الحرية– أمين سليم الدريوسي:
في أعقاب الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية، عاد إلى الواجهة سؤال استراتيجي بالغ الأهمية: هل نجحت واشنطن فعلاً في تدمير قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي؟ ولكن الإجابة ليست بهذه البساطة، إذ تتداخل فيها الأبعاد العسكرية والتقنية والسياسية.
نجاح تكتيكي أم فشل استراتيجي؟
في 22 حزيران 2025، أقدمت الولايات المتحدة على شن هجمات جوية مركزة على منشآت إيران النووية نطنز وفوردو وأصفهان، وذلك بعد 12 يوماً من الهجمات الإسرائيلية المتتالية ليل نهار، وقد استخدمت الولايات المتحدة في هذه الهجمات قنابل خارقة للتحصينات من طراز «GBU-57» وبعد انجاز المهمة من الطائرات الشبحية «B2» صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن منشآت إيران الرئيسية لتخصيب اليورانيوم قد دُمرت بالكامل.
لكن تقييماً استخباراتياً سرياً، أشار إلى أن الضربات ألحقت أضراراً كبيرة لكنها لم تدمر المنشآت بالكامل، وأن جزءاً من اليورانيوم عالي التخصيب نُقل قبل الضربة، كما أن معظم أجهزة الطرد المركزي لم تتضرر.
اليورانيوم المخصب.. المادة موجودة ولكن أين؟
وفقاً لتقديرات وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، فإن إيران كانت تمتلك نحو 408 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 %، وهي كمية تقترب من العتبة اللازمة لصنع قنبلة نووية، ومع ذلك، لم يُعرف مصير هذه المواد بعد الضربة، ما يعزز فرضية نقلها إلى مواقع سرية.
وصرّح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بوضوح أنه «لا نعرف أين يمكن أن تكون هذه المواد.. ربما نُقل بعضها، وربما دُمّر، لكن لا بد من توضيح في مرحلة ما».
مع ذلك فإن صور الأقمار الصناعية أظهرت نشاطاً غير اعتيادي لشاحنات قرب منشأة فوردو قبل الضربات، ما يعزز فرضية نقل المواد إلى مواقع سرية.
صحيفة فايننشال تايمز نقلت عن مصادر استخباراتية أوروبية أن المخزون لم يكن متمركزاً في فوردو وقت الضربة، بل تم توزيعه مسبقاً.
منشآت بديلة تحت المجهر
تشير تقارير استخباراتية إلى أن هناك منشأة نووية جديدة تحت جبل يُعرف بـ«جبل الفأس» قرب نطنز، بعمق يصل إلى 100 متر، أي أكثر تحصيناً من فوردو، ويُعتقد أن هذه المنشأة قد تكون الملاذ الجديد للمخزون النووي، خاصة مع وجود أربعة مداخل وشبكة أنفاق معقدة، ما يجعلها شبه منيعة أمام القصف التقليدي.
المعرفة النووية.. هل يمكن قصف العقول؟
حتى لو تم تدمير البنية التحتية، فإن المعرفة التقنية والعلمية التي راكمتها إيران لا يمكن محوها بالقنابل، قد يسأل سائل ما الذي يدعونا لقول ذلك؟ الجواب، كيف لا وقد أشار مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق، جون راتكليف، إلى أن إيران «على وشك امتلاك قنبلة ذرية»، بينما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، إن «كل ما تحتاجه إيران هو قرار سياسي، ويمكنها صنع القنبلة خلال أسبوعين».
ما بعد الضربة
رغم إعلان واشنطن أمام مجلس الأمن أن الضربات «قلّصت فعلياً قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي»، فإن تقييماً أولياً للاستخبارات الأمريكية خلص إلى أن البرنامج تأخر لبضعة أشهر فقط، وليس أكثر، وقد عبّر السيناتور كريس فان هولن في هذا السياق عن قلقه من «تحريف ترامب للمعلومات الاستخباراتية وتلاعبه بها».
خلاصة القول
الضربات الجوية لم تُنهِ البرنامج النووي الإيراني، بل أعادت تشكيله في الظل، فالمادة الأساسية «اليورانيوم المخصب» موجودة ولكن خارج الرادار الدولي، والمعرفة التقنية باقية، والمنشآت البديلة قيد التشغيل أو البناء، ما لم يُستأنف التفتيش الدولي وتُكشف المواقع الجديدة، فإن الخطر النووي الإيراني لم يُستأصل، بل أصبح أكثر غموضاً وتعقيداً.
إذاً الضربة الأمريكية لم تُنهِ البرنامج النووي الإيراني، لكنها أعاقت قدرته التشغيلية مؤقتاً، ومع بقاء المواد، والمعرفة، والإرادة السياسية، فإن الخطر لم يُستأصل بل تغيّر شكله، ما لم يُعالج الملف عبر تسوية دبلوماسية شاملة، فإن سباق الظلال بين إيران والغرب سيستمر، وربما يدخل مرحلة أكثر غموضاً وخطورة.