الحرية- علاء الدين إسماعيل:
اشتدت أزمة المياه في سوريا وما يترتب عليها من عواقب وخيمة بسبب تغير المناخ وأنماط الطقس التي صار من الصعب التنبؤ بها.
وساهمت النزاعات المستمرة في تدمير البنية التحتية، التي كانت توفر خدمات المياه والصرف الصحي وتحفظ النظافة العامة وفوق ذلك كله، جاءت الأزمة الاقتصادية نتيجة التهجير القسري وجعلت توفير المياه عبئاً على كثير من الناس.
وبيّن الخبير الزراعي والباحث المناخي المهندس أنس الرحمون، أن سوريا تستمد مياهها العذبة من نهر الفرات، وهو أحد أشهر الأنهار في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى نهر دجلة، أحد أكبر الأنهار في غرب آسيا، ومن الآبار الجوفية المنتشرة في القطر.
تأثر مباشر
وأضاف في تصريح لصحيفة “الحرية”: لقد انخفض منسوب الفرات انخفاضاً كبيراً في العقدين الماضيين، وتأثرت سوريا تأثراً مباشراً من جرّاء ذلك الانخفاض، فنقصت المياه الصالحة للشرب والزراعة أو لتشغيل محطات الطاقة الكهرمائية، وكلها قطاعات حيوية.
وإن حالات الجفاف الشديد، التي كانت نادرة فيما مضى وتستمر لعدة سنوات، زاد تواتر حدوثها مرتين إلى ثلاث مرات بسبب الاحتباس الحراري وما نتج عنه من تداعيات، وأبرزها أن ينخفض الجريان السطحي للأنهار مع انخفاض هطول الأمطار على الجبال في تركيا وسوريا، ما يعني زيادة الاعتماد على المياه الجوفية ومياه الأمطار.
تفشي التدهور البيئي
وأشار إلى أن الاستغلال المفرط لموارد المياه العذبة، وزيادة تلوث المياه، وسوء معالجة المياه العادمة، فضلاً عن انتشار ظاهرة التصحر، كلها أدت إلى تفشّي التدهور البيئي في سوريا، وأن نظام الأسد البائد فشل في إدارة الطلب المتزايد على المياه في ظل ما تعانيه البلاد من تغير المناخ وتكرر الجفاف.
وأكد الرحمون المضي قدماً في تنفيذ اتفاق حكومتنا مع قسد شرق الفرات.
هل ستعود الجارة تركيا للإطلاقات المائية المتفق عليها نحو الفرات؟
في 17 حزيران من صيف 1987 وقّعت سوريا اتفاقية مياه مع تركيا، نصّت على تعهد الجانب التّركي بأن يوفّر معدلاً سنوياً يزيد على 500 م3/ثا عند الحدود التركية- السورية، ولاحقاً في عام 1994 تم توثيق الاتفاقية لدى الأمم المتحدة، للأسف حصتنا من نهر الفرات انخفضت من 500 م3/ثا إلى 180 م3/ثا، كون تركيا عادت لملء سدودها منذ أشهر عقب توقفها عن خطط الملء بعد زلزال 6 شباط، خشية وجود أضرار في أجسام السدود، وفي ظلِّ سنة الجفاف القاسية الحالية.
لفت النظّر حول سبل تعزيز أمننا المائي، والتي تبدأ من الفرد وتنتهي بالحكومة مروراً بالمؤسسات والمنظمات للعبور من سنوات الجفاف والتغيّر المُناخي بأمان.
وتساءل الرحمون: هل يجب على الدّولة السّورية أن تعلن حالة طوارئ من الجفاف هذه السّنة؟
بات واجباً
في الواقع فإنَّ القرار في ذلك يعود للمسؤولين في البلد، لكن النّاظر إلى «إحصاءات الهطولات المطريّة الضّعيفة جداً هذا الموسم (40%). وتراجع منسوب كافة البحيرات في البلد (50%)، وانخفاض تدفقات الأنهار بشكل مخيف (30%). إضافة إلى استنزاف كلّ من المياه الجوفية والسطحية»، يجد أنّ إعلان حالة طوارئ الجفاف باتت من أوجب الواجبات، ويجب أن تُعلن على مستوى البلاد، وممكن أن تسري إجراءاتها ذات الصّلة على أكثر من وزارة، وعلى سبيل المثال لا الحصر :
وزارة الطّاقة من خلال تقسيم فواتير المياه إلى شرائح بعد تقدير حصّة الفرد، وجعل الشّريحة الأولى التي تخص عامة الشّعب الفقير بسعر رمزي، ومضاعفة أسعار الشّرائح المستهلكة ما فوق حصّة الفرد لضبط المستهترين والمسرفين .
وزارة الزّراعة من خلال دراسة المقنن المائي للمحاصيل الخضرية الصّيفية، وتأطير نضح الآبار الجوفية العاملة بأنظمة الطاقة الشمسية بما يتناسب مع المقنن بحيث نحافظ على دعم المزارع دون استنزاف المياه الجوفية، كون الفترة القادمة فترة طول نهار وشمس ساطعة أغلب الأوقات، إضافة لتعميم نهج الزراعة الذكية مناخياً، مع التوجه بقوة نحو مشاريع حصاد المياه في مناطق الاستقرار المطري الأولى والثانية.
وزارة الخارجية من خلال العمل الدبلوماسي الدؤوب للعودة إلى اتفاقيات المياه القديمة مع دول الجوار بما يعود بالنفع على مخزوننا من المياه العذبة.
وزارة الإعلام عبر التّوجيه نحو البرامج التّوعوية بأهمية المياه وبحساسية الظرف الذي تمر به البلاد، والضخ الإعلامي القوي نحو هذا الاتجاه في كلّ مناسبة.
وزارة الإدارة المحلية بالتوجه السريع نحو مشاريع معالجة المياه الرمادية وإدخالها بسلاسل إنتاج مناسبة.
وزارة التعليم العالي بدعم البحث العلمي الخاص بمشكلة التغيّر المناخي، ووضع تصوّرات مستقبلية لبناء نظام إنذار جفاف مبكر بعيد المدى.
وزارة الأوقاف من خلال الإيعاز لخطباء المساجد والأئمة للتأكيد في الخطب والدروس على صناعة وعي مجتمعي مرتكز إلى نهج ديننا الحنيف الدّاعي لعدم الإسراف والتبذير، وخاصة في المياه.
وزارة التربية بتخصيص أوقات مقتطعة من كل حصة درسيّة لبيان أهمية الثروة المائية، وحث التلاميذ على ترشيد استهلاك المياه في المنازل ونقل المعلومة للأهل ليكونوا رُسل هذا التوجه في كل بيت.
كنز مهدور
وختم الرحمون واصفاً نبعة عين الزرقا بريف إدلب بالكنز المهدور في البحار.
مضيفاً: لأنّ البشر لا يتعرّفون على النِّعم إلا بفقدها، ولأنَّ العام قد بدا واتضح بلا مواربةٍ أنّه عام قحطٍ وجفاف، يضيقُ صدري كلّما تذكّرت ذاك الكنز القابع على أكتاف دركوش، وكيف تسيحُ مياهه العذبة عبر العاصي إلى تركيا، ومنها إلى البحر الأبيض المتوسط، معلومةٌ كنتُ قد سمعتها من أحد العاملين في مجال الري، تدفق “عين الزرقا” يبلغ 5 متر مكعب كل ثانية، ولفهم هذا الرّقم، أوضّح بأنّه يعني غيمةً مستقرّة تمطرُ كلَّ ثانية 5 ملم ولا تبرحُ مساحةً قدرها واحد دونم!
خلال مطلع الألفيّة الجديدة كان العملُ جاداً على جرِّ مياه عين الزرقا إلى إدلب وسراقب ومعرة النعمان وخان شيخون، وعلى الطرف الآخر كانت دراسات قائمة لجر مياه الفرات إلى ريف حلب، وأعتقدُ بأنَّ هذه المشاريع ستبصرُ النُّور فور خروج حكومة دولتنا الجديدة من ضيق العقوبات إلى فسحة إعادة الإعمار، لتعود إدلب خضراء كما كانت، مروجها وغابها تزدهر بالحبوبِ والخضار، وجبلها ومعرّتها تكتظُّ بالفاكهةِ والأشجار.
هذا على مستوى عين واحدة، فكيف بعيون ساحلنا وجباله، وبمياهنا الجوفية في باديتنا الشاسعة؟، فسوريا غنية وتنقصها اليدُ العليا ذات الحكمةِ و الشّرف، والتي غابت عنها خمسة وخمسين عاماً، وحتى ذلك الحين احرصوا على كل نقطةِ ماءٍ، فإنّكم -والله- عنها موقوفون مسؤولون.