حول «الاستسلام غير المشروط».. ورد إيران: “من يعرفنا لا يهددنا”

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:
هل هذا يعني أن ترامب يجهل إيران فيطلق التهديدات لها ولقيادتها الأعلى من ‏دون قدرة على التنفيذ، أم إنه يعرفها ومستعد لكل النتائج؟
يُقال في عاميتنا «الكلام ما عليه جمرك» وهذا المثل يجوز كمبدأ في السياسة، ‏وفي الحروب أيضاً، إذا ما أسقطناه كتصريح، فعندما تجنح الأطراف للتفاوض ‏والسلم يتم وضع جميع التهديدات جانباً، فتتقارب الأكف لتتصافح، مُعلنة التوافق ‏والاتفاق.‏
لا شك في أن ترامب يدرك أكثر من غيره أن طلبه من إيران «الاستسلام الكامل غير ‏المشروط» هو طلب فيه الكثير من المبالغة/اللاواقعية، وأن إيران سترد عليه كما ‏هو متوقع: «سنرد بحزم وبلا تردد».. فيما المرشد الأعلى علي الخامنئي قالها ‏بطريقته: من يعرفنا لا يهددنا..«العقلاء الذين يعرفون إيران وشعبها وتاريخها، لا ‏يخاطبون هذا الشعب بلغة التهديد،لأن الشعب الإيراني لا يمكن إخضاعه».‏
في إسرائيل يسود اعتقاد بأن الولايات المتحدة ستنضم قريباً للحرب، وأن ترامب ‏سيرغب «بأن يُذكر كمن كان جزءاً من إسقاط النظام الإيراني، وليس كمن بقي ‏على الهامش في أهم حدث أمني في القرن الحادي والعشرين».‏
هذا الاعتقاد مردّه أن ترامب يوحي على الدوام لإسرائيل بأنه إذا ما احتاجت ‏إسرائيل انضمام أمريكا للحرب، فإنه لن يتردد، وربما يكون أطلق وعداً بذلك، فهو ‏لا يزال يصرّح بأنه راضٍ تماماً عن سير الهجوم الإسرائيلي ولا يريده في هذه ‏المرحلة أن يتوقف.‏
ولكن إلى متى تستطيع إسرائيل الاستمرار على هذا الوضع، أي الاستمرار في ‏الصد والهجوم؟
إيران تعلن أنها لن تتوقف عن الرد الهجومي طالما أن إسرائيل مستمرة في ‏الضربات الهجومية، هذا يعني أن الحال مستمر إلى ما لا نهاية على قاعدة أن ‏الفوز يناله من يستطيع أن يصمد أكثر. وإيران تبدو واثقة من فوزها، وترامب ‏كذلك عندما يعلن أنه لن يسمح لها بالفوز.. وإذا كان ترامب لن يسمح لإيران ‏بالفوز فإن ذلك يحتم عليه أن يتخذ قرار الدخول في الحرب في المرحلة المقبلة، ‏فمن دون ذلك ستفوز إيران.‏
بالمقابل.. في أميركا، يسود اعتقاد أن إسرائيل لن تصمد طويلاً، وهذا ما سيجر ‏الولايات المتحدة نحو التورط بالحرب. ويبدو أن إسرائيل تعمدت وخططت لذلك ‏عندما اتخذت قرار الهجوم على إيران، وأقنعت ترامب بدعمها، أو إعطائها ‏الضوء الأخضر، مع وعد بالدخول معها في الحرب إذا ما كانت النتيجة في غير ‏مصلحتها.‏
وربما كان هناك اتفاق مسبق بين إسرائيل وإدارة ترامب على كل شيء مادام ‏الهدف هو تغيير وجه الشرق الأوسط، وهو هدف إسرائيلي أمريكي، فكيف يمكن ‏تحقيق ذلك من دون حرب ومن دون امتلاك جرأة وإمكانية الذهاب بها إلى أبعد ‏الحدود؟
المعضلة فقط أن إسرائيل لن تستطيع وحدها تحقيق الهدف، ولا بدّ من أمريكا ‏عاجلاً أو آجلاً.. والمرجح أن يكون عاجلاً.‏
بالأمس كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن الدفاعات الجوية ‏الإسرائيلية ستتمكن من التصدي للهجمات الإيرانية لمدة عشرة أيام إضافية فقط من ‏دون مساعدة الولايات المتحدة. وأوضحت أن إسرائيل، من دون تجديد مخزونها من ‏الولايات المتحدة، تستطيع الحفاظ على دفاعها الصاروخي لمدة تتراوح بين 10 – ‌‏12 يوماً، في حال استمرت إيران بمعدل هجماتها الحالي.‏
وأضافت أن أنظمة الدفاع الإسرائيلية قد تتمكن بحلول نهاية الأسبوع من اعتراض ‏جزء ضئيل فقط من الصواريخ، بسبب الحاجة إلى إعادة تشكيل ذخائرها الدفاعية.‏
بالتوازي نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن مسؤول أمريكي ‏تحذيره من نقص صواريخ «آرو» الاعتراضية، وهو ما قد يؤثر سلباً على ‏القدرات الدفاعية الإسرائيلية ضد الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادمة من ‏إيران.‏
وأكد أن إدارة ترامب تدرك هذه المشكلة وتعمل على تحسين أنظمتها الدفاعية ‏البرية والبحرية والجوية. ولكن بالمقابل هناك مخاوف من استنزاف المخزون ‏الأمريكي الدفاعي نفسه. ويقول توم كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في ‏مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: لا تستطيع الولايات المتحدة ولا ‏الإسرائيليون الاستمرار في اعتراض الصواريخ طوال اليوم. ويضيف: على ‏أمريكا التحرك بسرعة والقيام بما يلزم.‏
‏«القيام بما يلزم» أمر تستعجله إسرائيل بصورة مُلحة من إدارة ترامب، وفق ‏الإعلام الإسرائيلي.. ولكن ما هي إمكانات «القيام بما يلزم» بالنسبة لإدارة ‏ترامب؟
لنذكّرهنا أن ترامب غادر اجتماع مجموعة السبع يوم الإثنين الماضي (الذي انعقد ‏في كندا) على عجل متحدثاً عن وضع خطير، ليدخل «غرفة عمليات طارئة» ‏لـ80 دقيقة، مع فريقه للأمن القومي، ما أثار تكهنات واسعة بأن إدارة ترامب ‏قررت الدخول المباشر في الحرب، لكن هذا لم يحدث.‏
صباح هذا اليوم الخميس تكون الحرب قد دخلت يومها السادس، ما زال خطاب ‏ترامب مؤطراً بـ«قد».. قد نشارك وقد لا نشارك، قد نعود للتفاوض وقد لا نعود، ‏قد نضرب المنشآت النووية الإيرانية وقد لا نضرب…. وهكذا.‏

لكن هذه الـ«قد» ليست مؤشراً إيجابياً بالضرورة كما قد يتفاءل البعض. لا يمكن ‏إغفال أنها تحمل كلا الاتجاهين، وأنها تنحو باتجاه الجانب السلبي بصورة أكبر. ‏كل هذا يُبقي المنطقة في حالة الترقب والقلق.. والانتظار.‏

كاتب وأكاديمي عراقي

Leave a Comment
آخر الأخبار