خان الجوخية “سوق الخياطين” أول خانات دمشق

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- رنا بغدان:

اهتم السلاطين والولاة بدمشق، وبرز هذا الاهتمام ببناء المنشآت الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة التي أدت إلى بروز ملامح عمرانية حديثة اتسم بها الطابع المعماري لدمشق، فبنى السلاطين منشآتهم خارج أسوار مدينة دمشق، مثل جامع الشيخ محيي الدين أو التكية السليمانية، بينما بنى ولاة دمشق المنشآت داخل المدينة أو في أطرافها. ‏
وعلى عادة الولاة الكبار في القرن السادس عشر أنشأ أحمد باشا الذي ارتبط اسمه بالعديد من المنشآت وقفاً ضخماً في دمشق تضمن منشآت دينية واقتصادية واجتماعية كان عصبها يتمثل في “المدرسة- الخانقاه” التي ألحق بها تكية لتقديم الوجبات المجانية.
ولأجل تغطية مصاريف هذه المنشآت لتؤمن باستثمارها الدخل الدائم للوقف وتغطي نفقاته العديدة، بنى بالقرب منها خاناً كبيراً عرف باسم “خان الجوخ” أو “خان الجوخية” بينما أصبح يعرف في نهاية العهد العثماني باسم “خان الخياطين” بعد أن تغير اسم السوق إلى “سوق الخياطين” وأنشأ في الجوار سوقاً مهماً هو “سوق السيباهية- الأروام”.

عمارة الخان ‏

الخان الذي لا يزال موجوداً في وقتنا الحالي يتمتع بقيمة تاريخية، إذ إنه أول خان بني في دمشق؛ وتشير الوقفية التي قام بدراستها الباحث د. محمد م.الأرناؤوط مفصلاً في مجلة دراسات تاريخية إلى أن هذا الخان “القاسارية” كما يسمى بالعربي الشائع عند الدمشقيين في ذلك الوقت عرف في السابق بـ”العشر” ثم تعرض إلى تجديد وتوسيع حتى أصبح يعرف بالواقف المومى إليه وبإنشائه.
وتضيف الوقفية التفاصيل المعمارية للخان، إذ أصبح يتألف من طابقين وبالتحديد من أرضية مبلطة بالبلاط الأسود في وسطها بركة يجري إليها الماء من نهر القنوات، ومخازن سفلية مستديرة بها بكل واحد منها باب خاص يفتح على ساحة القاسارية المذكورة وشباك حديد لطيف مطل إلى أرض القاسارية، ومخازن علوية مستديرة بها. ‏

وصفه ‏

خلال الستينيات اهتم الباحث عبد القادر ريحاوي بهذا الخان، ضمن دراسته عن خانات دمشق، ووثق الواجهة الحجرية الأصلية له، بما في ذلك النقش المثبت على الباب الذي يحدد تاريخ بنائه سنة «960هـ ـ 1552م» وهو مغطى بساتر معدني قوامه الحديد والتوتياء ويمتد من زقاق “بين البحرتين” جنوباً إلى سوق مدحت باشا شمالاً ويقع على امتداد جادة سوق الحرير وسوق القلبقجية وأصبح يعرف حالياً باسم “سوق الخياطين”. ‏
كما ويشير الباحث حسن زكي الصواف في كتابه “دمشق أقدم عاصمة في العالم” إلى أن هذا السوق عرف في العهد المملوكي باسم “سوق الخواصين” وورد ذكر هذه التسمية في خريطتي دمشق القديمة اللتين وضعهما د.المنجد، كما ورد فيها أن قسمه الشمالي كان يعرف بـ”القبانين”، أما قسمه الجنوبي فكان يعرف بـ”الطواقين”.
أما تسمية “سوق الخياطين” فقد وردت لأول مرة عند القساطلي الذي ذكر به “باعة الأجواخ والمنسوجات وغيرها…”، وعند القاسمي بقوله: “الجوخي بائع الجوخ وغالبيتهم في سوق الخياطين”، ما يشير إلى نشوء هذه التسمية في العهد العثماني.
واليوم فقدَ هذا السوق كثيراً من تخصصه القديم وصار خليطاً من متاجر بيع الخيوط الحريرية والصوفية ولوازم الخياطة والملبوسات الشعبية، وكان يقسم في بدايات القرن العشرين إلى”سوق النورية أو الغزولية”: ويمتد بين سوق القلبقجية والمدرسة النورية الكبرى، و”سوق العقادين”: بين المدرسة النورية الكبرى وجامع الخياطين، وقد انتقلت هذه التسمية إلى هذا الموقع بعد أن كان سوق العقادين القديم بجوار سوق الصاغة في القوافين، وزال كلياً إثر حريق الجامع الأموي عام «1311هـ ـ 1893م»، وفي هذا السوق كانت تباع خيوط “التخريج” للصايات والشراويل والصداري والميتان.. ‏

Leave a Comment
آخر الأخبار