الحرّية- هبا علي أحمد:
يبقى السؤال الاقتصادي في سوريا اليوم متقدماً على غيره من الأسئلة على أهميتها، ولاسيما في أعقاب تشكيل الحكومة على اعتبار أن الاقتصاد يمس معيشة المواطن بشكل مباشر، وبالتالي فإن التحدّيات جمّة في هذا السياق، ولاسيما أن عملية الدمج الاقتصادي التي شهدتها وزارات عدة معنيّة بالاقتصاد فتحت باب التساؤل حول انعكاس هذا الدمج على النهوض الاقتصادي وأولويات النهوض، بمعنى هل تكون الأولوية لقطاعات دون غيرها – كالقطاع الصناعي- مؤثرة في حركة الإنتاج أكثر أو لا بد من نهضة شاملة متكاملة على اعتبار أن النهوض بكل القطاعات معاً هو المحرك الأساس لإنعاش الاقتصاد؟
– رغم أهمية التكامل القطاعي فإن الواقعية تفرض البدء بالأكثر تأثيراً وأقل تكلفة نسبية مع مراعاة التدرج في الانتقال نحو النهوض الشامل
بالعموم يرى خبراء الاقتصاد ضرورة وضع خطة عمل استراتيجية والاستعانة بمجلس اقتصادي وطني يجمع الخبراء لدعم العملية الإصلاحية الاقتصادية.
– بعض القطاعات تمتلك قدرة تحريكية عالية مثل الزراعة والصناعة والطاقة والتعليم الفني
مجلس النهضة السوري يُقدّم رؤيته في هذا السياق، حيث يرى الدكتور مجد صقور، دكتور الإدارة الاستراتيجية في كلية الاقتصاد- عضو مجلس أمناء المجلس النهضة السوري، أن سوريا تمرّ اليوم بمرحلة حرجة من تاريخها الاقتصادي، حيث تتقاطع الأزمات المالية والمعيشية مع التحدّيات السياسية والعقوبات الخارجية، في وقت بات فيه النهوض الاقتصادي شرطاً أساسياً للاستقرار الاجتماعي والتنموي.
– من أبرز التحدّيات التي تواجه الحكومة الأمن والأمان والسلم الأهلي إلى جانب إجراء إصلاحات اقتصادية كليّة وجزئية

تحدّيات الحكومة
وأوضح صقور في حديث لـ «الحرّية» أن من أبرز التحدّيات التي تواجه الحكومة السورية الحالية الأمن والأمان والسلم الأهلي، إلى جانب إجراء إصلاحات اقتصادية كليّة وجزئية، وتشمل الكليّة التضخم والعجز المالي وميزان المدفوعات وتعزيز القوة الشرائية، أما الجزئية فتشمل ضمان حقوق الملكية، تنظيم الأسواق، وتنظيم إدارة الموارد الطبيعية بشكل فعال وكفوء مع بناء آليات شفافة لإدارة هذه الموارد ومنع الفساد الإداري والمالي، أضف إلى ذلك العمل الدبلوماسي لإزالة العقوبات الاقتصادية الدولية والتصدي العاجل لمشاريع البنية التحتية من الكهرباء، النقل، المياه والخدمات الأساسية، مع معالجة هجرة الكفاءات والعقول السورية.
– ضرورة وضع خطة عمل إستراتيجية والاستعانة بمجلس اقتصادي وطني يجمع الخبراء لدعم العملية الإصلاحية الاقتصادية
-النهوض بالقطاع الصناعي
ويرى الخبير الاقتصادي أن النهوض بالقطاع الصناعي مهم في حركة الإنتاج وهذا يستدعي توفير البيئة الآمنة المشجعة للاستثمار التي تكسب ثقة المستثمرين في الداخل والمحيط العربي والعالم، مع إعادة تفعيل المدن الصناعية وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، حسب الدكتور صقور، الذي يُشير أيضاً إلى ضرورة توفير تسهيلات ضريبية وتمويلية للصناعات الصغيرة والمتوسطة، وترميم البنية التحتية الصناعية، تسهيل الوصول إلى الطاقة، إلى جانب إحياء الصناعات التصديرية والاستعاضة عن الواردات بمنتجات محلية، مع تشجيع التخصص الصناعي في كل محافظة حسب ميزاتها النسبية.
أولويات النهوض الاقتصادي
وحول أولويات النهوض الاقتصادي بين التركيز القطاعي والرؤية الشاملة، يُبيّن صقور أن بعض القطاعات تمتلك قدرة تحريكية عالية، مثل الزراعة لأهميتها في تحقيق الأمن الغذائي والصناعة لتوليد فرص العمل وزيادة الناتج المحلي، إضافة إلى الطاقة كمحرك أساسي لكل الأنشطة الاقتصادية والتعليم الفني لتأهيل الشباب لسوق العمل الإنتاجي.
ولفت الخبير إلى أنه رغم أهمية التكامل القطاعي، فإن الواقعية تفرض البدء بالأكثر تأثيراً وأقل تكلفة نسبية، مع مراعاة التدرج في الانتقال نحو النهوض الشامل.
وأكد الدكتور مجد حرص مجلس النهضة السوري على دعم عمل وزارة الاقتصاد والصناعة ولاسيما أن المرحلة الحالية تتطلب تتضافر جميع الجهود.
تحدّيات مرتبطة بالصناعة
بدوره، يعرض الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس النهضة، عامر ديب، التحدّيات التي تواجه الاقتصاد والصناعة والمرتبطة بجملة التحدّيات التي تواجه سوريا الجديدة، لافتاً إلى أنه لا يُمكن الحديث عن الصناعة بمعزل عن التحدّيات وبمعزل عن سياسة الدمج بين وزارة الاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية، كما لا يمكن الحديث عن الصناعة بمعزل عن السياسات النقدية السلبية من حبس سيولة وغياب القروض الإنتاجية، أضف إلى ذلك سلاسل التوريدات والتي تتأثر بالمجريات العالمية والأهم الحرب الاقتصادية العالمية والتي تفرعت منها حرب التعرفة الجمركية والتي كانت الأعلى عربياً على سوريا.
أسواق الصناعة
ومن جملة التحدّيات الأخرى المرتبطة بالصناعة، هو ما تعانيه أسواقها سواء الداخلية من تراجع القوة الشرائية جراء تزايد نسب البطالة وغياب الموارد المالية أو شحها للمواطن، بالإضافة لتذبذب سعر الصرف، أمّا الأسواق الخارجية فهي مليئة بالمنافسة وأغلبها كان يخرج من سوريا تهريباً، وهذا ينعكس على الخزينة خسائر كبيرة، من هنا يجب استثمار حرب التعرفة الجمركية لجذب الاستثمارات وتوطين الصناعات وأهمها صناعة تجميع السيارات، واستغلال الموقع المهم والقريب لسوريا من الأسواق، فالمعامل تشغل أيدي عاملة كثيرة وفنيين، والعمل على البدء بتجميع وتصنيع السيارات بكل أنواعها وطرازاتها بالشراكة مع الشركات العالمية، وبناء الثقة مع المستثمرين من خلال إجراءات اقتصادية ونقدية ومالية فعّالة على خلاف الإجراءات التي اتبعتها الحكومة السابقة، وبالتالي فإن مجمل هذه العوامل سيكون لها الأثر البالغ فالمفاهيم تتغير عالمياً ويجب أن نكون مبادرين لاستثمار الأزمات الاقتصادية الدولية وتوجيه الأنظار إلى سوريا.
انفتاح على التعاون
ونوّه الخبير ديب بأنه يجب التركيز على الصناعات التي تشكل قيمة مضافة والتي تسعى لإدخال الدولار وضبط عملية الاستيراد لا إيقافها، فالصناعة المحلية لا تستطيع تلبية حاجة السوق لذلك لابد من الاستيراد لتقليص الفجوة بين العرض والطلب، مُعيداً التأكيد على ما أشار إليه الدكتور صقور من حيث انفتاح المجلس للتعاون مع وزارة الاقتصاد والموارد وكافة وزارات الدولة الاقتصادية والخدمية وتقديم الحلول.
إشكاليات تشريعية وقانونية
في أعقاب عملية الدمج التي جمعَت بين وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ووزارة الصناعة السورية، يُقدّم علي إسماعيل نائب رئيس مجلس النهضة رؤية تشريعية وقانونية حول أبرز الإشكاليات التي تُعيق أداء الوزارة من حيث غياب مرسوم إحداث مُحدَّد، حيث يرى إسماعيل أن عدم صدور مرسوم تشريعي جديد يُحدد بوضوح المسؤوليات والمهام والصلاحيات الخاصة بالوزارة الناشئة يؤثر سلباً على تنظيم العمل وتوزيع الصلاحيات.
تداخل الهياكل التنظيمية، فعدم وجود هيكل تنظيمي موحد يجمع الوزارات المُدمجة، أدى إلى وجود ازدواج في المسؤوليات وتشابه في وحدات التنظيم، وبالتالي أثر ذلك على كفاءة إنجاز المهام، إلى جانب انعدام الهيكل الوظيفي والملاك العددي إذ إن غياب هيكل وظيفي واضح، وعدم وضع ملاك عددي دقيق للكوادر العاملة يُعقد عملية إدارة وتقييم الأداء البشري داخل الوزارة.
إلى جانب ذلك تراجع كفاءة الموارد البشرية، أدى انخفاض مستوى كفاءة الموارد البشرية نتيجة للتسرب الوظيفي الذي صاحب سنوات الصراع، إلى فقدان خبرات وكفاءات ضرورية لاستمرارية العمل والإنتاجية، كما أن نظام العمل المغلق أو المُقيد يفرض قيوداً على وضع خطط تطوير الموارد البشرية والاستجابة السريعة لمتطلبات العمل، ما يعيق عمليات التحديث والإصلاح في المجال الإداري، حسب إسماعيل مع تضخم حجم العمل ومسؤوليات الوزارة بشكل يفوق الإمكانيات الحالية، ما يستدعي مراجعة شاملة للأسس التنظيمية والإدارية.
مجلس وطني اقتصادي
ويرى إسماعيل أنه في ضوء هذه التحدّيات، يبدو أن وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور نضال الشعار، بخبرته وكفاءته، سيواجه واقعاً مليئاً بالصعوبات، مُقترحاً ضرورة وضع خطة عمل استراتيجية تشمل إصدار مرسوم إحداث جديد، ووضع هيكل تنظيمي ووظيفي واضح يحدد الآليات والسلطات، بالإضافة إلى تفويض الصلاحيات والاستعانة بمجلس اقتصادي وطني يجمع الخبراء الاقتصاديين السوريين بهدف دعم العملية الإصلاحية وتحسين أداء الوزارة بشكل يشمل جميع جوانب العمل الإداري والتشغيلي.