الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:
هل هذا يعني أن ترامب يجهل إيران فيطلق التهديدات لها ولقيادتها الأعلى من دون قدرة على التنفيذ، أم إنه يعرفها ومستعد لكل النتائج؟
يُقال في عاميتنا «الكلام ما عليه جمرك» وهذا المثل يجوز كمبدأ في السياسة، وفي الحروب أيضاً، إذا ما أسقطناه كتصريح، فعندما تجنح الأطراف للتفاوض والسلم يتم وضع جميع التهديدات جانباً، فتتقارب الأكف لتتصافح، مُعلنة التوافق والاتفاق.
لا شك في أن ترامب يدرك أكثر من غيره أن طلبه من إيران «الاستسلام الكامل غير المشروط» هو طلب فيه الكثير من المبالغة/اللاواقعية، وأن إيران سترد عليه كما هو متوقع: «سنرد بحزم وبلا تردد».. فيما المرشد الأعلى علي الخامنئي قالها بطريقته: من يعرفنا لا يهددنا..«العقلاء الذين يعرفون إيران وشعبها وتاريخها، لا يخاطبون هذا الشعب بلغة التهديد،لأن الشعب الإيراني لا يمكن إخضاعه».
في إسرائيل يسود اعتقاد بأن الولايات المتحدة ستنضم قريباً للحرب، وأن ترامب سيرغب «بأن يُذكر كمن كان جزءاً من إسقاط النظام الإيراني، وليس كمن بقي على الهامش في أهم حدث أمني في القرن الحادي والعشرين».
هذا الاعتقاد مردّه أن ترامب يوحي على الدوام لإسرائيل بأنه إذا ما احتاجت إسرائيل انضمام أمريكا للحرب، فإنه لن يتردد، وربما يكون أطلق وعداً بذلك، فهو لا يزال يصرّح بأنه راضٍ تماماً عن سير الهجوم الإسرائيلي ولا يريده في هذه المرحلة أن يتوقف.
ولكن إلى متى تستطيع إسرائيل الاستمرار على هذا الوضع، أي الاستمرار في الصد والهجوم؟
إيران تعلن أنها لن تتوقف عن الرد الهجومي طالما أن إسرائيل مستمرة في الضربات الهجومية، هذا يعني أن الحال مستمر إلى ما لا نهاية على قاعدة أن الفوز يناله من يستطيع أن يصمد أكثر. وإيران تبدو واثقة من فوزها، وترامب كذلك عندما يعلن أنه لن يسمح لها بالفوز.. وإذا كان ترامب لن يسمح لإيران بالفوز فإن ذلك يحتم عليه أن يتخذ قرار الدخول في الحرب في المرحلة المقبلة، فمن دون ذلك ستفوز إيران.
بالمقابل.. في أميركا، يسود اعتقاد أن إسرائيل لن تصمد طويلاً، وهذا ما سيجر الولايات المتحدة نحو التورط بالحرب. ويبدو أن إسرائيل تعمدت وخططت لذلك عندما اتخذت قرار الهجوم على إيران، وأقنعت ترامب بدعمها، أو إعطائها الضوء الأخضر، مع وعد بالدخول معها في الحرب إذا ما كانت النتيجة في غير مصلحتها.
وربما كان هناك اتفاق مسبق بين إسرائيل وإدارة ترامب على كل شيء مادام الهدف هو تغيير وجه الشرق الأوسط، وهو هدف إسرائيلي أمريكي، فكيف يمكن تحقيق ذلك من دون حرب ومن دون امتلاك جرأة وإمكانية الذهاب بها إلى أبعد الحدود؟
المعضلة فقط أن إسرائيل لن تستطيع وحدها تحقيق الهدف، ولا بدّ من أمريكا عاجلاً أو آجلاً.. والمرجح أن يكون عاجلاً.
بالأمس كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية ستتمكن من التصدي للهجمات الإيرانية لمدة عشرة أيام إضافية فقط من دون مساعدة الولايات المتحدة. وأوضحت أن إسرائيل، من دون تجديد مخزونها من الولايات المتحدة، تستطيع الحفاظ على دفاعها الصاروخي لمدة تتراوح بين 10 – 12 يوماً، في حال استمرت إيران بمعدل هجماتها الحالي.
وأضافت أن أنظمة الدفاع الإسرائيلية قد تتمكن بحلول نهاية الأسبوع من اعتراض جزء ضئيل فقط من الصواريخ، بسبب الحاجة إلى إعادة تشكيل ذخائرها الدفاعية.
بالتوازي نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن مسؤول أمريكي تحذيره من نقص صواريخ «آرو» الاعتراضية، وهو ما قد يؤثر سلباً على القدرات الدفاعية الإسرائيلية ضد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادمة من إيران.
وأكد أن إدارة ترامب تدرك هذه المشكلة وتعمل على تحسين أنظمتها الدفاعية البرية والبحرية والجوية. ولكن بالمقابل هناك مخاوف من استنزاف المخزون الأمريكي الدفاعي نفسه. ويقول توم كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: لا تستطيع الولايات المتحدة ولا الإسرائيليون الاستمرار في اعتراض الصواريخ طوال اليوم. ويضيف: على أمريكا التحرك بسرعة والقيام بما يلزم.
«القيام بما يلزم» أمر تستعجله إسرائيل بصورة مُلحة من إدارة ترامب، وفق الإعلام الإسرائيلي.. ولكن ما هي إمكانات «القيام بما يلزم» بالنسبة لإدارة ترامب؟
لنذكّرهنا أن ترامب غادر اجتماع مجموعة السبع يوم الإثنين الماضي (الذي انعقد في كندا) على عجل متحدثاً عن وضع خطير، ليدخل «غرفة عمليات طارئة» لـ80 دقيقة، مع فريقه للأمن القومي، ما أثار تكهنات واسعة بأن إدارة ترامب قررت الدخول المباشر في الحرب، لكن هذا لم يحدث.
صباح هذا اليوم الخميس تكون الحرب قد دخلت يومها السادس، ما زال خطاب ترامب مؤطراً بـ«قد».. قد نشارك وقد لا نشارك، قد نعود للتفاوض وقد لا نعود، قد نضرب المنشآت النووية الإيرانية وقد لا نضرب…. وهكذا.
لكن هذه الـ«قد» ليست مؤشراً إيجابياً بالضرورة كما قد يتفاءل البعض. لا يمكن إغفال أنها تحمل كلا الاتجاهين، وأنها تنحو باتجاه الجانب السلبي بصورة أكبر. كل هذا يُبقي المنطقة في حالة الترقب والقلق.. والانتظار.
كاتب وأكاديمي عراقي