حضرت الجامعات والأساتذة والطلاب وغاب الكتاب.. خلل مزمن يتوعّد مخرجات التعليم العالي في سوريا

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحريّة- نهى علي:

لدينا في سوريا جامعات كثيرة، وأساتذة جامعيون مشهود لهم بالكفاءة.. لكن المفارقة أن ليس لدينا كتاب جامعي.
ولكي نكون أكثر دقة.. علينا أن نشير إلى أنه لدينا كتب في كافة الكليات الجامعية، وكافة الجامعات، لكنها باتت قديمة تعود إلى عشرات السنين، ولم تعد متوافقة بمحتواها مع مجريات عالم يتطور يومياً ولحظياً، فباتت عبئاً على الجامعة والأستاذ والطالب.

الأمر الذي أملى على الأساتذة الجدد إلقاءها جانباً واللجوء إلى طريقة “النوتة” حرصاً على تضمين محاضراتهم ما يفي بتقديم معارف جديدة لطلابهم، وهذا على الرغم من الجهد الذي يبذله الأستاذ يختصر حالة الخلل والتشتت الهائل الذي يعتري العملية التعليمية، وأكثر من ذلك يرى بعض المتابعين عن قرب أنه أثر على مخرجات التعليم العالي السوري بشكل بات ملموساً.

مواكبة

يرى الأستاذ الدكتور عمار التركاوي، أستاذ القانون العام بجامعة دمشق، أن موضوع الكتاب الجامعي بالغ الأهمية في الحياة العلمية والأكاديمية، سواء بالنسبة للطالب أو الأستاذ الجامعي، حيث أنه يتضمن أحدث المعارف والعلوم التي تواكب التطورات التي يشهدها عالمنا المعاصر.
ويضيف د. التركاوي في تصريحه لصحيفتنا “الحرية”: بالنسبة للكتب الجامعية في كلية الحقوق بجامعة دمشق، التي أتشرف بالانتماء إلى عضوية الهيئة التدريسية فيها، فهي من الأمور الجوهرية والحيوية التي تخدم العملية التدريسية والبحث العلمي القانوني، لذلك ينبغي أن تواكب هذه الكتب أحدث التطورات التشريعية والقانونية التي يشهدها بلدنا الحبيب، وأعتقد أنه سيشهد  تطوراً نوعياً في ظل العهد الجديد، وسيتم سن العديد من القوانين أو تعديل التشريعات السابقة بما ينسجم مع التوجهات والتطورات المجتمعية في سوريا الجديدة.

د. التركاوي: انخفاض قيمة التعويض المادّي لتأليف الكتاب وغياب رؤية واضحة

حلول

يشير  أستاذ القانون العام إلى أن هنالك صعوبات عدة واجهت موضوع التأليف والكتب الجامعية، لعل أهمها انخفاض قيمة التعويض المادي المقرر للأستاذ الجامعي لقاء قيامه بالتأليف، إضافة لعدم وجود رؤية واضحة تضبط عملية التأليف الجامعي.

هنا نصل إلى السؤال الأهم وهو ما الحل؟
في إجابته يقدم الدكتور التركاوي عدة اقتراحات.. فهو يرى أنه لا بدّ أولاً من رفع قيمة التعويض المادي للأستاذ الجامعي، لقاء تأليفه الكتاب، وعدم الاقتصار على تأليف الكتب الجامعية المقررة كمواد دراسية لطلاب الجامعة، بل من الضروري رفد المكتبة بمراجع جامعية متخصصة تفيد طلاب الدراسات العليا وأعضاء الهيئة التعليمية عموماً.

من الضروري عدم الاقتصار على تأليف الكتب المقررة كمواد دراسية ورفد المكتبات بمراجع إثرائية

تحفيز

ويقترح أيضاً، أسوة ببعض الدول العربية.. إعطاء المؤلف نسبة من مبيعات الكتب التي يقوم بتأليفها، ولتكن ٥٪ مثلاً طيلة وجود الكتاب كمقرر للطلاب، فهذا الأمر يشجع الأساتذة على التأليف، ومن الضروري إنشاء هيئة عامة متخصصة بقضايا التأليف الجامعي، ويمكن تسميتها الهيئة العامة للكتب والمراجع الجامعية، ومنحها استقلال مالي وإداري وشخصية اعتبارية مستقلة، مع خضوعها لإشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتؤسس من خلال بناء إداري وهيكلي قانوني متماسك للقيام بدورها بالشكل الأمثل.

إعطاء المؤلف نسبة من مبيعات الكتب التي يؤلّفها

ويضيف أستاذ القانون.. أنه من الضروري شراء الكتب والمراجع القانونية من معارض الكتاب التي تقام في سوريا وفي الدول العربية الشقيقة، لإثراء المكتبة القانونية السورية وتمكين طلابنا من الاستفادة منها.

تقزيم العلم والمعرفة

يؤكد د. التركاوي أنه لمن الأمور الخطيرة والمستهجنة.. اعتماد الطلاب على الملخصات والنوطات الموجودة في المكتبات الخاصة، لأن هذه النوطات تقزم العلم وتختصر المعلومات وتشوهها، مما يؤثر على جودة وسلامة العملية التعليمية.
وهنا يقترح توحيد الكتب الجامعية في كليات الحقوق السورية مع ضرورة وجود الكتاب الإلكتروني كرديف مهم، إلى جانب الكتاب الورقي لا سيما أننا في عصر الثورة التكنولوجية والتحول الرقمي.
كما أنه الضروري تنظيم ندوات وورشات عمل وطنية بشكل دوري تناقش قضية التأليف الجامعي والكتاب والمراجع الجامعية، واستعراض الصعوبات التي تواجهها ووضع الحلول والتوصيات لمواجهة هذه الصعوبات بصورة موضوعية.

كما يقترح د. التركاوي، إنشاء مسابقة وطنية لاختيار الكتاب الجامعي الأفضل في كل عام في مختلف المجالات المعرفية، سواء كانت طبية أو هندسية أو في العلوم الإنسانية، فهذا الأمر يعد – من وجهة نظره – أيضاً حافزً مهما للأساتذة يشجعهم على التأليف ورفد المكتبة الوطنية بالكتب الحديثة، مما يعود إيجابا على عملية التطوير الفكري والمعرفي في سورية الحبيبة.

مسؤولية الطالب

من جانبه يسلّم الدكتور مظهر يوسف أستاذ الاقتصاد والسياسات التسويقية في جامعة دمشق.. بافتقار معظم كليات الجامعات السورية لمقررات أو كتب جديدة، وهذا برأيه يعود لعدة عوامل..

د. يوسف: الطالب يبحث عن النجاح بأسهل الطرق ويبحث عن الملخصات

منها عوامل تتعلق بالطالب، الذي يبحث عن النجاح بأسهل وأيسر الطرق، من خلال الاعتماد على ملخصات المكتبات (التي انتشرت كثيراً في السنوات الأخيرة)، وأسئلة الدورات المحلولة.

مسؤولية الأستاذ

وهناك عوامل تتعلق بالأستاذ ترتبط أساساً بضعف الحافز المادي، فتأليف كتاب يحتاج من الأستاذ من عام الى عامين، حيث كانت التعويضات سابقاً زهيدة جداً، وحالياً تتراوح أجور التعويضات لتأليف الكتب الجامعية من /300/ ألف ل.س لتصل كحد أقصى إلى /5/ ملايين ل.س للكتاب اذا كان مؤلفاً من /500/ صفحة، وفي حال تشارك أكثر من أستاذ سيوزع المبلغ عليهم، وبالتالي يبقى العائد المادي ضعيف وغير محفز، أيضاً بالنسبة لترفيع الأستاذ يحسب للكتاب /6/ نقاط كحد أقصى وهي نفس النقاط التي ينالها الأستاذ عند إنجاز بحث محكم أو مقبول للنشر، وبالتالي تأليف مقال أسهل من تأليف كتاب، كما أن الأنظمة الجامعية لا تسمح للأستاذ إلا بتأليف كتاب واحد كل عامين.

تأليف الكتاب قد يحتاج إلى مدة عامين ولابد من زيادة أجور التأليف

يضاف إلى ذلك عدم توفر الظروف المناسبة للأستاذ ليقوم بتأليف كتاب، حيث يحتاج إلى بعض التفرغ لهذه المهمة، في حين نراه في سباق مع المحاضرات والامتحانات الجامعية التي أصبحت على مدار العام بالإضافة الى التدريس في أكثر من مكان ليضمن معيشته، إضافة الى انقطاع الكهرباء وضعف الأنترنيت يؤثر سلباً على هذا الموضوع.

الجامعات الخاصة مقصرة

كذلك اعتمدت الجامعات الخاصة على كتب جامعة دمشق أو على أمليات الأساتذة المدرسين، وبالتالي لم تشجع على التأليف.

كل الظروف محبطة للأستاذ ولا حوافز مشجعة للتأليف

بالمحصلة كل الظروف المحيطة محبطة للأستاذ ولا يوجد أي حافز حقيقي للتأليف.

أخيراً.. لا بد من الإسراع بحل مشكلة الكتاب الجامعي التي تعود في مجملها إلى ضعف البدل المادي الذي يمنح للأستاذ لقاء تأليف كتاب جامعي لرفد وإغناء المنهاج.. ولا بد من إقرار مقابل مادي مجزٍ لتحفيز حركة التأليف كي يصار إلى ردم الفجوة الكبيرة في هذا المجال..
ويؤكد الجميع على الإسراع بالبت في موضوع البدل المادي للتأليف، كي يشرع الأساتذة مباشرة بإنجاز مقررات جامعية حديثة تواكب المتغيرات المتسارعة في هذا العالم، فلو بدأوا اليوم سيحتاجون إلى عام أو عامين لإنجاز المهمة.. لذا نقول بضرورة الإسراع بإقرار بدلات مادية مجزية.

Leave a Comment
آخر الأخبار