خبيران يقدمان وصفة للنهوض بالقطاع الزراعي.. الاستثمار الأفضل لحالة الانفتاح ومحاربة إغراق الأسواق

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية– سامي عيسى:
الحديث عن الزراعة السورية له شجونه الخاصة، وميزاته المتنوعة، التي ينفرد بها، وقوة البقاء التي تعطيه إمكانية الاستمرار في حالة التنوع الكبيرة، والتي تتماشى مع الطبيعة المناخية، وتوزعها الجغرافي على كامل الجغرافية السورية، التي شكلت ركيزة أساسية عبر عقود من الزمن، ليس لتأمين حاجة الأسواق المحلية فحسب، بل تمتد لتأمين حاجة الأسواق العربية وغيرها، انطلاقاً من بوابة الأمن الغذائي العربي، وهذا من فرضيات واقع يسعى فيه الجميع لتأمين حاجة شعوب المنطقة..
ذاكرة زراعية
بالأمس القريب، كان لدينا فائض من إنتاجنا الزراعي، قارب خمسة ملايين طن قمح مخزون احتياطي، ثلاثة منها إنتاج سنوي، إن لم يكن أكثر ومليون طن من الحمضيات، ومن القطن مثلها أو يزيد، ومن الزيتون وزيته مئات آلاف الأطنان، إلى آخره من مواسم الخير، التي كنا نتغنى وننعم بها، نحن كسوريين، إلى أن أصابتنا عين الحسد ويد الغدر من أهل الطمع والجشع، من الدول الاستعمارية المتكالبة على خيراتنا، فكانت المؤامرة الكبرى والحرب، واستكمالها بعقوبات اقتصادية استهدفت ما تبقى من مقومات اقتصادنا الوطني، بعد أن دمرت آلة الحرب المكون الزراعي ومواسمه الرئيسية، إلى جانب استهداف المكونات الصناعية، والنفط وغيرها، لكن الاستهداف المباشر كان للقطاع الزراعي والحيواني، نظراً لأهميته في استقرار الوضع الداخلي، وتأمين حياة المواطن المعيشية من جهة، وما يشكله من حالة اقتصادية متكاملة، داعمة للاقتصاد الوطني من جهة أخرى، والأهم اعتباره أيضاً أهم الموارد الرئيسية للدخل القومي، وعليه مسؤولية تأمين سبل، ووسائل العيش الكريم للمواطنين، وتأمين مستلزمات الصناعات التحويلية، من دون أن ننسى ما يؤمنه من مجالات عمل مولدة لفرص تستوعب اليد العاملة الوافدة إلى السوق، وانعكاس ذلك بإيجابية كاملة على القطاعات الأخرى..

مسؤولية مشتركة

لكن ثمة أسئلة كثيرة تثير قلق المواطنين هذه الأيام وسط تراجع الإنتاجية الزراعية الكلية، بسبب الحرب وما تركته من آثار مدمرة لهذا القطاع من جهة، والعقوبات الاقتصادية والحصار من جهة أخرى، لكن الأخطر انفتاح الأسواق المحلية على الخارج، في ظل واقع سيئ تعيشه زراعتنا الوطنية..
هذا بدوره يفرض سؤالاً الجميع معني بالإجابة عنه، أهل الزراعة والخبراء، والمهتمون بالشأن الاقتصادي، وغيرهم كثير، كيف نوفر الحماية لزراعتنا المحلية، في ظل عملية الانفتاح المتسارعة، وإغراق أسواقنا بمنتجات مماثلة، تهدد زوال الإنتاجية الوطنية، وانقراض أهل الزراعة، والسؤال الأهم كيف نستثمر رفع العقوبات الاقتصادية عن البلد، لتطوير هذا القطاع، ومنع إغراق أسواقنا المحلية، بمنتجات نحن قادرون على توفيرها؟
كل ذلك باهتمام الجميع، لأن المسؤولية ليست مرتبطة بحكومة أو أي جهة، بل هي مهمة ومسؤولية المواطن قبل الحكومة وأدواتها..

أيوب: زيادة المزارع الإنتاجية مرهونة بتدخل البنوك العاملة في سورية لتقديم قروض للمزارعين بفوائد رمزية وصغيرة

حكاية جغرافية ومناخ

عضو غرفة زراعة دمشق وريفها الدكتور “مجد أيوب” يتحدث من باب الخوف والقلق، على ما يحدث، ومن باب المسؤولية التي تحدثنا عنها قال إن سورية بإنتاجها الزراعي الوفير، وخاصة الخضار منه، والممتد على كامل مساحتها.. يبدأ الإنتاج في المناطق الشرقية، وعلى ضفاف نهر الفرات حيث الحرارة مرتفعة، ثم ينتقل إلى المناطق الوسطى، من حلب نزولاً إلى درعا والسويداء، مروراً بريف دمشق، وأخيراً تبقى بعض الكميات التي تنتج في المناطق الباردة نسبياً، وهو إنتاج متأخر وعالي التكلفة، ولذلك فإن قرار وزير الاقتصاد والصناعة رقم 386 تاريخ 27- 5- 2025 الذي “انتظرناه طويلاً” سيكون له أثر كبير في حماية الإنتاج المحلي، من الخضار الرئيسية والمنتجة محلياً، من عمليات الاستيراد غير المدروسة، وغير المعتمدة على روزنامة زراعية، علماً أن دول الجوار ليس لديها كميات كبيرة من هذه المنتجات، فهي كانت تستورد دائماً حاجتها من الإنتاج السوري، إضافة إلى ذلك لابد للجهات الرسمية المسؤولة في الدولة، سواء في الجمارك أو الأمانة العامة للمعابر البرية والبحرية، من أخذ الأمر بجدية وعدم السماح بإدخال أي كميات من هذه المنتجات الزراعية، سواء بشكل نظامي أو غيره..

تدخل مريح للبنوك

ويرى أيوب أن مسألة دعم القطاع الزراعي ليست وليدة الحاضر من الأيام، بل تعود لسنوات مضت انطلاقاً من الأهمية الغذائية والأمنية المزدوجة التي تحقق الاستقرار الغذائي للسوق المحلية، ومعها العديد من الأسواق العربية، بدليل صدور قانون الدعم الزراعي منذ أكثر من عشر سنوات، وهدفه دعم المزارعين المتضررين جراء الكوارث الطبيعية، ولكي يتمكن المزارع من الإنتاج، فهو يحتاج إلى تدخل البنوك العاملة في سورية، لتقديم قروض للمزارعين بفوائد رمزية وصغيرة، ليتمكنوا من العمل والإنتاج، من دون التخوف من عدم إمكانية قدرتهم على تسديد ديونهم، مع تأكيد أن الإنتاج السوري الكبير يصل إلى يد المستهلك بأسعار بسيطة، تسمح له بالتمتع به، وخاصة في حالات ذروة الإنتاج، أما الأسعار المرتفعة التي نشاهدها في الأسواق عند بداية ونهاية فترات الإنتاج، فهي تستند إلى نقص العرض من المواد، ورغبة المزارع بالحصول على أسعار أفضل في بداية ونهاية الفترة الإنتاجية، لتأمين مصاريف تجديد الزراعة، إضافة إلى نفقاته المنزلية..

حلم العودة

وبالتالي العودة إلى هذا المرحلة التي مرت بها سورية، وارتاحت فيها مواسمها من حيث الدعم ووفرة الإنتاج، تحتاج لكثير من الجهود اليوم، لاسيما بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وفك حالة الحصار المفروضة على مكونات الاقتصاد الوطني، وهنا يؤكد “أيوب” أهمية رفع العقوبات وانعكاسها الإيجابي على مكون الإنتاج الزراعي وذلك من خلال: تأمين دخول مستلزمات الإنتاج الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، بأسعار منخفضة وفي متناول المزارعين والمربين، مع إمكانية إنشاء مراكز متطورة للفرز والتوضيب، قادرة على تأمين احتياجات التصدير، بشكل متناسب مع رغبات المستهلكين في الأسواق الخارجية سواء العربية منها أو الأوروبية..
إلى جانب إنشاء معامل لتصنيع الإنتاج الزراعي، وتعليبه حسب المواصفات العالمية سواء للإنتاج النباتي أو الحيواني، إنشاء مزارع تربية للإنتاج الحيواني، ذات إمكانات عالية للإنتاج والتسويق، سواء للمنتجات الرئيسية، كالحليب والبيض واللحوم الطازجة أو المعلبة..
ويرى “أيوب”: في النهاية لابد من التأكيد أن الإنتاج غير السوري، والمتوافر في الأسواق حالياً، سببه الرئيسي هو إدخال منتجات من دول عربية أو آسيوية في الفترات السابقة، والتي لم يكن الإنتاج المحلي وقتها كافياً، لتغطية حاجة الأسواق المحلية..

“قرنفلة”: فوائد مزدوجة نحققها من رفع العقوبات الاقتصادية أهمها تحسين إنتاجية القطاع الزراعي ورفع نسبة المساهمة في الناتج المحلي

حسابات الزراعة الذكية

وضمن الإطار ذاته الخبير الزراعي “عبد الرحمن قرنفلة” أكد خلال حديثه لصحيفتنا “الحرية” مسألة مهمة بأن الزراعة في عصرنا الراهن، لم تعد زراعة تقليدية كما كانت قبل عقود، بل ساهم التطور العلمي والتكنولوجي بالوصول إلى الزراعة الذكية، والزراعة الرقمية الدقيقة، ودمج انترنت الأشياء في العمليات الإنتاجية الزراعية.
كما تطورت آلات ومدخلات الإنتاج بشكل مذهل خلال السنوات الخمسين الأخيرة، وأصبح التحكم ببيئة إنتاج النباتات والحيوانات، يتم من خلال أجهزة الحواسب الآلية والأبنية والمنشآت الاقتصادية، ولطالما شكلت العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية منذ ستة عقود عقبة أمام نمو وتطور قطاعات الاقتصاد السوري المتعددة، وفي مقدمتها القطاع الزراعي، الذي يعتبر أكثر القطاعات الإنتاجية استجابة للتغيرات التكنولوجية، حيث قيدت العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري مرونة المؤسسات الرسمية، والقطاع الخاص، في مجال تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي، من آلات ومعدات حديثة وأسمدة، ومبيدات وأعلاف، ومنعت وصول التقنيات المتطورة في مجال الري، ما خفض كفاءة استعمالات المياه للزراعة، وكذلك ساهمت العقوبات في تخلف طرق الإنتاج الحيواني، وأدت إلى تراجع إنتاج الوحدة الحيوانية من البروتين الحيواني، ما انعكس سلباً على حصة المواطن من ذلك البروتين، كما قيدت نشاط الجهات والأفراد العاملين في تصدير المنتجات الزراعية، بفعل صعوبة تحويل قيمة صادراتهم، حيث عُرفت سوريا تقليدياً بجودة منتجاتها الزراعية التي تلاقي رواجاً في الأسواق العربية والدولية.

فوائد مزدوجة

وهنا يوضح “قرنفلة” أن رفع العقوبات الاقتصادية يسهم في تحسين إنتاجية القطاع الزراعي ويرفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ويخلق فرص عمل متعددة بفعل ارتباطات القطاع الزراعي الأمامية والخلفية، مع باقي قطاعات الاقتصاد السوري كما يسمح رفع العقوبات الاقتصادية بتأمين التقنيات الحديثة الضرورية لزيادة إنتاج وحدة المساحة أو زيادة إنتاج الوحدة الحيوانية واستيراد الأسمدة النانوية وتكنولوجيا الري الحديث، والأدوية واللقاحات البيطرية، ويسمح بتدفق الأموال اللازمة لتطوير، وتحديث أنماط ووسائل الإنتاج، ويساهم انفتاح الاقتصاد بتوفر استثمارات وحلول لمواجهة آثار الجفاف، والتحديات الأخرى التي تواجه الزراعة السورية، وإتباع أساليب الزراعة الرقمية والزراعة الذكية، وإدخال انترنت الأشياء في العمليات الزراعية.
وفي نهاية الأمر فإن العاملين في قطاع الزراعة، وإنتاج الغذاء في سوريا، يأملون أن يساهم رفع العقوبات الاقتصادية في إحداث ثورة حقيقية في الزراعة السورية، ويعيد إلى البلاد ألقها حيث شكلت تاريخياً إهراءات روما وساهمت في دعم الأمن الغذائي، ليس لمواطنيها فحسب بل في ترسيخ الأمن الغذائي العالمي.
وهذا ما نأمل تحقيقه على صعيد زراعتنا والعودة إلى حلم الوفرة من المنتجات، لا بل زيادتها أيضاً..

Leave a Comment
آخر الأخبار