الحرية- وديع فايز الشماس:
لم تكن حوران يوماً مجرد رقعة جغرافية في جنوب سوريا، بل كانت على الدوام إقليماً فاعلاً في صناعة التاريخ، ومخزوناً استراتيجياً للقمح، ومهداً للتحولات السياسية والاجتماعية الكبرى. بسهلها الخصيب ومدنها العريقة، استطاعت حوران أن تحجز لنفسها موقعاً ثابتاً في الذاكرة السورية منذ آلاف السنين.
أولاً- موقع استراتيجي.. وسهل لا يخون
تقع منطقة حوران في جنوب سوريا، وتضم تاريخياً محافظتي درعا والسويداء وكذلك أجزاء من ريف دمشق الجنوبي، وتحدّها الأردن جنوباً، والجولان غرباً، والبادية السورية شرقاً، هذا الموقع جعلها حلقة وصل بين الشام والجزيرة العربية، وأكسبها أهمية اقتصادية وعسكرية مستمرة عبر العصور.
ثانياَ- من أورانيتس إلى بصرى الشام
عرفت حوران الاستقرار البشري منذ الألف الثالث قبل الميلاد، حين سكنها الكنعانيون والآراميون، وعُرفت في المصادر القديمة باسم «أورانيتس»، ومع دخولها العهدين اليوناني والروماني، بلغت أوج ازدهارها حين أصبحت بصرى الشام عاصمة الولاية العربية الرومانية، وشهدت نهضة عمرانية لا تزال آثارها شاهداً حياً حتى اليوم، وعلى رأسها المسرح الروماني الشهير.
ثالثاً – حوران في صدر الإسلام
دخلت حوران الإسلام عام 13 هـ / 634 م، وكانت من أولى مناطق الشام التي احتضنت الدولة الإسلامية، لعبت دوراً اقتصادياً حاسماً في دعم الدولة بالحبوب، وبرز منها علماء وقضاة وقادة، كما اكتسبت أهمية خاصة لوقوعها على طريق الحج الشامي.
رابعاً- العهد العثماني: القمح والثورة
في العصر العثماني، تحوّلت حوران إلى مخزون استراتيجي للحبوب، لكنها في الوقت ذاته شهدت صداماً مستمراً مع السلطة المركزية بسبب الضرائب ونظام الالتزام، ولم يكن غريباً أن تكون مسرحاً متكرراً للثورات الفلاحية، تعبيراً عن روح التمرّد والدفاع عن الكرامة.
خامساً- حوران واللحظة السورية المعاصرة
في التاريخ السوري الحديث، عادت حوران إلى واجهة المشهد، حين كانت مدينة درعا عام 2011 الشرارة الأولى للاحتجاجات الشعبية ومنها كانت الشرارة الأولى للثورة السورية ضد نظام الطغيان ، ومنذ ذلك الحين، ارتبط اسم حوران سياسياً بمفاهيم الكرامة والاحتجاج السلمي والمطالبة بالحق.
سادساً- بماذا تشتهر حوران؟
إلى جانب تاريخها، تشتهر حوران بأنها:
– سلة غذاء سوريا بفضل إنتاجها الواسع من القمح والشعير والبقوليات والزيتون والعنب
– مجتمع ذو طابع عشائري متماسك تحكمه قيم النخوة والجيرة ونصرة المظلوم
– موطن شخصيات وطنية لعبت أدواراً بارزة في الثورات والسياسة والجيش
– منطقة ذات تراث معماري فريد يعتمد على الحجر البازلتي الأسود
– حاضنة لتراث شعبي غني بالدبكة الحورانية والأغاني والأمثال المتداولة حتى اليوم
خلاصة القول: تبقى حوران أكثر من مجرد اسم على الخريطة؛ إنها اختزال لسوريا الزراعية والسياسية والإنسانية، أرضٌ لا تُنجب القمح فحسب، بل تصنع المواقف، وتحفظ الذاكرة، وتعيد إنتاج دورها التاريخي كلما تغيّرت الأزمنة.