الحرية- إلهام عثمان:
قد يثيرنا عند مشاهدة التلفاز أو متابعة صفحات التواصل الاجتماعي، رؤية أحدهم وهرولته مسرعاً لصعود خشبة المسرح أو غيره وهو باكياً تارة وصارخاً تارة أخرى، ليصافح أو يحتضن أحد المشاهير، أو ربما مراهق ملأ جدران غرفته الصغيرة بصور كثيرة لأحد المشاهير من رياضيين أو فنانين يعشقهم.
حيث يتحوّل الإعجاب بالنجوم هنا من تقدير بريء إلى ظاهرة معقدة تُعرف اضطراب هوس المشاهير، إذ لا يقتصر على متابعة المعجب لعمل فني أو إنجاز رياضي، بل أصبح اليوم هوساً يقتحم حياة المتابعين، ويهدّد صحتهم النفسية وعلاقاتهم الواقعية، ليتحوّل إلى وسواس قهري عند بعضهم.
ليطرح سؤالًا جوهرياً: أين ينتهي الإعجاب الصحي ويبدأ الهوس المدمر؟
خيط رفيع
وهنا أوضحت الاختصاصية النفسية هند زينو من خلال حوار مع “الحرية”، أنه من الطبيعي تماماً أن نجد في الشخصيات العامة مصدر إلهام وقدوة، إلا أن هذا الإعجاب قد يتحوّل إلى مسار خطير عندما يتجاوز حدوده، ويكون هذا الانجذاب من طرف واحد، لافتة إلى أن المراهقين هم الأكثر تأثراً، فنشاهد مثلاً فتيات يقلدن إحداهن في طريقة ارتداء الملابس أو المكياج ولون تسريحة الشعر، أو ربما في طريقة الحديث.
وكذلك الشبان، فيصبح انشغالًا قهرياً يلتهم وقت صاحبه وطاقته، ويبدأ هذا التحول عندما يقضي الشخص ساعات لا حصر لها في مطاردة أخبار نجمه المفضل عبر الإنترنت، وعندما يبدأ الشخص في إهمال مسؤولياته الدراسية، المهنية، وحتى الاجتماعية.
مبينة أن الأخطر من ذلك هو محاولة استنساخ حياة المشهور بشكل أعمى، وصولاً إلى بناء علاقة وهمية من طرف واحد، يعيش فيها المتابع قصة حب أو صداقة لا وجود لها إلا في مخيلته.
جذور الهوس
كما أشارت زينو إلى أن هذا السلوك ليس مجرد تعلق سطحي، بل قد ينبع من شعور بالفراغ العاطفي أو الوحدة، حيث يصبح عالم المشاهير البراق ملاذاً آمناً و مهرباً من واقع مؤلم أو رتيب، كما يلعب تدني تقدير الذات دوراً محورياً؛ فالشخص الذي يفتقر إلى الثقة بنفسه قد يجد في حياة المشهور تحقيقاً لأحلامه التي عجز عن بلوغها، مبينة أنه في بعض الحالات، قد يكون هذا الهوس مرتبطاً باضطرابات نفسية كامنة مثل القلق أو الوسواس القهري، ما يستدعي تدخلاً طبياً.
وقود رقمي
وهنا شددت زينو على أن منصات التواصل الاجتماعي صبّت الزيت على نار هذه الظاهرة، فمن خلال “إنستغرام” و”تيك توك”، أصبح الوصول إلى أدق تفاصيل حياة المشاهير متاحاً بضغطة زر، ما يوجد وهماً خطيراً بالقرب والمعرفة الشخصية، مضيفة: إن هذا التدفق المستمر للمعلومات يغذي المقارنات الاجتماعية السلبية ويزيد من الشعور بـ”الخوف من فوات الفرص، حيث يشعر المتابع أن حياته باهتة ومملة مقارنة بالحياة المثالية التي يعرضها المشاهير، متناسياً أنها غالباً ما تكون صورة منتقاة بعناية ولا تعكس الحقيقة كاملة.
طريق العودة
وعن الخطوة الأولى نحو استعادة التوازن تسترسل زينو، بأنها تبدأ بالاعتراف بوجود مشكلة، فعندما يدرك الشخص أن هذا التعلق قد سرق منه حياته الحقيقية، يصبح طلب المساعدة خياراً ممكناً، لافتة إلى أن العلاج النفسي يمكن أن يساعد في كشف الجذور النفسية لهذا الهوس، سواء كانت وحدة أو قلقاً أو ضعفاً في الثقة بالنفس.
وتقترح زينو عدة خطوات عملية: مثل تقنين الوقت على وسائل التواصل، والتركيز على بناء علاقات اجتماعية حقيقية وداعمة، والانخراط في هوايات وأنشطة تمنح شعوراً بالإنجاز والرضا الذاتي.
وختمت زينو: الإعجاب بالآخرين يجب ألا يكون على حساب حبنا وتقديرنا لذواتنا ويجب الفصل ما بين الواقع والعالم الافتراضي، وإن ليس كل ما يلمع ذهباً.