاليف مادية ليست بالهينة، وخصوصاً أن كثيراً من العائدين ليست لديهم الملاءة المادية الكافية.
وأضاف: “الجميع يتطلع إلى بناء حياة جديدة، وبعض العائدين يجتهدون في إصلاح ما أمكن من بيوتهم المدمرة، لكن الرغبة وحدها لا تكفي، فالأمر بحاجة إلى تكاتف المجتمع المحلي في كل قرية وبلدة، إضافة إلى الجمعيات الخيرية والإغاثية للوقوف إلى جانب العائدين الذين دُمرت منازلهم ومدّ يد المساعدة لهم، إلى أن تتهيأ الظروف لدوران عجلة مشاريع إعادة الإعمار والتمويل الدولي.